إيران تتعلم الدروس من استخدام روسيا للصواريخ في أوكرانيا

هذه هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تلعب فيها الصواريخ الباليستية التكتيكية دورًا رئيسيًا في المعركة.

ميدل ايست نيوز: تحول غزو روسيا لأوكرانيا إلى أكبر أرض اختبار للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز في الحرب الحديثة. ووفقًا لأحدث الأرقام من مسؤول كبير في الولايات المتحدة اعتبارًا من 29 أبريل/نيسان 2022، فقد أطلقت روسيا أكثر من 1950 صاروخًا؛ أي أكثر بكثير من صواريخ كروز الـ955 التي أطلقتها القوات الأمريكية خلال غزو العراق في عام 2003.

وبصرف النظر عن العدد، يختلف استخدام الصواريخ في العملية الروسية أيضًا عن حروب القرن الـ21 السابقة من حيث مزيج الأنظمة المستخدمة. فقد شملت استراتيجية الصواريخ الروسية استخدام الضربات الباليستية (من صواريخ إسكندر وتوشكا-إم)، وإطلاق صواريخ كروز (كاليبر)، والأسلحة الفرط صوتية (كينجال)، وأنظمة الدفاع الساحلية التي تهاجم الأهداف الأرضية (أنظمة باستيون وبال).

وبالمقارنة، فقد اعتمدت القوات الأمريكية في العراق فقط على ضربات صواريخ كروز، باستخدام صواريخ “توماهوك BGM-109″ و”AGM-86 CALCAM”.

في الواقع، فإن هذه هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تلعب فيها الصواريخ الباليستية التكتيكية دورًا رئيسيًا في المعركة. بالتالي من المنطقي أن نتصور أن الجيوش في جميع أنحاء العالم تشاهد هذه التطورات بعناية، وإيران ليست استثناءً بالتأكيد.

ومع اعتماد عقيدتها العسكرية بكثافة على قوات الصواريخ الباليستية، فإن إيران لديها اهتمام خاص بالحرب في أوكرانيا وتتعلم الدروس من استخدام روسيا للصواريخ.

المفاوضات لا تردع كالصواريخ

على الرغم من التقارير الأخيرة حول سلسلة الانفجارات على الجانب الروسي من الحدود، فإن النطاق المحدود لضربات أوكرانيا بعيدة المدى وعدم قدرتها على التسبب بأضرار خلف الخطوط الأمامية في الأراضي الروسية، منع حدوث تمدد ذي مغزى للحرب إلى روسيا القارية.

وأثر غياب مثل هذا التهديد على حسابات روسيا عند بدء الحرب وأعاق قدرة الجيش الأوكراني على ردع العدوان الروسي. هكذا ينظر الجيش الإيراني إلى الحرب في أوكرانيا. واتضح هذا المنطق في نشرة داخلية من فيلق الحرس الثوري الإسلامي، والذي ينص على أنه “من خلال بناء توازن للخوف، يمكن أن تمنع الصواريخ الحرب وستجبر على الخصوم على اللجوء إلى الدبلوماسية”.

وعلى نفس المنوال، قال نائب رئيس الأركان العامة الإيرانية للقوات المسلحة اللواء “عزيز ناصر زاده”: “الدرس الرئيسي من الحرب الأوكرانية هو أنه لا يمكنك تجاهل الردع والتحدث عن الحد من الصواريخ (العسكرية) الخاصة بك”.

وأدلت العديد من الشخصيات المحافظة في إيران أيضًا بتعليقات مماثلة، مما يدعم السردية القائلة بأن الحرب هي مصير أي بلد تتخلى عن قدراتها على ردع الخصوم وتعتمد على الضمانات الأمنية من القوى الأجنبية، في إشارة إلى مذكرة بودابست 1994، التي نقلت فيها أوكرانيا الصواريخ الاستراتيجية السوفيتية السابقة والأسلحة النووية إلى روسيا مقابل ضمانات الأمن.

تعزز الحرب في أوكرانيا موقف أولئك الذين يؤكدون على أهمية “القوة والردع” والالتزام بسياسة “لا تفاوض” فيما يتعلق ببرنامج الصواريخ الإيراني. يُنظر إلى التفاوض مع الحكومة الأمريكية حول برنامج الصواريخ الإيراني على أنه محفوف بالمخاطر وغير موثوق به، في حين يتم تصوير قدرات الصواريخ المحلية في طهران على أنها ضمان الردع والاستقرار. وهكذا، من المرجح أن تدعم الحرب في أوكرانيا تصور إيران بأن الصواريخ هي أداة حرجة للردع لا ينبغي إضعافها.

الصواريخ الباليستية قيّمة في المعركة

بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تؤثر حرب أوكرانيا على التفكير في عقيدة الصواريخ الإيرانية، وخاصة الطرق التي ينبغي أن تستخدم بها الصواريخ على المستوى التكتيكي. فقد أثبتت ضربات الصواريخ الدقيقة أنها وسيلة روسية حرجة لتحييد البنية التحتية الأوكرانية والقدرات الأوكرانية في المناطق التي كان القصف الجوي محفوفًا بالمخاطر.

وتسببت الضربات الدقيقة لصواريخ “إسكندر” في أضرار كبيرة وقوضت القدرات الأوكرانية لدى مزجها بإطلاق النار الجماعي. اعتمد الاستهداف الروسي للأصول العسكرية الأوكرانية والسكك الحديدية واللوجستيات في الجزء الغربي من البلاد إلى حد كبير على ضربات الصواريخ. وحتى الآن، بعد أكثر من شهرين من الحرب، تستمر الصواريخ في لعب دور تكتيكي رئيسي في حملة روسيا.

تعزز هذه الملاحظات الأولية التقييمات الإيرانية السابقة حول قيمة مزج إطلاق النار الجماعي مع الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى على أرض المعركة. في السنوات الأخيرة، أصبحت طهران أكثر ثقة في الإشارة إلى القيمة التشغيلية لصواريخها الدقيقة.

ربما اتضح هذا أكثر في استخدام طهران لصواريخها الباليستية لضرب مواقع “تنظيم الدولة” في شرق سوريا في عام 2017، ومعاقل الجماعات الانفصالية الكردية في العراق في عام 2018، وقاعدة “عين الأسد” الأمريكية في عام 2020، ومركز الاستخبارات الإسرائيلي المزعوم في أربيل في عام 2022.

تثبت الحالة الأوكرانية أن الحفاظ على إطلاق الصواريخ على مواقع العدو أمر ممكن وفعال في حرب تقليدية كبيرة أيضًا، خاصة عندما يفشل الردع وتصبح الحرب أمرًا لا مفر منه، عندها يمكن أن تساعد الصواريخ في التعويض عن غياب القوة الجوية على المستوى التكتيكي.

خلافات حول دور القوة الجوية

أحد أهم الأسباب التي دفعت روسيا للاعتماد الشديد على الصواريخ في أوكرانيا هو فشل سلاح الجو في تأمين التفوق الجوي. وبالنسبة لبلد مثل إيران، الذي يمتلك أسطولًا قديمًا من الطائرات المقاتلة التي تحتاج التحديث، يوفر أداء سلاح الجو الروسي في أوكرانيا دروسًا حيوية.

لسنوات، كانت هناك خلافات في مؤسسة الدفاع الإيرانية حول ما إن كانت أولوية الاستثمار لسلاح الجو أم برنامج الصواريخ. ووسط العقوبات وعدم القدرة على الوصول إلى سوق الأسلحة الدولي، قررت إيران إعطاء الأولوية لقوات الصواريخ مع محاولة الحفاظ على أسطولها القديم من خلال جهود تحديث ذاتية وتنفيذ التقنيات الجديدة، مثل الطائرات بدون طيار.

لطالما تشكك الاستراتيجيون الإيرانيون في فوائد الحفاظ على سلاح الجو التقليدي إن كان سيواجه سلاح الجو الأمريكي الأقوى. وأظهر العرض العسكري في أبريل/نيسان 2022 للجيش التقليدي الإيراني تحولًا في اختيار أنظمة الأسلحة، مع تصدر الصواريخ، وأنظمة الصواريخ أرض-جو، وتقديم أولوية الطائرات المسيرة على الطائرات المقاتلة.

في الوقت نفسه، ظلت فكرة إحياء سلاح الجو الإيراني عن طريق شراء الطائرات الروسية الصنع قائمة. أما الآن، فالسؤال هو ما إذا كان الدور المثير للجدل للقوى الجوية الروسية في الصراع الأوكراني سيؤثر على تقييم إيران لقيمة سلاح الجو الخاص بها.

قد يثير الأداء الضعيف لروسيا شكوكًا حول قيمة القوة الجوية في العقيدة العسكرية الإيرانية والطريقة التي تحارب بها الحروب المستقبلية، كما قد يعمق الشكوك حول إنفاق الموارد المالية المحدودة لطهران على الطائرات العسكرية. وبالتالي، قد تغير حرب أوكرانيا توازن القوى داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية لصالح أولئك الذين يعطون الأولوية للصواريخ على القوة الجوية التقليدية.

أهمية مخزون الصواريخ

أبرزت تجربة روسيا في أوكرانيا أسئلة مهمة حول كمية وجودة مخزونات الصواريخ أيضًا. تقدر المصادر الأمريكية أن معدل الفشل في بعض الصواريخ الموجهة الروسية يصل إلى 60%.

ومهما كانت أسباب ذلك -مثل الحرب الإلكترونية الأوكرانية، أو فشل الإطلاق، أو جودة الإنتاج المنخفضة، أو الظروف الجوية، أو مشكلات الصيانة- فإن معدل الفشل المرتفع يعني الحاجة لإطلاق المزيد من الصواريخ على الهدف الواحد. في هذه الحالة، يصبح حجم مخزون الصواريخ الكلي عاملاً مهمًا للحفاظ على وتيرة العملية والحصول على النتائج المرجوة.

في 24 أبريل/نيسان، ذكرت منظمة “بيلينجكات” للأبحاث مفتوحة المصدر أن روسيا قد استخدمت على الأرجح 70% من مخزونها من الصواريخ الدقيقة. وبالتالي يمكن تفسير تحول روسيا بين مختلف أنظمة الصواريخ بوجود مخاوف من النقص المحتمل في الإمدادات في حال طالت الحملة.

وعلى سبيل المثال، ففي خطوة غير عادية، استخدمت روسيا أنظمة الدفاع الساحلية “باستيون” و”بال” لضرب الأهداف الأرضية.

تراقب إيران عن كثب هذه التطورات، مع الانتباه لأهمية وجود مخزون أكبر من الصواريخ في حال حدثت حرب استنزاف. لسنوات، اعتبر الحرس الثوري الإيراني دفعات الصواريخ الكبيرة وسيلة لإغراق أنظمة الدفاع الصاروخي والتغلب عليها.

ومع ذلك، فإن الحرب الأوكرانية أبرزت الصلة المباشرة بين العوامل النوعية المرتبطة بمعدلات الفشل وحجم مخزونات الصواريخ. من المحتمل أن تثير هذه الحقيقة نقاشًا بين صناعات الدفاع الإيرانية والحرس الثوري حول حجم مخزون الصواريخ في البلاد وكيفية تحسين أنظمة الصيانة الخاصة بها.

حدود الاعتماد على الصواريخ

ما يمكن ذكره على وجه اليقين هو أن الجيش الإيراني قد فسر الحرب في أوكرانيا كدليل على أنه اتخذ الخيار الصحيح عندما جعل الصواريخ ركيزة لاستراتيجية الردع. وقدمت الحرب رؤى لا تقدر بثمن حول المتطلبات التشغيلية لتوظيف الصواريخ في حرب كبيرة أيضًا.

ومع ذلك، فقد أبرز النزاع أيضًا الجوانب السلبية للاعتماد على قوات الصواريخ؛ حيث تُظهر التجربة الروسية أنه من غير المحتمل أن تؤثر ضربات الصواريخ الدقيقة بشكل حاسم على مجرى الحرب، إذ أن لديها قيمة محدودة في أخذ الأراضي والاحتفاظ بها وهي غير كافية لتأمين انتصار عسكري. لا يمكن لضربات الصواريخ تحويل ساحة المعركة وخلق نتيجة سياسية مواتية.

تخبرنا هذه الحقائق الكثير عن حدود قدرة إيران على إظهار قوتها في الشرق الأوسط، حيث لم تتمكن مخزونات الصواريخ الروسية الأكثر قوة ودقة وتنوعًا من تغيير مجرى الحرب في أوكرانيا، لذلك لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الصواريخ الإيرانية يمكن أن تفعل ذلك، خاصة ضد خصم أكثر قوة.

لا يمكن للصواريخ وحدها أن تزود طهران بأفضلية استراتيجية خارج حدودها. ولكن إذا تم دمجها مع القدرات في المجالات العسكرية الأخرى -وخاصة القوات البرية، والقدرات البرمائية، وما إلى ذلك- فيمكن أن توسع الصواريخ قوة إيران.

ومع ذلك، ففي غياب هذه القدرات، ستقتصر الصواريخ الإيرانية في الغالب على الدورين الكلاسيكيين لها: أداة لردع العدوان عن طريق رفع التكلفة على المعتدين ووسيلة لإظهار القوة في ظل الظروف التشغيلية المحدودة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخليج الجديد
المصدر
معهد الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى