تحديات تحد من إمكانات إيران للعب دور أساسي في خريطة النقل الأسيوية
بالنسبة لدول آسيا الوسطى، إن جغرافيا إيران تجعلها بديلاً لا مفر منه الآن، بعد أن تأثّرت طرق التجارة عبر روسيا بالعقوبات المفروضة على موسكو.
ميدل ايست نيوز: يؤثّر الغزو الروسي لأوكرانيا، والعقوبات الغربية على موسكو، على خريطة النقل الحالية للتجارة وصادرات الطاقة في عموم أوراسيا؛ حيث تسعى الشركات إلى التقليل من الاعتماد على روسيا. وتُسهم هذه الحقيقة في تشكيل حسابات دول آسيا الوسطى الخمس التي تم دمج اقتصاداتها بشكل وثيق مع الاقتصاد الروسي. وتبدو إيران أحد الخيارات البديلة الملائمة للعبور نتيجة الموقع الجغرافي. لكن تحديات عدة تحدُّ من إمكانات إيران للعب مثل هذا الدور.
أحدث التطوّرات في علاقات آسيا الوسطى مع إيران
تسعى الحكومة الإيرانية جاهدة للبحث عن إيرادات جديدة من أجل تنفيذ المُبادرات التي اقترحها فريق إبراهيم رئيسي الاقتصادي؛ إذ يتطلّب تعويض الخسائر المالية التي تتكبدها الموازنة حالياً نتيجة العقوبات الأمريكية الكثير من الابتكار والجهد. وبلغ دخل صادرات النفط في إيران 25 مليار دولار فقط في عام 2021. وهو أكثر من 7.9 مليار دولار حصلت عليها طهران من مبيعات النفط في عام 2020، لكنه لا يزال أقل بكثير من دخل إيران الطبيعي في هذا القطاع. إذ حقّقت طهران دخلاً بمقدار 60 مليار دولار من النفط في عام 2018 قبل أن يُعيد دونالد ترمب فرض العقوبات على إيران، وذلك في وقت كانت فيه أسعار النفط أقل بكثير مما هي عليه اليوم.
ويخشى الإيرانيون أنهم يفقدون دخلاً مُحتملاً يتراوح بين 170 و175 مليون دولار يومياً بسبب العقوبات الأمريكية التي تمنع إيران من بيع معظم إنتاجها من النفط البالغ 2.5 برميل في اليوم. إذ تبيع إيران حوالي مليون برميل في اليوم. ولا يُمكن حل هذه المشكلة إلا إذا حدث تحسّن كبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، وهو أمر غير مُرجّح على المدى القصير.
ومع تبلور المزيد من الحقائق الجديدة في سوق الطاقة العالمي نتيجة الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية على روسيا، اكتشفت دول آسيا الوسطى أن إيران تحظى بأهمية متزايدة في خططها لإدامة تجارتها الخارجية وصادراتها من الطاقة. وتُصدّر أغنى بلد في آسيا الوسطى، كازاخستان، ثُلثي إنتاجها من النفط إلى الأسواق العالمية من خلال الموانئ الروسية التي تواجه الآن عقوبات غربية.
وبالنظر إلى إمكانية استمرار العقوبات الغربية على روسيا لفترة طويلة، فإن دول آسيا الوسطى، تبحث الآن عن بدائل. ويوفّر موقع إيران الجغرافي أفضل طريق بديل للتجارة لدول آسيا الوسطى؛ إذ كانت هذه البلدان تأمل لسنوات بجعل إيران طريقها الرئيس الثالث إلى الأسواق العالمية. علماً بان الطريقان الآخران هما روسيا والصين.
وكمثال على هذه المخططات تمّ في عام 2016 إطلاق مشروع لربط خط السكك الحديدية بين الصين وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران على طول مسافة تمتد إلى 10.500كم. وقيل إن ذلك الخط قادر على نقل البضائع من الصين إلى إيران في 8 أيام فقط، مُقارنةً بـفترة تتراوح بين 30 إلى 35 يوم قد تستغرقها السفن لنقل البضائع نفسها.
وكانت طموحات إيران أكبر بكثير من ذلك؛ فلم تكن ترغب فقط في جعل طريق السكك الحديدية هذا مصدرَ دخلٍ مُنافسٍ لقناة السويس لعبوره فيها، بل إن الرئيس حسن روحاني في ذلك الوقت، روّج لذلك المشروع كطريق يُمكن أن تُصبح إيران من خلالها جسراً يربط الصين بالأسواق الأوروبية.
وبحلول عام 2018، وفي حين كانت روسيا لا تزال تخشى خطط إيران لمُنافسة شبكة السكك الحديدية الروسية، وبينما كانت الصين تدعم بقوة خطط إيران في مجال النقل والعبور، تحطّمت آمال طهران بهذا الخصوص مع إعادة فرض العقوبات الأمريكية. إذ تتطّلب خطط النقل الإيرانية استثمارات جديدة بمليارات الدولارات، والتي فشل وزير النقل آنذاك، عباس آخوندي إلى حد كبير في جمع 48 مليار دولار، حيث أعلن آنذاك أن إيران بحاجة إلى تطوير شبكات السكك الحديدية والطرق.
ولدى حكومة رئيسي الطموح نفسه، ولكن ثمة اختلافات: أولاً، من الواضح أن مجلس وزراء رئيسي لم يُفكّر جيداً فيما يلزم لتحقيق مهمة تحويل إيران إلى مركز نقل وعبور إقليمي. وبدلاً من الاعتراف بحاجة مثل تلك الخطط لاستثمارات كبيرة، فإنه ركّز على إعطاء تعهدات مُتفائلة بشكل مُفرط.
وفي أحدث تصريح لها، روّجت حكومة رئيسي أنه يُمكن تحقيق دخل بمقدار 20 مليار دولار سنوياً في حال تنفيذ خطط النقل والعبور الإقليمي في إيران. وبالنظر إلى حاجة إيران إلى الإيرادات، فإن مبلغ 20 مليار دولار جاء من باب التمنّي، ولا يعبّر عن جهد جاد من قبل رئيسي لتنفيذ ما يتطلّبه تحويل إيران إلى مركز نقل إقليمي.
المصالح الاقتصادية والأمنية المُشتركة
لعلّ أهم ما يتعيّن على حكومة رئيسي تقديمه لدول آسيا الوسطى هو بعض المزايا الأساسية؛ فجغرافية إيران تجعلها مركزاً رئيساً للتجارة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. وفي الوقت نفسه، من المُرجّح أن تزداد التجارة بين الدول في غرب آسيا (على سبيل المثال، بين السعودية وتركيا، الإمارات وتركيا أو الهند وباكستان ودول آسيا الوسطى) في السنوات القادمة. وهذا الأمر يمنح طهران فرص تجارية في حال تمكّنت من تسويق شبكة النقل بنجاح. ولكن هذا الطموح لا يتطلّب فقط التخطيط الاقتصادي الدقيق والحصول على رأس المال لإطلاق المشروع، بل يتطلب أيضاً ظروفا سياسية مُستقرة يُمكن أن تضمن تحقيقه. وفي الوقت الحالي، فإن الاستقرار السياسي المطلوب مفقود في علاقات إيران الشاملة مع الدول المُجاورة. وهو عنصر أساسي في تحقيق طموح إيران بأن تصبح مركز نقل إقليمي.
وتفتقر طهران إلى منهجية ثابتة على مستوى السياسة الأساسي. وعلى سبيل المثال خلال الغزو الروسي لأوكرانيا، وبالرغم من قيام طهران بدعم حرب روسيا على أوكرانيا ضمنياً، فإن حكومة رئيسي ترسل إشارات إلى أوكرانيا مفادها أن إيران مُستعدة لأن تصبح طريقاً لعبور البضائع الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، وفي المُقابل، يُمكن أن تحصل أوكرانيا على وقود الديزل والنفط وغيرها من البضائع من إيران عبر بولندا.
وهذه كانت إحدى الرسائل الأخيرة التي نقلتها إيران إلى السفير الأوكراني سيرهي بورديلياك في طهران قبل أن يتمّ استبداله بعد فترة وجيزة من قبل الرئيس فولوديمير زيلنسكي. ويُشير هذا العرض إلى أن الإيرانيين ليس لديهم أجندة شاملة، ومُتّسقة عندما يتعلّق الأمر بدبلوماسيتهم الاقتصادية.
ويشير هذا الحدث المتعلّق بأوكرانيا إلى أحد مناحي الضعف في قدرة إيران الحقيقية على زيادة التعاون الاقتصادي مع دول آسيا الوسطى. لكن الزيارات الأخيرة لقادة آسيا الوسطى إلى طهران تُشير إلى أنهم لا يزالون يحاولون مدّ جسور هذا التعاون. وكانت العلاقات بين آسيا الوسطى وإيران في حالة من الصعود حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022؛ إذ وقّعت طهران وأوزبكستان اتفاقية في يناير 2022 لتمكين مواطني أوزبكستان من استخدام ميناء تشابهار الإيراني لاستيراد وتصدير البضائع. ولا يزال يتعيّن على أوزبكستان معرفة بعض القوانين الجمركية في تركمانستان (التي تقع بينها، وبين إيران).
ولكن يظل اهتمام طشقند في ميناء تشابهار كبيرا في حد ذاته. وتُشير التقارير الإيرانية إلى أن إيران تُجري محادثات مع طالبان لاستخدام الأراضي الأفغانية لإنشاء خط لنقل البضائع بين تشابهار وأوزبكستان في حال تردّدت تركمانستان في فتح أراضيها لعبور البضائع بين الجانبين. وفي هذه الحالة، فإن خطط النقل إلى أوزبكستان عبر إيران مفهومة، ولكن لا تزال هناك بعض العقبات التي ينبغي تخطّيها. ومن المؤكّد أن تركمانستان وطالبان على استعداد للعمل كجسر أرضي بين تشابهار وأوزبكستان. وفي الوقت نفسه، فإن أمل الإيرانيين في نقل البضائع إلى الصين عبر دول آسيا الوسطى عن طريق السكك الحديدية، أو الطرق البرية يتطلّب أيضاً موافقة تلك البلدان على ذلك. وهذا ليس بالأمر المضمون.
وثمة أدلّة ملموسة على أنه من المُحتمل أن يتم تنفيذ مشروع رئيس آخر للنقل والعبور لا يزال قيد التخطيط؛ ففي يونيو 2022، زار رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، طهران لإطلاق خط نقل للسكك الحديدية بين كازاخستان وتركيا عبر إيران. وهو طريق يعرف اصطلاحاً باسم “كي تي آي”.
ويقال إن هذا الخط الذي يبلغ طوله 6300 كيلومتر سيُصبح دائماً بعد إجراء عددٍ من عمليات الاختبار وفقاً لتوكاييف. وكانت الولادة المُفاجئة لهذا الممر نتيجة مباشرة بعد أن أصبحت الطرق الروسية موضع شك. ومع ذلك، فإن جميع مصالح آسيا الوسطى في إيران، هي نتيجة أن العبور عبر الأراضي الروسية أصبح يتأثّر بالعقوبات الغربية. وثمة أيضاً قضايا أمنية تجمع بين إيران ودول وآسيا الوسطى.
وفي هذا السياق، ليس ثمة مشكلة أكثر أهمية في منع عدم الاستقرار في أفغانستان من أن ينتقل إلى البلدان المجاورة. وقد أصبحت أفغانستان، بالإضافة إلى تدفّق اللاجئين، والمخدرات، ملاذاً للجماعات الإسلامية المُتطرّفة مثل داعش – ولاية خراسان؛ حيث لدى إيران، ودول آسيا الوسطى سجلّ طويل من التعاون في هذه القضية. وعلى سبيل المثال، من المعروف أن إيران وطاجاكستان تعملان عن كثب لدعم أحمد شاه مسعود، زعيم جبهة المقاومة الوطنية المُناهضة لطالبان.
وشهدت العلاقات بين إيران وطاجيكستان في العام الماضي تحسّناً كبيراً؛ فقد زار الرئيس الطاجيكي، إمامعلي رحمان، طهران بعد غياب دام 9 سنوات. وقد كان الرئيس الطاجيكي يشعر بالغضب إزاء ما أسماه دعم طهران للإسلاميين الطاجيك. لكن هذه القضية لم تعد موجودة. إن تقارب رحمون من إيران، مدفوع بشكل أساسي بخوفه من عودة طالبان، وتجدّد نشاط الميليشيات الإسلامية المُتشدّدة داخل بلاده.
ويُعتقد على نطاق واسع، أن موسكو طالما دفعت إيران وطاجيكستان للتقارب، والتعاون ضد الجماعات الإسلامية المُسلّحة. ويريد رحمان العمل مع الإيرانيين في هذه القضية، وسيُذكّر الإيرانيين بأن حصول بلادهم قريباً على عضوية منظمة شنغهاي للتعاون، سَيلزُمهم بِمُساعدة (دوشنبه) في الصراع ضد أية حركة إسلامية مُسلّحة. ولم يقتصر الأمر على زيارة رحمون لطهران في أواخر شهر مايو، وتنسيق سياسته بشأن أفغانستان مع الإيرانيين، بل أصبحت طاجيكستان أول دولة أجنبية تستضيف منشأة لصنع الطائرات بدون طيار الإيرانية.
ووقّع رحمان خلال زيارته في مايو 2022، 17 اتفاقية مع إيران في عدة مجالات، بما في ذلك في قطاع النقل. كما أن الرئيس إبراهيم رئيسي اختار طاجيكستان كأول دولة أجنبية يزورها في سبتمبر 2021 منذ توليه منصبه. ويرتبط تحسّن العلاقات بين إيران وطاجيكستان بعودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، وتسهيل موسكو لهذا التقارب بين البلدين، أكثر من كونها نتيجة لغزو روسيا لأوكرانيا.
وبالنسبة لطاجيكستان، فإن الدافع وراء سعيها لتحسين علاقتها مع إيران هو الخوف من حدوث فراغ أمني في أفغانستان، وضرورة التعاون الإقليمي للتعامل هذه القضية. وتشترك دول مثل كازاخستان وأوزبكستان في ذلك. ولكن لديها أيضاً بعض الدوافع الاقتصادية فيما يخص علاقتها بإيران.
التحدّيات الرئيسة التي تواجه الشراكات الإيرانية مع دول آسيا الوسطى
يزعُم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الفضل في تحسّن العلاقات مع دول آسيا الوسطى يعود أساساً إلى براعة حكومته والتزامه بـ “سياسة حسن الجوار” باعتبارها العمود الفقري لأجندة سياسته الخارجية. وهذه محاولة من قبل رئيسي ضد حكومة روحاني التي يتهمها بأنها ركّزت على توثيق علاقاتها مع الغرب، وأهملت مناطق أُخرى مثل آسيا الوسطى.
ومع ذلك، يبدو ارتفاع حجم التجارة بين إيران ودول آسيا الوسطى حقيقة واقعة، تستند إلى البيانات الرسمية. وعلى سبيل المثال، ارتفع حجم التجارة بين إيران وطاجيكستان من 55 مليون دولار في عام 2020، إلى 121 مليون دولار في عام 2021. ووفقاً لمهدي سواري، نائب وزير الخارجية، والذي تتمثّل مُهمته في خلق المزيد من فرص التعاون الاقتصادي الخارجي، ارتفعت قيمة صادرات إيران إلى أوزبكستان إلى 380 مليون دولار في النصف الثاني من السنة الإيرانية، مُقارنة بـ 120 مليون دولار في النصف الأول من العام. وتُشير التقارير إلى زيادة حجم التجارة بين إيران وتركمانستان بنسبة 84 % في عام 2021 لتصل قيمتها إلى حوالي مليار دولار.
وفقاً للمدير العام لمكتب التعاون الدولي للجمارك في جمهورية إيران الإسلامية، حسين كاخكي، ستدفع طهران باتجاه إنشاء المزيد من مناطق التجارة الحرة للمساعدة في زيادة جاذبية إيران كنقطة عبور للتجارة الإقليمية. لكنّ كاخكي نفسه، ذكّر في المُقابلات العامة أن إيران بحاجة إلى إنشاء أو تطوير جميع مكونات النقل لديها، من خطوط السكك الحديدية والطرق والجسور والموانئ إلى مرافق التخزين، من أجل أن تُصبح مركز نقل إقليمي ناجع. وهذا الأمر يُثير مرة أخرى تساؤلاً فيما إذا كان هدف رئيسي بجمع إيرادات بمقدار 20 مليار دولار من رسوم العبور واقعي أم لا؟ وما هو واضح هو وجود عدد من العقبات الملموسة في مسار طهران بهذا الخصوص، بحيث:
- طالما ظلّت العقوبات مفروضة على إيران، ستكون الشركات اللوجستية العالمية الكبرى حذرة للغاية في شحن كميات كبيرة من البضائع عبر إيران. وستنخرط هذه الشركات العالمية بالعمل مع إيران وتنظر إليها كمركز نقل وعبور فقط، إذا حصلت على الكثير من التطمينات بأنها لن يتم مُعاقبتها مالياً لاستخدامها الأراضي الإيرانية في نقل البضائع.
- ينبغي على إيران تطوير الموانئ والسكك الحديدية بشكل رئيس، وشبكة الطرق الخاصة بها، لتكون قادرة على التعامل مع الزيادة كبيرة في البضائع التي تمر عبر الموانئ الإيرانية والسكك الحديدية والطرق.
- تبدو البيروقراطية الإيرانية في الوقت الحالي بطيئة ومتخلّفة لتلبية احتياجات نقل الشحنات الكبيرة. ومن غير المُرجّح أن تكون إيران قادرة على تحديث بيروقراطية النقل والعبور (مثل الإجراءات الجمركية) في أي وقت قريب.
- ستعتمد إيران على زيادة التجارة مع البلدان المجاورة لها لتعزيز وضع البلاد كنقطة للنقل والعبور.
ومن المؤكّد أنه يُمكن لإيران أن تضمن على الأقل نشوء طرق تجارة جديدة، والتي من المُتوقّع أن تأتي من الصين إلى بلدان مثل أفغانستان أو العراق أو سوريا أو لبنان. ولكن يبدو أن الرقم 20 مليار دولار هو هدف غير واقعي على المدى القصير بالنظر إلى العقبات الحقيقية التي لا تزال إيران تواجهها بهذا الخصوص. وأخيراً، يتعيّن على طهران أيضاً بذل المزيد من الجهود لرسم صورة إيجابية لها، ليس فقط بين قادة آسيا الوسطى، ولكن لدى شعوب تلك البلدان أيضاً؛ فوفقاً لدراسة استقصائية قام بها مركز آسيا الوسطى للدراسات الاستقصائية، تُعتبر إيران بلد غير معروف، وغير مُجرّب في منطقة آسيا الوسطى.
وعلى الرغم من إرث إيران الكبير في أجزاء من آسيا الوسطى، وجهود طهران الأخيرة لخلق وجود أقوى لها في المنطقة، تظل إيران غير معروفة للكثيرين هناك. وبحسب تلك الدراسة الاستقصائية، فإن حوالي 25% من أولئك الذين شملتهم الدراسة لم يكن لديهم رأي بشأن إيران، بينما زادت النسبة المئوية لأولئك الذين يحملون رأي “غير مواتي للغاية” بشأن إيران بشكل مُطّرد منذ عام 2017.
الآثار المترتبة على السياسات
ثمة فجوة كبيرة بين تطلّعات إيران لتُصبح مركزاً إقليمياً للتجارة ونقل البضائع، والخطوات الملموسة التي اتخذتّها طهران للتحرّك في هذا الاتجاه. وعلى المدى القصير، ستعوق علاقات طهران المُضطربة مع الولايات المتحدة والغرب أي ضخّ كبير لرأس المال والتكنولوجيا اللازمة لتوسيع وتحديث شبكة النقل الإيرانية. ومع ذلك، بالنسبة لدول آسيا الوسطى، فإن جغرافيا إيران تجعلها بديلاً لا مفر منه الآن، بعد أن تأثّرت طرق التجارة عبر روسيا بالعقوبات المفروضة على موسكو.
وليس ثمة الكثير من الأدلّة على أن لدى حكومة رئيسي خطة مدروسة في هذا السياق؛ فالكثير من البيانات السياسية التي تصدر من طهران في هذا الصدد تبدو مُرتجلة، كما هو الحال مع المزاعم غير المُتسقة بقدرة البلاد على تحصيل 20 مليار دولار سنوياً من رسوم النقل في ظل خيارات طهران الجيوسياسية الحالية.
ويكشف المثال بشأن دعم طهران لموسكو في حربها مع أوكرانيا مع التعبير في الوقت نفسه عن استعداد إيران لتُصبح نقطة عبور للتجارة الأوكرانية عن الافتقار إلى الاتساق، والذي يُثير أسئلة أساسية حول الجديّة التي يزعم بها الإيرانيون أنهم يعملون بها نحو جعل البلاد مركزاً رئيساً للنقل والعبور.