لهذه الأسباب تبدو واشنطن غير متحمسة لتوقيع الاتفاق النووي

لا تبدو واشنطن متحمسة لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران في الوقت الراهن، لعدة أسباب اقتصادية رئيسية، حسب ما يشير مراقبون في هذا الشأن.

ميدل ايست نيوز: لا تبدو واشنطن متحمسة لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران في الوقت الراهن، لعدة أسباب اقتصادية رئيسية، حسب ما يشير مراقبون في هذا الشأن.

وأول هذه الأسباب أن الاقتصاد الأميركي والأوروبي والعالمي يتجه نحو الركود، وبالتالي إن أسعار النفط تتجه تلقائياً نحو التراجع، ولم تعد هنالك حاجة غربية ماسة للنفط الإيراني لحل ضائقة الإمدادات العالمية من المشتقات البترولية مثلما كان الحال في الشهور السابقة التي حلقت فيها أسعار النفط فوق 120 دولاراً للبرميل.

أما العامل الثاني، فهو تنامي العلاقات الاقتصادية بين موسكو وطهران، في وقت تواصل فيه روسيا غزو أوكرانيا، وتسعى الدول الغربية بقيادة واشنطن لتشديد العقوبات على روسيا وتدمير الاقتصاد الروسي.

أما العامل الثالث، فهو أن هناك اتفاقيات طاقة مسبقة وطويلة الأجل بين طهران والصين لبيع النفط بحسومات كبيرة للشركات الصينية، وهذا الاتفاق يعني أن رفع الحظر الأميركي عن الطاقة الإيرانية سيصب في مصلحة الصين التي تحصل حالياً على النفط الرخيص من روسيا. وبالتالي باتت واشنطن تعتقد أن رفع الحظر المالي والاقتصادي عن إيران سيدعم الاقتصاد الصيني.

حتى الآن عُقدت ثماني جولات من المفاوضات غير المباشرة عبر وسطاء أوروبيين بين طهران وواشنطن حول توقيع الاتفاق النووي، لكنها لم تُفض إلى اتفاق حسب تصريحات مسؤولين أميركيين. في هذا الصدد يلخص المفوض الأميركي لدى إيران، روبرت مالوني، وضع مفاوضات الاتفاق النووي التي تُجرى في فيينا بقوله لقناة “سي بي سي” التلفزيونية إنه “لا يوجد اتفاق حتى الآن، وكل ما هو موجود نص للاتفاق”.

وتطالب إدارة الرئيس جو بايدن بتوسيع الاتفاق ليشمل شروطاً جديدة، من بينها الصواريخ البالستية وعلاقات إيران بجيرانها، وترفض رفع الحظر عن الحرس الثوري الإيراني. وفي المقابل، ترفض الحكومة الإيرانية هذه الشروط، وتدعو الولايات المتحدة وشركاء الاتفاق إلى رفع العقوبات الأميركية أولاً والعودة إلى “الاتفاق الأصلي” الذي وقعته مع مجموعة “5+1” في عام 2015.

على صعيد العامل الأول الذي يجعل واشنطن غير متحمسة للاتفاق، وهو عامل النفط ومشتقاته وتداعياته على التضخم، تراجعت أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية. وتتوقع كل من وكالة فيتش الأميركية ومجموعة من المصارف الاستثمارية أن تواصل الأسعار عند مستوياتها الحالية خلال الشهور المقبلة، وهي أسعار مرضية للإدارة الأميركية التي تكافح من أجل خفض معدل التضخم، ولكنها في ذات الوقت تتخوف من إغضاب لوبي النفط الصخري.

وحسب خبير الطاقة البريطاني سايمون واتكنز، في تحليل بنشرة “أويل برايس”، فإن ضغوط ركود الاقتصاد الأميركي والأوروبي وتباطؤ معدل النمو الصيني التي ضربت أسواق المال والطاقة والمعادن يوم الاثنين، ستكون لها تداعيات سالبة على أسعار النفط التي قد تتراجع أكثر خلال الأشهر المقبلة. ويلاحظ أن أسعار النفط خسرت نحو 5 دولارات في تعاملات أمس الثلاثاء بعد نشر البيانات الصينية.

في ذات الصدد تشير بيانات “بلومبيرغ” أمس إلى أن سعر خام برنت لعقود أكتوبر/ تشرين الأول تراجعت بأكثر من دولار في تعاملات منتصف النهار بلندن إلى 93.76 دولاراً، كذلك تراجع سعر خام غرب تكساس لعقود سبتمبر/ أيلول بقرابة الدولار إلى 88.43 دولاراً. وعادة ما تقود العقود المستقبلية أسعار الخامات البترولية. يذكر أن أسعار خام برنت بلغت أعلى مستوياتها في 7 مارس/ آذار الماضي لدى 139.13 دولاراً. وبالتالي إن توقعات الركود الاقتصادي وتراجع قوة الدولار قد تدفعان معدل التضخم الأميركي إلى مزيد من الانخفاض تحت نسبة 8.5% من مستواه المرتفع في يونيو/ حزيران البالغ 9.1%.

وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قلقة على خسارة أغلبيتها في انتخابات النصف التي ستجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني، لكن التطورات السياسية الأخيرة بشأن فضيحة دونالد ترامب بعثت تطمينات لأعضاء الحزب الديمقراطي بأنهم لن يجدوا منافسة تذكر من الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة.

على صعيد العلاقات الاقتصادية بين طهران وموسكو، وقّعت إيران مذكرة تفاهم مع شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم قيمتها 40 مليار دولار لدى زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لطهران في يوليو/ تموز الماضي، وذلك وفقاً للمصادر الرسمية الإيرانية. ورغم الأمل الأوروبي في أن توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية سيمكنان إيران من مدّ أوروبا بالغاز الطبيعي، فإن واشنطن باتت تدرك أن المصالح التجارية والعسكرية بين موسكو وطهران وحرص الرئيس بوتين على تسليط سلاح الغاز الطبيعي على أوروبا لن تسمح بوصول إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا حتى في حال توقيع الاتفاق.

وحسب تحليل بصحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، فإن روسيا وإيران، هما من منتجي النفط والغاز الرئيسيين في حال رفع العقوبات يمكنهما وضع استراتيجية لتعظيم الضرر الذي يلحق باقتصادات الغرب من خلال الحد من إمدادات الوقود مع ضمان ارتفاع أسعار صادراتهما. ويرى خبراء أن زيارة بوتين الأخيرة لطهران جاءت لتأكيد أن إيران لن تضر باستراتيجية الطاقة الروسية واستخدامها كسلاح فعال في السياسة الخارجية والتوسع الجغرافي.

على صعيد العامل الثالث الخاص بالعلاقات التجارية بين بكين وطهران. يرى خبير الطاقة البريطاني سايمون واتكنز في تحليله بنشرة “أويل برايس” أن الصين رهنت مسبقاً الطاقة الإيرانية بأسعار رخيصة لمصلحتها. ووقعت الصين اتفاقاً استراتيجياً مع طهران يشمل الطاقة وحمايتها.

وتشير نصوص الاتفاقية الخاصة بالطاقة، وفقاً لنشرة “أويل برايس”، إلى أن الصين ستستثمر 280 مليار دولار في مشاريع النفط والغاز والبتروكيماويات الصينية خلال الخمس سنوات الأولى من الاتفاقية التي تمتد لفترة 25 عاماً. وستضخ الصين كذلك استثمارات تقدر بحوالى 120 مليار دولار في البنية التحتية الصينية. وتشمل هذه الاستثمارات تحديث المواصلات والمشاريع الصناعية.

وفي مقابل هذه الاستثمارات في إيران، ستحصل الصين على أولوية لشركاتها في الحصول على عقود مشاريع النفط والغاز والبتروكيماويات التي تطرحها شركات الطاقة الإيرانية. وتمنح الاتفاقية كذلك شركات الطاقة الصينية الحق في شراء النفط والغاز ومنتجات البتروكيماويات بأسعار مخفضة وبخصم يصل إلى 12% من أسعار مؤشراتها في الأسواق العالمية خلال فترة الستة أشهر الأولى من الاتفاقية، وستحصل الشركات الصينية كذلك على خصم سعري آخر يراوح بين 6 إلى 8% من الأسعار لتغطية المخاطر المترتبة عن المنتجات الإيرانية.

ويضاف إلى ذلك أن بنود الاتفاقية تعطي الشركات الصينية مزايا تجارية، من بينها تسديد جزء من أثمان الصفقات المشتراة بعملات أفريقية وروسية. وتستفيد الصين من هذه المزايا في التخلص من العملات غير الحرة التي راكمتها من فائضها التجاري مع روسيا والدول الأفريقية. كذلك تمنح الاتفاقية الشركات الصينية الحق في تأجيل تسديد صفقات الطاقة لمدة عامين.

وحسب مصدر إيراني في تعليقات سابقة لنشرة “أويل برايس”، فإن الخصومات السعرية التي من المتوقع أن تحصل عليها الشركات الصينية في مشتريات الطاقة الإيرانية، قد تصل إلى 32% من سعرها العالمي.

وبالتالي، إن رفع العقوبات الأميركية سيعني عملياً تدفق الاستثمارات الغربية على الطاقة الإيرانية وإفادة الصين في الحصول على الطاقة الرخيصة، وبالتالي تعزيز قوتها الاقتصادية على حساب المصلحة الأميركية.

على الصعيد السياسي، من دلائل عدم الحماسة الأميركية للاتفاق النووي، الاتهامات الأخيرة التي وجهتها وزارة العدل الأميركية لطهران في أميركا، بمحاولة اغتيال مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق جون بولتون.

 

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى