استقالة هوك، وتعيين أبرامز مبعوثاً أمريكياً خاصاً حول إيران: تقييم الانعكاسات

يعرف الإيرانيون أبرامز تماماً لكنَّهم لا يعتقدون بأنه سيحصل على أي تفويض من ترمب لانتهاج أي سياسة واسعة النطاق ضد إيران قبل انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل.

ميدل ايست نيوز: أثار رحيل المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترمب حول إيران برايان هوك، وتعيين إليوت أبرامز في هذا المنصب، الكثير من التوقعات في إيران والمنطقة. وتقدم هذه الورقة تقييمًا للآفاق المتعلقة بهذا التغيير في الإدارة الأمريكية على أعتاب الانتخابات الأمريكية.

التقدير الإيراني للموقف

تتمثل وجهة نظر طهران في أن برايان هوك لم يكن قط مهندس سياسات يمتلك الكثير من التأثير على سياسة إدارة ترمب تجاه إيران. واعتقد الإيرانيون وما زالوا أن عددًا من مجموعات المصالح التي تحظى بتنظيم وتمويل قوي، هي التي تمثل المحرك الحقيقي لسياسة واشنطن تجاه طهران. ويشار إلى هذه المجموعة القوية في القاموس الإيراني على أنها “الصهاينة” الداعمين لإسرائيل. ويعرف الإيرانيون أن “المعسكر المؤيد لإسرائيل” في الولايات المتحدة أوسع من مجرد الجالية اليهودية الثرية، والمتنفذة. وخلاصة القول إن طهران تنظر إلى الأشخاص المنفردين مثل برايان هوك على أنهم الوجه العام، والمنفِّذين فقط للسياسة الأمريكية، وليس المصدر الأصيل المقرر لهذه السياسة.

وفي ضوء هذا التقدير السائد في طهران حول كيفية صناعة السياسة الأمريكية تجاه إيران، فمن غير المستغرب أن يعتبر الإيرانيون رحيل هوك مجرد تفصيل ثانوي. لكنَّ هذا لا يعني أن طهران لم تقرأ أي إشارات من رحيل هوك، ودلالة هذا الرحيل بالنسبة لخطط واشنطن.

لكنَّ ما قد يكون الإيرانيون غير متيقنين منه، يتمثل في موقف الرئيس ترمب نفسه حول ما يتوجب فعله تجاه إيران؛ حيث تتزايد صعوبة توقُّع مواقفه إزاء هذه المسألة المهمة في مجال السياسة الخارجية. وعانى ترمب من خلافات مع بعض أقرب مستشاريه مثل جون بولتن حول المسألة الإيرانية؛ فبعد تنحية بولتن من منصب مستشار الأمن القومي في سبتمبر 2019 ذهب بولتون، الذي يُعدُّ من أشد المناهضين لإيران، إلى حدّ القول بأن ترمب سيفعل أي شيء للتوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين في حال إعادة انتخابه.

وتنبَّأ ترمب نفسه مرة أخرى، خلال فعالية لجمع التبرعات في ولاية نيوجيرزي مؤخرًا بأنه سيتوصل إلى اتفاق مع طهران في غضون أربعة أسابيع من إعادة انتخابه. لكنَّ ترمب يستمرّ مرة أخرى في إبقاء بعض الشخصيات المناهضة لإيران بقوة ضمن دائرته الداخلية، بما في ذلك وزير الخارجية مايك بومبيو، وأعضاء مجلس الشيوخ مثل توم كوتن، وتِد كروز، ولندسي جرام. وتدل هذه الازدواجية على حقيقة واحدة، وهي أن ترمب يمر بحالة تحول، غير أنه حاليًّا يرى إيران من منظور السياسة الانتخابية الأمريكية، وإرثه الرئاسي فقط.

المحافظون الجدد مقابل “الأولوية المحلية” الأمريكية

في الوقت الذي تقدَّم فيه بومبيو بالشكر إلى هوك تقديراً لخدماته، بقوله إن هوك “حقَّق نتائج تاريخية في مواجهة النظام الإيراني” لم يأت ترمب على ذِكْرِ هوك على الإطلاق. ويعد هذا لافتًا، لأن هوك كان يدير سياسة ترمب تجاه إيران على مدى سنتين؛ سياسة قد تكون الأهم والأكثر مثاراً للجدل بالنسبة لإدارة الرئيس ترمب منذ وصوله إلى السلطة. وهناك سببان وراء عدم تطرق ترمب لـ هوك بعد الإعلان عن رحيله من منصبه:

أولاً، يعتقد ترمب أن هوك لم يكن ناجحاً؛ ففي حين أن بومبيو كان مُحقّاً عندما قال بأن هوك تمكّن من ممارسة ضغط هائل على طهران من خلال تنظيم حملة “أقصى درجات الضغط”، غير أن ما هو مهم بالنسبة لترمب، هو تحقيق انتصارات واضحة؛ حيث أن هذه الحملة لم تحقق لترمب “فوزاً” نهائياً نظراً لاستمرار الإيرانيين في رفض الجلوس للحديث معه.

ثانياً، شعر ترمب بخيبة أمل حقيقية، حيث أنه حتى في الوقت الذي تمكن فيه هوك من ترتيب ثلاث عمليات لتبادل السجناء (مايكل وايت، وشيو وانج، ونزار زكا) مع إيران والتي أشاد بها ترمب على أنها “انتصارات”، غير أن ترمب ظل يعتقد بأن مستشاريه قد خيبوا أمله في المسألة الإيرانية.

واعترض الرئيس ترمب عندما حاول مؤيدو هوك الدفع باتجاه ترشيحه لخلافة جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي؛ حيث لم يعتقد ترمب بأن هوك لم يكن ناجحاً في منصبه كمبعوث حول إيران فحسب، بل بدأ ترمب بشكل متزايد بالشعور بالاستياء تجاه كافّة معسكر المناهضين لطهران في واشنطن. ويرتبط هذا التطور بعامل سياسي-أيديولوجي أكثر عُمقاً يعمل على تشكيل وجهة نظر ترمب في مجال السياسة الخارجية. وهناك مؤشرات واضحة تماماً؛ ففي قرار الرئيس ترمب المتعلق بتعيين دوج ماكريجر سفيراً للولايات المتحدة في ألمانيا، فضَّل ترمب مرة أخرى تبنِّي سياسة خارجية تميل إلى حماية الأولويات المحلية للولايات المتحدة. ويُعرَفُ عن ماكريجر – وهو عقيد متقاعد من الجيش الأمريكي – بأنه يدعو إلى إصلاح القوات المسلحة، والسياسة الخارجية الأمريكية؛ حيث قال مراراً إن إيران لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الحرب ضد العراق عام 2003 شكّلت خطأ استراتيجياً فادحاً. وبعبارة أخرى، يدل تعيين ماكريجر على أن ترمب يتحرك باتجاه الناخبين الأمريكيين الجمهوريين البيض الذين يفضلون التركيز على الأولويات المحلية، والذين تساورهم شكوك بالغة إزاء السياسة الخارجية التدخلية، ويعارضون التورط في حروب جديدة في الشرق الأوسط. وفي ضوء هذه القراءة لم يكن مفاجئاً أن الأوساط المناهضة لإيران نفسها التي هتفت لحملة الرئيس ترمب لفرض “أقصى درجات الضغط” على إيران انتقدوا تعيين ترمب لماكريجر سفيراً في أقوى دولة أوروبية، ورأوا أن هذا التعيين مؤشر على اتجاه أكبر.

في المقابل، رحَّبت إيران بشكل هادئ بتعيين ماكريجر؛ حيث يعتبرون هذا مؤشراً على رغبة ترمب في إعادة توجيه السياسة الخارجية الأمريكية بعيداً عن الصراعات العسكرية. مع ذلك، فإن خلف هوك يعد في نهاية المطاف من الصقور المناهضين لإيران، الأمر الذي يجعل الإيرانيين غير قادرين على توقُّع مستقبل السياسة الأمريكية تجاه بلادهم.

ومعلومٌ بأن ترمب وضع نفسه في موقع صعب منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير 2017 بين المحافظين الجدد الذين يدفعون باتجاه سياسة خارجية عسكرية من جهة، ومؤيدين يفضلون الأولويات المحلية، ويحثّون الرئيس على انكفاء الولايات المتحدة نحو الداخل. ويبدو أن ترمب يتحرك باتجاه معسكر الأولويات المحلية، والذي قد يكون السبب وراء خلاف ترمب مؤخراً مع شِلدن إيدلسن الذي يعد أحد كبار المتبرعين لقضايا الحزب الجمهوري، ومن الداعمين لإسرائيل، وأجندة المحافظين الجدد في مجال السياسة الخارجية.

المبعوث الجديد أبرامز؛ دبلوماسي مخضرم متشدد

يُعَدُّ إليوت أبرامز معروفاً تماماً بالنسبة للإيرانيين وترمب. ويقال بأن ترمب لا يحب أبرامز شخصياً؛ حيث أنه كان ضمن الجمهوريين الذين عارضوا بادئ الأمر ترشيح ترمب للرئاسة. ويعرف الإيرانيون أبرامز من خلال معارضته القوية على مدى نحو 40 سنة للجمهورية الإسلامية. لكنَّ لا يبدو أن الإيرانيين يعتقدون بأن أبرامز – الذي سيدير سياسات ترمب تجاه إيران، وفنزويلا بشكل متزامن – سيحصل على أي تفويض من ترمب لانتهاج أي سياسة واسعة النطاق ضد إيران قبل انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل. وهذا هو التقييم السائد في أوساط المحافظين الجدد في واشنطن.

ويدور النقاش في واشنطن حالياً حول إذا ما تعيَّن على المحافظين الجدد اختيار ترمب للتوصل إلى اتفاق نووي أفضل مع إيران خلال فترة رئاسته الثانية، أو دعم جو بايدن في مسعاه للفوز بالرئاسة، وحثه على مواصلة حملة “أقصى درجات الضغط” على إيران، والبناء عليها، وهي السياسة التي دعمها ترمب بادئ الأمر، لكنَّه سئم منها عندما لم يرَ نتائج فورية لها.

خلاصة

أثار رحيل المبعوث الخاص للرئيس ترمب حول إيران برايان هوك، وتعيين إليوت أبرامز في هذا المنصب، الكثير من التوقعات في إيران والمنطقة. ويعرف الإيرانيون أبرامز تماماً لكنَّهم لا يعتقدون بأنه سيحصل على أي تفويض من ترمب لانتهاج أي سياسة واسعة النطاق ضد إيران قبل انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل. وفي ضوء هذا التقدير يعتبر الإيرانيون رحيل هوك وتعيين أبرامز مجرد تفصيل ثانوي. لكنَّ هذا لا يعني أن طهران لم تقرأ أي إشارات من هذا التغيير، ودلالته بالنسبة لخطط واشنطن.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى