من الصحافة الإيرانية: ما هي حدود إعادة بناء العلاقات الإيرانية مع السعودية؟
تفتقر الرياض تقليديًا إلى أدوات الدبلوماسية القسرية للضغط على الجهات الأمنية والعسكرية داخل إيران لتقديم تنازلات.

ميدل ايست نيوز: تفتقر الرياض تقليديًا إلى أدوات الدبلوماسية القسرية للضغط على الجهات الأمنية والعسكرية داخل إيران لتقديم تنازلات. قد تعوض وساطة الصين هذا النقص، لكن في حال خالفت طهران التزاماتها ومواقفها، فإنها ستضع بكين في وجه المدفع.
وبحسب صحيفة هم ميهن الإيرانية، دفع عدم الاستقرار الداخلي في إيران، والموجة الأخيرة من الجهود لتطبيع العلاقات بين الأعداء السابقين في المنطقة (مثل تركيا والسعودية والإمارات وقطر وإسرائيل)، والموت البطيء للاتفاق النووي الإيراني، وظهور علامات الانسحاب الأمريكي من المفاوضات، على زرع بذور الحوار بين السعودية وإيران.
وفي وضع تحتل فيه الولايات المتحدة المرتبة الثانية عسكريًا في الشرق الأوسط وفي ظل عدم وجود إطار أمني إقليمي لمنع التصعيد السريع للتوترات، عادت الرياض وطهران لتختبر نموذج العلاقات الحميمية فيما بينهما. إلا أن التوترات المستمرة منذ عقود بين البلدين لا تزال مخفية تحت الطاولة، مما يجعل التقارب بين الجانبين مقامرة وتحد عقيم لكلا البلدين.
متطلبات تطبيع العلاقات
لم تكن محادثات الصين السرية بأي حال من الأحوال المحاولة الأولى للتوسط من أجل إحلال السلام بين السعودية وإيران. حيث حاولت في السابق، دول مثل العراق والولايات المتحدة إجراء محادثات إقليمية بين إيران والسعودية بهدف الحد من التوترات، لكن هذه الجهود لم تسفر عن نتائج تذكر. وما يجعل الجهود الدبلوماسية في بكين مهمة ليس فقط دورها كلاعب محايد، بل الظروف التي جلبت كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات في المقام الأول.
برنامج إيران النووي والفشل في إحياء الاتفاق النووي زاد من حدة التنافس وانعدام الثقة بين الرياض وطهران. فمع استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تجاوزت الـ 3.67 في المائة المتفق عليها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، ومع استمرار الولايات المتحدة في إرسال إشارات بانسحاب عسكري من الشرق الأوسط، بدأت السعودية واللاعبون الإقليميون الآخرون بالنظر في خيارات أخرى، حيث تخشى هذه الدول أنه في حال استمرت التوترات بين إيران والغرب بشأن البرنامج النووي، فإن إيران ستصبح لاعباً حاسماً لا يمكن التنبؤ بتحركاته في المنطقة.
وفي وقت سابق، بدأت الدول العربية، بنفس الحافز هذا، موجة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتركيا. وقد حدث هذا التطبيع للعلاقات حتى الآن بشكل أساسي تماشياً مع القضايا الاقتصادية، لكن الهدف الرئيسي لهذه الدول كان التعاون الأمني النهائي ضد قوة إقليمية كبرى تسمى إيران. وعليه، مع ارتفاع مستوى التجهيز العسكري في المنطقة، ستكون هناك احتمالية أكبر لتصعيد التوتر وخلق المزيد من الثغرات، إذ تدرك السعودية أن الاتفاق النووي مسألة “غارقة” وأن برنامج إيران النووي قد وصل إلى مرحلة الانتهاء النووي، لذلك قررت التحرك نحو تخفيف التوتر مع إيران.
وبخصوص توقيت الاتفاق بين إيران والسعودية، يجدر القول إن الاضطرابات داخل إيران أتاحت فرصة للسعودية وبكين كوسيط لإحراز تقدم على مسار الحوار. حيث كشفت الاحتجاجات الشعبية في إيران عن انقسامات سياسية عميقة واستياء من السياسات الاجتماعية والسياسية للبلاد، والتي تفاقمت بسبب الضغط الاقتصادي بفعل العقوبات الدولية.
لا يخفى على أحد كيف تعاملت الحكومة الإيرانية مع معاشر المحتجين الذين غزو شوارع المدن في البلاد، ولكن مؤخراً تم إطلاق سراح عشرات الآلاف منهم من السجون، وقد يكون هذا بحد ذاته علامة على تغيير في بعض السياسات داخل إيران. هذه إشارات تستقبلها دول مثل السعودية بشكل جيد وإيجابي. في وسط هذا الزخم، كانت طهران مشغولة بالاحتجاجات الداخلية وتبحث في الوقت نفسه عن مخرج من المأزق الإقليمي، والذي أفضى في النهاية إلى الجلوس على طاولة الحوار مع السعودية.
تعايش ومنافسة واحتواء.. هكذا تحاول السعودية التعامل مع إيران
حدود القرب المفرط بين البلدين
هنا يكمن الجزء الصعب من ما يجري اليوم بين هذين الجانبين. فعلى الرغم من أن إيران لم تعد بأي تغييرات كبيرة في سياستها الخارجية، إلا أنها وافقت على تقديم تنازلات للرياض لكسب ثقة السعوديين.
ووفقًا للتقارير، وافقت إيران على منع الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على الحدود السعودية المشتركة مع اليمن. إلا أن هذا الاتفاق نفسه يحمل العديد من المخاطر، إذ يدرك كلا البلدين أن جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران لا تتبع مطالب إيران بشكل دائم. لذلك، إذا حصلت أي هجمات من قبل الحوثيين ضد السعودية في المستقبل، على الرغم من أن إيران يمكن أن تجادل بأنه ليس لها دور في هذه الهجمات، فمن غير المرجح أن تقبل الرياض حجة طهران في هذا الصدد.
ومما لا شك فيه أن إيران لن تكون مستعدة لتقليص مستوى علاقاتها مع الحوثيين اليمنيين. حيث أن هذه الخطوة ستقلل من نطاق نفوذ إيران الإقليمي كما هو مدرج في سياسات إيران الإقليمية العامة.
وتعتبر إيران هذا النفوذ ضرورة جيوسياسية رئيسية لنفسها، وهذا هو السبب في رفضها التفاوض في الاتفاق النووي في عام 2015. فعندما تفشل الولايات المتحدة وأوروبا في إقناع إيران بالتخلي عن هذا النفوذ أثناء تلك المفاوضات، كيف ستتمكن السعودية من تحقيق هذا الهدف؟
إسرائيل ألد أعداء إيران الإقليميين، هي النقطة التالية المهمة للغاية. فتل أبيب لن ترحب بكل تأكيد بأي تغييرات في العلاقات الإيرانية السعودية بهذه السهولة. فقد دفع تضاؤل البصمة الأمنية الأمريكية في المنطقة إسرائيل إلى إنشاء إطار أمني إقليمي جديد، كانت نقطته تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب وغيرها.
من وجهة نظر إسرائيل، كان تطبيع العلاقات بموجب ما يسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية وسيلة لخلق هذا الإطار الأمني الذي سيكون بمثابة تحالف للحد من الهيمنة الإيرانية والقوات التابعة لها. إلا أن الاتفاق الأخير بين السعودية وإيران أثر بشكل صارخ على هذه المخططات الإسرائيلية، ما سيدفعها بلا شك لممارسة العديد من الضغوط عالية المستوى على أصدقائها الجدد في منطقة الخليج للسعي من أجل الحصول على تنازلات كبيرة من إيران، خاصة فيما يتعلق بدعمها لحزب الله، الذي يتمركز على طول حدود فلسطين المحتلة.
وبخلاف ذلك، ستهدد إسرائيل بإبطاء التقدم في مشاريع البنية التحتية والتجارة والمالية المرتبطة بالاتفاق الابراهيمي التي تأمل دول الخليج أن تساعد هذه المشاريع في تنويع اقتصاداتها. وعليه، في الوقت الذي تسعى فيه الرياض إلى تفاعل ومشاركة أكبر مع طهران، يجب عليها أن تزن الضرر الذي لحق بعلاقاتها مع إسرائيل واتفاق إبراهيم.
ووفقًا للجدول الزمني للاتفاقية، أمام السعودية وإيران شهران لإثبات التزامهما بتطبيع العلاقات. إذ من المقرر أن تستأنف المفاوضات في مايو بعد إعادة فتح السفارات وإعادة تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني لعام 1998 لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات وغسيل الأموال.
وعلى الرغم من التغيير الهائل الذي يعد به تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، فإن عدم الثقة والمصالح المختلفة للبلدين من المحتمل أن تجعل جهود تطبيع العلاقات صعبة. لكن يبقى أن نرى ما إذا كان البلدان سيتمكنان من التغلب على هذه الصعوبات أم لا؟