من الصحافة الإيرانية: تحول هام في مفاوضات إيران مع القوى الغربية
إن تحييد شخصية لديها هذه الخصائص الوسطية كالمبعوث الأمريكي روبرت مالي عن العمل أضفت طابعاً سلبياً على أجواء المفاوضات وجعلت اتجاه الحوار أكثر صعوبة.
ميدل ايست نيوز: إن التصريح الأخير للمبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران روبرت مالي يعتبر تطوراً في عملية المفاوضات الإيرانية الأمريكية التي استمرت 28 شهراً.
بنظرة كلية على تطورات المشهد السياسي يتضح لنا أن روبرت مالي لم يلعب في الشهرين أو الأشهر الثلاثة الماضية دوراً بارزاً في الاتصالات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة. ليجيء بالأمس نبأ تحييده وحظر وصوله إلى الوثائق السرية، والذي قيل إن السبب في ذلك هو إساءة التعامل مع هذه الوثائق، ما دفع وزارة الخارجية الأمريكية لمنحه إجازة غير مدفوعة الأجر الأسبوع الماضي، وهو ما أثار الغموض وراء نتائج التحقيقات بحقه.
لم يكن مالي مسؤولاً عادياً في الحكومة الأمريكية، حيث تم تعيينه كممثل خاص لإيران بعد حوالي أسبوع فقط من تولي بايدن منصبه. فقد كان يمتلك خبرات عالية ومكانة مثيرة للاهتمام في واشنطن اكتسبها على مدار عقدين من النشاط السياسي.
ورأى المراقبون في وقت تعيينه أن نية بايدن من هذا التعيين كانت إظهار رغبته في تسريع وتسهيل العمل على إحياء الاتفاق النووي، إذ كان من المفترض أن يكون لمالي تأثير ملحوظ في هذا المجال بسبب ميوله السياسية.
وروبرت مالي هو ابن لأبوين كانا صحفيين يساريين ومتحدثين رسميين وغير رسميين باسم “جبهة التحرير الجزائرية” في ستينيات القرن الماضي. طرد والده في عام 1980 من صحيفة Afrique Azi الفرنسية بعد أنشطتهم السياسية ومقالاتهم العدائية لإسرائيل.
وكتب المسؤول الأمريكي هذا العديد من المقالات حول قضايا الشرق الأوسط ودعا في كثير من الأوقات إلى التقارب مع حماس والإخوان المسلمين. وبعد دعم قوي من الجناح اليساري للحزب الديمقراطي بما في ذلك السياسي بيرني ساندرز، تولى مالي منصب المبعوث الخاص لإيران.
ومن الجدير بالذكر أن الجماعات اليسارية المناهضة لأمريكا، بما في ذلك جماعة Code Pink الأمريكية، والتي سافر بعض قادتها إلى إيران في مارس 2018، سعت بطريقة غير اعتيادية لتعيينه.
كان روبرت مالي عضوًا في فريق كلينتون في المفاوضات الفلسطينية عام 2000، وبعد فشل هذه المفاوضات، ألقى باللوم الكامل على إسرائيل وسلط الضوء على سياستها في التفاوض في مقال له وصفه محللون بـ”غير العادي”. أما في عام 2008، أُجبر على الاستقالة كعضو في الحملة الانتخابية لباراك أوباما بعد الأنباء التي أفادت بأنه اتصل بممثلي حماس خلال فترة رئاسته لمجموعة الأزمات الدولية. ولهذه الأسباب، كان مالي دائمًا هدفًا لعداء معارضي خطة العمل الشاملة المشتركة ولوبي إسرائيل في أمريكا.
تعامل مالي في سياق عمله مع العديد من الجهات التي تعتبر متطرفة تجاه إيران. كان أبرزها في يناير 2022، عندما غادر ريتشارد نيفيو وهو مهندس العقوبات الإيرانية ونائب مالي، برفقة عضوين آخرين فريق المبعوث الأمريكي “بسبب اختلاف في وجهات النظر” ورغبتهم في التصرف بشكل أكثر عدوانية تجاه طهران. وسرعان ما أكد نيفيو حقيقة ما جرى في تغريدة له نشرها في وقت لاحق من تركه العمل السياسي.
وعلى غرار نيفيو، غادر دانيال شابيرو (السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل) بعد شهر تقريبا هذا الفريق. وعلى وقع هذه الاستقالات، أظهرت الأدلة أن مالي استطاع تطبيق سياسته الوسطية والحصول على دعم بايدن وبلينكن على حد سواء خلال عمله كمبعوث خاص لإيران.
وبعد تعليق عمل مالي، وفي أجواء أمريكية مسيّسة للغاية خاصة فيما يتعلق بإيران، طالب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي مايكل ماكول وزير الخارجية أنتوني بلينكن بتفاصيل حول التحقيق المتعلق بالتصريح الأمني الخاص بالمبعوث الأميركي إلى إيران روبرت مالي حتى نهاية يوليو، كذلك تقديم توضيحات علنية وسرية للجنة من قبل ماكغاريت، مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وأبرام بالي، نائب روبرت مالي.
وتولى ماكغاريت في الشهرين أو الأشهر الثلاثة الماضية المفاوضات في عمان كبديل عن روبرت مالي. في حين يفترض الخبراء أنه ورئيسه، جيك سوليفان، لديهما مواقف أكثر صرامة من مالي بشأن إيران والمفاوضات معها. يتزامن هذا الأمر مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين الخميس تعيين السفير الأمريكي السابق دانيال شابيرو، مبعوثا لقضية اتفاقات إبراهيم بين إسرائيل والدول العربية، مما قد يعني دخول عنصر متشدد إلى فريق الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية.
إذن، قد لا تكون المباحثات النووي موضع تفاوض بين هذه الأطراف لعدة أسباب، لعلّ أهمها ضياع وتشتت مستجداتها وتغير الظروف بين لحظة وأخرى، لكن في المقابل، هناك العديد من القضايا بين إيران وأمريكا التي يجب تسليط الضوء عليها. فعلى الرغم من أن المفاوض ملزم بالعمل في إطار السياسة التي تتبناها حكومته، إلا أنه أيضاً يمتلك خصائص وقدرات ومبادرات وتوجهات شخصية معينة يمكن أن تؤثر على عملية التفاوض.
إن تحييد شخصية لديها هذه الخصائص الوسطية كالمبعوث الأمريكي روبرت مالي عن العمل أضفت طابعاً سلبياً على أجواء المفاوضات وجعلت اتجاه الحوار أكثر صعوبة. وخصوصاً أن تغيير المفاوضين قد يسبب في كثير من الأحيان تغييراً في السياسة. يظهر هذا التطور الأخير بحق روبرت مالي مرة أخرى أهمية استغلال الفرص على المدى القصير لأن المشهد السياسي والدقائق التي يمر فيها لا تخلو من التغيرات.
كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق لدى الأمم المتحدة وخبير في العلاقات الدولية