سيناريو الحرب الإقليمية.. هكذا يبدو لو اشتعلت
في حين لا ترغب إيران ولا الولايات المتحدة في خوض حرب إقليمية واسعة، فإن التصعيد الإسرائيلي المستمر يجعل من حرب كهذه احتمالا واردا.
ميدل ايست نيوز: في حين لا ترغب إيران ولا الولايات المتحدة في خوض حرب إقليمية واسعة، فإن التصعيد الإسرائيلي المستمر يجعل من حرب كهذه احتمالا واردا، مما يدعو إلى استشراف الشكل الممكن لتلك الحرب، على صعيد الامتداد الجغرافي، وشكل المواجهة في مسارح العمليات الجوية والبحرية والبرية، والتداعيات السياسية والاقتصادية والإنسانية لها على دول وشعوب المنطقة.
وتطلق تسمية الحرب الإقليمية، وفقا لدراسة لمؤسسة السلام الدولية، على مجموعة من الحروب بين دول متجاورة، يعزز بعضها بعضا مما يطيل أمدها، وترتبط عادة بقضايا سياسية وحدودية واقتصادية معقدة.
ويمكن رسم سيناريو المواجهة العسكرية على النحو التالي:
- الاشتباك الجوي
في حال حصول الحرب، فإن البداية المتوقعة لها تتمثل في هجوم جوي من إيران، ترد عليه إسرائيل بشكل واسع، مما يشعل فتيل قصف جوي متبادل، ينخرط فيه حلفاء كل طرف.
وفي ظل ذلك، يقوم كل طرف باستهداف الأصول الإستراتيجية للطرف الآخر؛ كمراكز القيادة والتحكم، والمفاعلات النووية والمطارات العسكرية والمدنية، والقواعد العسكرية، والموانئ، وشبكات الطاقة والاتصالات والمواصلات، ومنظومات التصنيع العسكري والمدني، بما يحقق تقويض الجبهة الداخلية للطرف الآخر ودفعه للرضوخ والاستسلام.
وفي هذا الصدد يسعى كل طرف إلى امتلاك الغطاء الدفاعي الجوي اللازم، وتمتلك إسرائيل بالفعل نظام دفاع جوي متعدد الطبقات، وتوفر لها القوات الأميركية والفرنسية المنتشرة في المنطقة حماية فعالة نسبيا، خصوصا بفعل طول المسافة التي تحتاج الصواريخ والمسيرات الإيرانية لقطعها، والبالغة قرابة ألفي كيلومتر.
وهذا ما يجعل الصواريخ والمسيرات القادمة من جنوب لبنان أكثر تهديدا بفعل قربها من الكثير من الأهداف الحيوية الإسرائيلية.
وبالمقابل تسعى إيران، وفقا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست في 15 أبريل/نيسان 2024، إلى امتلاك طائرات سوخوي 35 الروسية ومنظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400، لتقليل الضرر الذي يمكن أن تلحقه الحرب بأصولها الإستراتيجية.
وتعد موافقة روسيا على توريد هذه الأسلحة أمرا محتملا بفعل تطور العلاقة العسكرية بين الطرفين خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وبفعل المأزق الذي تعانيه موسكو بسبب التسليح الغربي المتزايد لأوكرانيا، مما يوفر لها الدافع لاستنزاف خصومها في أي معركة إقليمية محتملة، ومنعهم من إحراز نصر سريع أو سهل فيها.
وتنتج روسيا منظومات الدفاع الجوي إس-400 وإس-500 التي تشكل تهديدا فعالا لطائرات الولايات المتحدة وحلفائها، ولذلك كان تزويدها تركيا بمنظومات من النوع الأول عام 2019 سببا لأزمة دبلوماسية حادة بين أنقرة وواشنطن.
سيناريو
وفي سيناريو تفصيلي وضعته شركة “إس أند بي غلوبال” عام 2021 لحرب مفترضة بين الولايات المتحدة وإيران، توقعت الشركة أن تركز الضربات الأولية على إيران على المنشآت النووية الأكثر أهمية، وخاصة فوردو ونطنز، ومحطة آراك للماء الثقيل، وأي موقع عسكري يشتبه في أنه يشهد تجارب لصنع الأسلحة.
وتسبق هذه الضربات الجوية عمليات تخريب سرية كبيرة ومتزامنة “لتليين الأرض” باستخدام عملاء وهجمات إلكترونية.
وفي حال توسع الصدام، يتوقع هذا السيناريو أن تشن الولايات المتحدة وإسرائيل هجمات صاروخية وسيبرانية على قواعد الحرس الثوري الإيراني، في محاولة خاصة لتعطيل الأصول البحرية والجوية الصاروخية المنتشرة على طول الخليج وتمتد باتجاه الشمال الغربي على طول الحدود العراقية.
ومن المحتمل أيضا، أن تستخدم الولايات المتحدة وإسرائيل أيضا الهجمات الصاروخية والسيبرانية لضرب البنية التحتية للاتصالات، وصناعات الدفاع والفضاء، والقواعد البحرية ومهابط الطائرات المدنية.
وإذا استمرت هذه الضربات، فإنها تستهدف أيضا الموانئ البحرية المصدرة للنفط والغاز والبتروكيميائيات بما في ذلك معشور وعسلوية، وخاصة محطة نفط جزيرة خرج، التي تتعامل مع 90% من صادرات إيران من النفط الخام.
وفي المقابل، فمن المتوقع أن ترد إيران بالصواريخ (الباليستية، والصواريخ الموجهة، والمضادة للسفن)، والطائرات بدون طيار المسلحة، والمقاتلات البحرية السطحية والغواصات التي تستهدف القواعد والقوات الأميركية حول الخليج، ورادارات الدفاع الجوي في جميع أنحاء جنوب المنطقة.
وتشمل الضربات الموانئ البحرية في جنوب الخليج، بما يعطل نشاط الموانئ لبضعة أسابيع، ويتطلب أسابيع إلى أشهر لإصلاحها.
- الاشتباك البحري
ويشكل البحر ساحة حرب أساسية، لما له من أهمية عسكرية واقتصادية.
وفي المستوى الحالي من المواجهة تستهدف جماعة أنصار الله (الحوثيون) السفن الإسرائيلية والأميركية والبريطانية، أو تلك المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، أو المملوكة للشركات التي تنقل البضائع من وإلى دولة الاحتلال، وذلك في البحر الأحمر وخليج عمان بشكل أساسي.
وفي حال انخراط طهران في الحرب، فمن المرجح أن يتطور الإغلاق ليصبح شاملا لكل من مضيقي باب المندب وهرمز ولمختلف السفن، وهو ما ستحاول الولايات المتحدة منعه من خلال الاستهداف الواسع لمصادر التهديد العسكري الإيراني والحوثي، وهو أمر بالغ الصعوبة في مضيق هرمز على الأقل بفعل مجاورته لإيران وامتداد خط الساحل الإيراني لمسافات كبيرة قبله وبعده.
وتوقع السيناريو الذي رسمته شركة “إس أند بي غلوبال” أن “تحاصر إيران مضيق هرمز وتزرع فيه الألغام وتستخدم صواريخ مضادة للسفن لاستهداف السفن التجارية القريبة المرتبطة بالولايات المتحدة وحلفائها، والتي تتحدى الحصار الإيراني.
وفي حين تستمر بعض عمليات الشحن، تكون القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة غير قادرة على ضمان سلامة الشحن التجاري بشكل كامل.
وفي حال دخول حزب الله اللبناني الحرب، إما منفردا، ردا على اغتيال القيادي فؤاد شكر أو ضمن جبهة مشتركة مع إيران، من المرجح أن يستهدف الحزب السفن العسكرية الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى ميناء حيفا، إضافة إلى منصات النفط والغاز في البحر. وذلك باستخدام صواريخ أرض بحر، والطائرات المسيرة.
وتتحدد مدى الأضرار التي يمكن أن تحصل للأسطول البحري الإسرائيلي ولنشاط الموانئ الإسرائيلية بمستوى تطور التسليح البحري للحزب وللتكتيك العسكري الذي سيعتمده.
وإلى هذا الأمر، أشار الأمين العام للحزب حسن نصر الله في خطابه 19 يونيو/حزيران 2024 بقوله إن إسرائيل تعرف أن ما ينتظرها في البحر الأبيض المتوسط كبير جدا، وإنه عندما يفتح الاحتلال حربا مع لبنان فإنّ “كل سواحله وكل شواطئه وكل موانئه وكل بواخره وكل سفنه ستكون مهدّدة، وهو يعرف أنه ليس قادرا على أن يدافع عن كيانه أمام معركة بهذا الحجم”.
- الاشتباك البري
ويرجح أن يكون الاشتباك البري مرحلة متقدمة من المواجهة، في حين قد تبدأ مناوشات تستهدف القوات الأميركية في العراق وسوريا مبكرا.
ويوجد في العراق قرابة 2500 جندي أميركي، تشعر الإدارة في واشنطن أنهم سيكونون في خطر في حال اندلاع الحرب. وهذا ما دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أن يطلب من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تحمل مسؤولية حمايتهم، عقب عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
وفي مراحل لاحقة، من الممكن أن تشمل المواجهة البرية جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، وفقا لمجريات الحرب، وكان حزب الله قد أجرى تدريبات تحاكي دخول قواته إلى بلدات فلسطين المحتلة القريبة من الحدود، إلا أن الإخلاء الإسرائيلي لشريط حدودي بعمق عدة كيلومترات يجعل التوغل البري للحزب مكشوفا وباهظ الكلفة، ما لم يترافق مع انهيار لمنظومة القيادة والسيطرة الإسرائيلية.
وكانت معركة “الإعماء الاستخباري” التي خاضها الحزب على مدار أشهر الحرب العشرة تهدف إلى الحفاظ على أكبر قدر من حرية الحركة للحزب، وخصوصا في حال توسع نطاق الحرب. وتمثلت في القصف شبه اليومي لمحطات الاستطلاع والإنذار المبكر التي ينشرها الاحتلال على طول حدوده مع لبنان والجزء السوري من مرتفعات الجولان.
وفي سوريا من المرجح أن يسعى النظام إلى النأي بنفسه عن المواجهة المباشرة، إلا أن قدرته على السيطرة على الجماعات الموالية لإيران على أراضيه مشكوك بها، علاوة على أن حزب الله قد يكون نجح في تأسيس بنية عسكرية على خط الحدود السوري الإسرائيلي.
ومن غير المستبعد أن تحاول الجماعات الحليفة لإيران في العراق التقدم برا باتجاه الحدود الإسرائيلية، سواء عبر سوريا أو عبر الأردن، وبالمقابل قد تسعى القوات الإسرائيلية إلى مواجهتها داخل الأراضي الأردنية، برا أو جوا، في حال عدم ثقتها بحصول الردع من قبل القوات الأردنية والقوات الأميركية والفرنسية المتمركزة في الأردن.
سلوك الحلفاء
ويعتمد تطور الأحداث بشكل كبير على سلوك الأطراف الدولية الكبرى والقوى الإقليمية غير المنخرطة في الحرب بشكل مباشر.
ففي حين تعلن الولايات المتحدة أنها ستدافع عن إسرائيل في حال مهاجمتها من قبل إيران، إلا أن ذلك قد يعني في بداية الحرب مجرد توفير الحماية الجوية من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، إلا أن تطور الحرب لتشمل “قصفا إستراتيجيا” من حزب الله وإيران سيدفعها بشكل شبه مؤكد للانخراط في الهجوم الجوي على الطرفين.
وفي المقابل تبدي كل من روسيا والصين مواقف دبلوماسية متعاطفة مع إيران، إلا أن أيا منهما لا يرغب في الانخراط المباشر في حرب كهذه، في حين قد تزود روسيا إيران ببعض احتياجاتها العسكرية النوعية، كما يرجح أن توفر، هي والصين، غطاء دبلوماسيا لطهران في مجلس الأمن.
وفي حال تعرض العراق لقصف أميركي أو إسرائيلي يستهدف مقار حكومية أو يوقع أعدادا كبيرة من الضحايا المدنيين، فسوف تجد الحكومة العراقية نفسها أمام ضغط داخلي يدفع بها نحو المشاركة في المواجهة بشكل أكبر.
ويرجح أن تنأى تركيا بنفسها عن المواجهة، وألا تسمح للولايات المتحدة باستخدام القواعد العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على الأراضي التركية، حتى لا تصبح طرفا في الحرب مع إيران. وفي حين يشكل كلا من طهران وتل أبيب منافسين إقليميين لها، فإن تمدد نفوذ أي منهما يعد خبرا غير سار لأنقرة.
وفي ذات الوقت، قد تسعى الدول العربية القريبة إلى النأي بأنفسها عن الحرب، إلا أن وجود قوات أميركية على أراضيها، ومشاركة هذه القوات في الحرب سيجعلها غالبا هدفا لهجمات إيران وجماعة أنصار الله الحوثيين وفصائل “المقاومة الإسلامية” في العراق.
التداعيات المحتملة للحرب
في حال اتسعت الحرب وطال أمدها قد يكون لها تداعيات جيوسياسية طويلة الأمد، على صعيد انهيار أنظمة دولة أو أكثر من أطراف المواجهة، أو حصول تغير في الحدود بين دولتين أو أكثر لدى وقف إطلاق النار، إضافة إلى تغير الأوزان السياسية النوعية لمختلف القوى في المنطقة، وكل ذلك مرهون بمسار الحرب ونتائجها.
ويترافق مع حرب كهذه عادة موجات من اللجوء من البلدان الأكثر تضررا، إضافة إلى أزمات إنسانية ناتجة عن نقص الغذاء والماء والطاقة.
في حين يرجح أن تنخفض القدرة الإنتاجية للنفط والغاز من المنطقة، وأن ينخفض الناتج القومي الإجمالي للمنطقة وللعالم ككل، في حال حصول الحرب، وفقا لما أشار إليه تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي بتاريخ 15 فبراير/شباط 2024.
وأشار التقرير إلى أن تداعيات التصعيد في المنطقة -في “السيناريو المتشائم” لدى المعهد، وباحتمال أقل من 30%- يمكن أن تتجلى في ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية، وارتفاع التضخم، وتأخير التسهيلات النقدية في الاقتصادات المتقدمة، وفي نهاية المطاف، انخفاض النمو العالمي.
وفي هذا السيناريو توقع المعهد أن النمو العالمي سينخفض إلى 2.4% في عام 2024، ويعزى هذا الانخفاض الإضافي في النمو العالمي في المقام الأول إلى المزيد من التعطيل للشحنات عبر قناة السويس ومضيق هرمز.
وينطبق هذا بشكل خاص إذا بدأت إيران أو إحدى قواتها بالوكالة في تعطيل الشحنات عبر مضيق هرمز، مما يجعل المضيق نقطة اختناق مهمة في سوق النفط والغاز العالمية.
الطاقة والنفط
ويعتمد التأثير المحتمل لانقطاع الإمدادات على أسعار الطاقة على مدة وشدة الانقطاع. وفي حين يصعب التنبؤ بمقدار ارتفاع أسعار الطاقة ومدة ذلك الارتفاع، يفترض التقرير أن أسعار النفط والغاز الطبيعي سترتفع بنسبة 40% في عام 2024. وإلى جانب الزيادة في النفط والغاز الطبيعي، سترتفع تكاليف الشحن والتأمين بشكل كبير.
أما بخصوص التأثير على اقتصادات الشرق الأوسط، فإن العوامل الرئيسية التي قد تثقل كاهل النشاط الاقتصادي الإقليمي هي:
- مدى ومدة الحرب الأوسع.
- التخفيضات الإضافية في إنتاج النفط بسبب الهجمات على ناقلات النفط في ظل فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران.
- اعتماد سياسة نقدية مشددة طويلة المدى في دول الخليج.
ومن الممكن أن تؤدي حرب إقليمية أوسع نطاقا يشارك فيها حزب الله إلى انكماش الناتج القومي بنسبة 20% على الأقل في لبنان و4.5% في إسرائيل.
ومن الممكن أيضا أن تؤدي حرب أوسع نطاقا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الهش في مصر، فقد انخفضت البضائع المارة عبر قناة السويس بأكثر من 40% في يناير/كانون الثاني من العام 2024، مقارنة بالعام السابق. في حين تشكل عائدات قناة السويس مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة بالنسبة لمصر.
وقد ينكمش الاقتصاد الإيراني بنحو 5% في السنة المالية 2024، وقد يتسارع التضخم إلى أكثر من 100%.
وختاما فإن حربا إقليمية ستكون حدثا يرسم الشكل السياسي، وربما الجغرافي، لدول المنطقة في السنوات اللاحقة لها. كما أنه يحمل خطر توسع المواجهة إلى مناطق أخرى في العالم، وخصوصا في حال انتهاز روسيا أو الصين فرصة الحرب لفرض وقائع جديدة في محيطهما الحيوي.