ترمب وهاريس… والعلاقات مع السعودية وإسرائيل وإيران
أسهل طريقة لفهم القواسم المشتركة بين أي إدارة أميركية فيما يتعلق بالسعودية، وإسرائيل، وإيران تكمن في ثلاث كلمات: شريك، حليف، عدو.
ميدل ايست نيوز: أسهل طريقة لفهم القواسم المشتركة بين أي إدارة أميركية مستقبلية فيما يتعلق بإسرائيل، والسعودية، وإيران تكمن في ثلاث كلمات: حليف. شريك. عدو.
المصالح الأميركية الشاملة والعلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية الطويلة الأمد تسبق من سيتولى السلطة في يناير/كانون الثاني 2025 وتحدد خيارات الرئيس القادم.
تحالف
كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل في عام 1948، كما كانت الولايات المتحدة وإسرائيل حليفتين فعليا لعقود، على الرغم من عدم وجود معاهدة دفاع رسمية. وقدمت الولايات المتحدة أكثر من 150 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل، أكثر من أي حليف آخر، سواء كان ذلك في وجود معاهدة أو من دونها. وقد نشط هذا التحالف بعد هجمات “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول، حيث تدفقت مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية إلى إسرائيل خلال حربها على غزة والآن في لبنان أيضا.
وقد كان التحالف في السابق يعتمد على منطق استراتيجي خلال الحرب الباردة- كما كانت تحالفات الولايات المتحدة مع تركيا وإيران في ذلك الوقت- ولكنها الآن تستند بشكل أساسي إلى التزام سياسي قوي في الهيئات السياسية الأميركية، والكونغرس، وكثير من وسائل الإعلام، بدعم غير محدود لأمن إسرائيل. فيما ينشأ جيل شاب في أميركا يشكك بشكل كبير في هذا الالتزام الأميركي المطلق– وهذه الأصوات أكثر شيوعا بين الديمقراطيين الشباب– ولكن هذا الجيل سيحتاج عقدا أو اثنين إضافيين ليبدأ في تحقيق تأثير سياسي حقيقي.
شراكة
الشراكة الأميركية مع السعودية من الشراكات الأقدم، حيث بدأت في الاجتماع المحوري بين الرئيس روزفلت والملك عبدالعزيز عام 1945. وكانت الشراكة تحتوي على بعض عناصر التحالف حيث عملت الولايات المتحدة والسعودية معا لمكافحة النفوذ السوفياتي، وطرحت الولايات المتحدة “مبدأ كارتر” الذي ساعد في دعم شريكها العربي ضد التهديدات المحتملة، وأرسلت قوات لطرد صدام حسين من الكويت وكذلك إبعاده عن حقول النفط السعودية.
لكن مع تحول الولايات المتحدة إلى مصدر صاف للطاقة، ودون الدعم الداخلي القوي الذي تتمتع به إسرائيل في الولايات المتحدة، بدأت عناصر ذلك التحالف بالتأثر. وعندما تعرضت حقول النفط السعودية للهجوم في 2019، أو عندما استمر “الحوثيون” المدعومون من إيران في شن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على السعودية، لم تفعل الولايات المتحدة الكثير.
لكنّ كلا من الإدارات “الجمهورية” و”الديمقراطية” في السنوات الأخيرة تعترف بأن السعودية شريك رئيس للولايات المتحدة على عدة مستويات: في إدارة أسواق الطاقة العالمية والتحول السلس للطاقة، وفي مكافحة التطرف الديني والإرهاب، وفي الحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي وأهمية الدولار الأميركي، وفي إدارة التنافس مع الصين، وفي احتواء إيران ووكلائها، وفي قيادة كتلة عربية معتدلة في الشرق الأوسط، وتشجيع التهدئة في الصراع العربي-الإسرائيلي وتطبيع العلاقات مع إسرائيل في سياق “حل الدولتين”.
بشكل مهم، ستكون معاهدة الدفاع المتبادل بين السعودية والولايات المتحدة على الطاولة لأي إدارة أميركية مستقبلية، حيث سيسعى كل من ترمب وهاريس إلى متابعة صفقة ثلاثية بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، وستشمل هذه الصفقة- بناء على إصرار السعودية- نوعا من معاهدة الدفاع. وفي تلك المرحلة، قد تتطور العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية من شراكة إلى تحالف.
علاقة عدائية
العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران كانت عدائية على مدى 45 عاما، منذ “الثورة الإسلامية” في عام 1979. ومن المهم أن نلاحظ أن هذا العداء كان خيارا مستمرا لإيران، وليس رغبة من الولايات المتحدة. وكما لاحظ وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر في الماضي، من حيث المصالح الوطنية، يجب أن تكون الولايات المتحدة وإيران حليفتين طبيعيتين.
بالنسبة للقيادة الإيرانية، يرتكز العداء في ذكريات الانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة لإسقاط محمد مصدّق عام 1953، ودعم الولايات المتحدة لصدام حسين في حرب إيران والعراق، والعقوبات الأميركية، ودعم واشنطن لإسرائيل طوال فترة حكم “نظام الجمهورية الإسلامية”.
وبالنسبة للأميركيين، يرتكز العداء في أزمة الرهائن بين عامي 1979 و1981، ودعم إيران للجماعات المتطرفة والإرهابية إقليميا ودوليا. وتفاقمت منذ عام 2023 بسبب الهجمات المنسقة على إسرائيل من قبل شبكة وكلاء إيران في الشرق الأوسط، ومؤخرا من خلال محاولات إيرانية مزعومة لاغتيال المرشح الرئاسي “الجمهوري”. كما أن الرأي العام الأميركي، ووسائل الإعلام، والكونغرس الأميركي، وكلا الحزبين، يتبنون موقفا قويا ومعاديا للجمهورية الإسلامية.
هاريس وترمب والمثلث
في ظل هذه المعايير الواسعة والثابتة من حليف، وشريك، وعدو، لا شك أن ترمب أو هاريس سيقدمان نهجهما الخاص وتغييراتهما في السياسات المتعلقة بهذه الدول.
وبالنسبة لكلا المرشحين المحتملين، من المهم ملاحظة بعض الأمور:
أولا: ستتفوق السياسة الداخلية بشكل كبير على السياسة الخارجية في أولوياتهما واهتماماتهما الفورية. ويعكس هذا إرادة الشعب، كما يتم التعبير عنها في استطلاعات الرأي وأنماط التصويت. وفي أجندتيهما للسياسة الخارجية العالمية، ستظل آسيا وأوروبا في أعلى سلم الأولويات، بينما سيأتي الشرق الأوسط في مرتبة أدنى. هذان العاملان يعنيان أن سياسة الشرق الأوسط قد لا تتلقى الاهتمام الرئاسي والاستراتيجي المستمر الذي تستحقه، بل سيتم التعامل معها على نحو متقطع وأحيانا على نحو ثانوي، بينما تحدد قضايا ومناطق أخرى الملامح الرئيسة للسياسة.
ثانيا: سيكون على كلا الرئيسين التعامل مع الوضع في الشرق الأوسط كما سيواجهانه في يناير/كانون الثاني 2025، ومع التطورات التي قد تطرأ في الأشهر والسنوات التالية. وكما رأينا في العام الماضي، فإن “حماس” وإسرائيل– أو إيران وإسرائيل– هما من حدد مسار الأحداث، بينما كانت الإدارة الأميركية غير فعّالة إلى حد كبير، وغالبا ما كانت تتفاعل مع الأحداث التي تُقرر في المنطقة. حتى قبل ذلك، كانت السعودية وإيران– بمساعدة من الصين– هما من أعادتا توجيه علاقاتهما، وكانت تركيا هي التي أعادت توجيه علاقاتها مع الإمارات والسعودية، ومؤخرا مع مصر.
ومن الآن وحتى يناير 2025، سيكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو من يقود دفة الأمور لتحديد نوع الشرق الأوسط الذي سيواجهه الرئيس القادم. هل سيكون منطقة تتصاعد فيها الحروب في غزة والضفة الغربية ولبنان وربما مع إيران أيضا؟ أم ستكون هناك ترتيبات ما بعد الحرب لغزة، وعودة الهدوء إلى الضفة الغربية، واتفاقات لوقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية مع لبنان، وتفادي الحرب مع إيران؟ وسيكون له دور رئيس أيضا في ما إذا كان اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل سيمضي قدما، حيث يعتمد ذلك على التزام إسرائيلي بإنشاء دولة فلسطينية، وهو أمر لطالما رفضه نتنياهو باستمرار.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن نتنياهو حصل على أكثر من 50 تصفيقا وقوفا في الكونغرس، وليس الرئيس الأميركي، مما يعني أن تأثيره– وأي رئيس وزراء إسرائيلي مستقبلي– على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيظل كبيرا.
اختلافات
ومع ذلك، هناك اختلافات مهمة يجب ملاحظتها بين ترمب وهاريس…
بالنسبة لترمب، الفرق بين الصديق والعدو بسيط وواضح. في الشرق الأوسط، كان واضحا جدا أنه سيدعم إسرائيل بقوة، وخاصة الجناح اليميني إذا كان هو من يتولى السلطة، وسيتجاهل حقوق الفلسطينيين. كما أنه سيدعم السعودية بشدة ويعزز الروابط الاقتصادية، التقنية المتقدمة، وصفقات الأسلحة. وهو واضح جدا بأنه سيعيد فرض الضغط الاقتصادي الأقصى على إيران فورا، ويذكر إيران بأنه لن يتردد في استخدام القوة– كما فعل في اغتيال الجنرال قاسم سليماني– ضد إيران إذا تجاوزت حدودها. والحقيقة أنه تم إبلاغه رسميا بأن إيران تحاول قتله مما سيجعل موقفه العدائي أكثر صلابة.
يجب أن نتذكر أن الشاغل الأكبر لترمب في السياسة الخارجية هو الصين. وهو لا يعتبر روسيا بقيادة بوتين عدوا، ويرغب في إنهاء الحرب في أوكرانيا– إلى حد كبير بشروط روسيا– وإعادة بناء العلاقات مع موسكو. كما أعرب علنا عن عدم رضاه عن الاستخدام المفرط للعقوبات الاقتصادية، لأنها تُضعف مكانة الدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية، وقد تساءل بشكل خاص عن سبب استمرار الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا وإيران. ويجب أن نتذكر، في نهاية المطاف، أن ترمب شخص يتعامل بالصفقات. وبشكل عملي، سيزيد من الضغوط والتهديدات ضد إيران، ولكن إذا أرادت إيران إبرام صفقة معه، فمن المحتمل أن يتجاوب معها. وهو ألمح في نيويورك في نهاية شهر سبتمبر/أيلول، إلى انفتاحه للتفاوض مع طهران.
أما إدارة هاريس، فلن تتسم بالحدة والوضوح اللذين سيأتي بهما ترمب في العلاقات مع السعودية وإيران وإسرائيل. وقد أعربت هاريس عن دعمها القوي لإسرائيل وستواصل ذلك، لكنها ستنتقد بشدة إجراءات إسرائيل المفرطة في غزة، والضفة الغربية، ولبنان. وستحاول الضغط على الإسرائيليين– على الأرجح دون نجاح– للعودة إلى مفاوضات حول “حل الدولتين”.
وستكون هاريس شريكًا قويًا للسعودية وستحاول مواصلة جهود إدارة بايدن لتحقيق اتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، لكنها من المحتمل أن لا تتمتع بالعلاقات الشخصية الدافئة والقوية التي يحظى بها ترمب مع قادة السعودية والخليج. وبالنسبة لإيران، ستحافظ هاريس على تطبيق جزئي للعقوبات الذي شهدناه في عهد بايدن، وستسعى إلى تحقيق اختراقات دبلوماسية إذا أتيحت الفرصة.
ومع اقترابنا من الأسابيع الأخيرة من الانتخابات في الولايات المتحدة، يفضل كلا المرشحين– مثل كثير من المرشحين قبلهما– البقاء غامضين حول كثير من القضايا، سواء المحلية أو الخارجية، من أجل تقليل استعداء أي فئة من الناخبين إلى الحد الأدنى، ولعدم تقييد أيديهما بمجرد وصولهما إلى السلطة. كما أن الحقيقة تشير إلى أنه في أواخر سبتمبر/أيلول، لا يزال من غير الواضح من سيشغل المناصب العليا في إدارة ترمب أو هاريس المستقبلية. وكما يقولون في واشنطن: “الأشخاص هم السياسة”. وهذه مسألة مهمة بشكل خاص مع ترمب، حيث إن معظم مستشاريه في السياسة الخارجية أكثر تقليدية ومحافظة منه، فإلى أي مدى سيشكلون سياسة ترمب الخارجية، وإلى أي مدى سيقرر ترمب بنفسه– بأسلوبه العفوي والمباشر؟ أنا أراهن على الأخير.
أما رئاسة هاريس فستكون أكثر قابلية للتوقع في نهجها سواء عالميا أو في الشرق الأوسط. ترمب دائما ما يفخر بأنه غير متوقع. وإذا أصبح رئيسا، هل ستكون تلك اللايقينية ميزة أم عنصرا إضافيا من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط المضطرب؟