مقامرة محسوبة لنتنياهو في إيران.. هل رفع عن طهران حرج الرد؟
وسط تضارب المعلومات وتأويلات، جاء الرد الإسرائيلي على إيران، وذكرت طهران أنه كان محدودا وتم استيعابه، في حين تُظهر تل أبيب أنه حقق غاياته بتدمير الأهداف المحددة.
ميدل ايست نيوز: وسط تضارب المعلومات وتأويلات، جاء الرد الإسرائيلي على إيران، وذكرت طهران أنه كان محدودا وتم استيعابه، في حين تُظهر تل أبيب أنه حقق غاياته بتدمير الأهداف المحددة، لكن مؤشرات عدة تشير إلى أنه كان دون السقوف العالية التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتذكر المصادر الإسرائيلية والأميركية أن الهجوم تم على 3 موجات مختلفة لمدة 3 ساعات، ونفذ بنحو 100 مقاتلة، واستهدف 20 موقعا شملت المجمعات العسكرية وأنظمة الدفاع الجوي ومنشآت إنتاج الصواريخ وقاذفات الصواريخ في مناطق طهران وكذلك في خوزستان وإيلام غربي البلاد.
من جهتها، قللت إيران من حجم الهجوم، مشيرة إلى أنه لم يسبب سوى أضرار محدودة في بعض الأماكن، واعتبرت أن ادعاءات إسرائيل بشأن مهاجمة 20 هدفا بـ100 طائرة “كاذبة وغير واقعية”، لكن قيادة الدفاع الجوي اعترفت بأن إسرائيل هاجمت مراكز عسكرية، وتمكنت من اعتراض الصواريخ التي تم إطلاقها.
كما نشرت وسائل الإعلام الإيرانية مقاطع فيديو من عدة مدن في إيران للتأكيد أن الحياة تسير بشكل طبيعي، وحرصت الشبكات الإيرانية على السخرية من الهجوم الإسرائيلي، ونشرت مقاطع فيديو لسكان يستهزئون به، وكذلك فيديو يقارن بين الهجوم الإيراني على إسرائيل والهجوم الإسرائيلي على إيران.
نتنياهو في مهب الانتقادات
تشير المعطيات إلى أن طبيعة الهجوم خضعت في النهاية للضغوط الأميركية مما جعله محدودا، خلافا للسقوف العالية التي وضعها نتنياهو وحكومته، والتي كانت تضغط باتجاه توجيه ضربات للبنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني والمرافق ومنشآت النفط والغاز، وحتى إسقاط النظام، وفق تصريحات وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن “إسرائيل خططت لهجومها من ناحية بهدف تقليل عدد الضحايا، ومن ناحية أخرى الحفاظ على نتائجه عند مستوى من شأنه السماح لإيران بإنكار الأضرار الجسيمة واحتواء الوضع”.
كما ذكرت مصادر أخرى -من بينها موقع أكسيوس الأميركي ووالا الإسرائيلي- أن إسرائيل أبلغت إيران الجمعة عبر طرف ثالث بالهجوم وأهدافه، وذكرت صحيفة معاريف أيضا -نقلا عن 3 مصادر مطلعة ذكر أحدهما- أن “الإسرائيليين أبلغوا مسبقا الإيرانيين بشكل عام ما الذي سيهاجمونه وما الذي لن يهاجموه”.
كما قال مصدران آخران إن إسرائيل حذرت الإيرانيين من الرد على الهجوم، مشددين على أنه إذا ردت إيران، فإن إسرائيل ستنفذ هجوما آخر سيكون أكثر قوة، خاصة إذا أصيب مدنيون إسرائيليون بأذى، بحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية.
وإذا ما صحت تلك التقارير، يصعب التأكيد أن تكون الضربات قد أحدثت أضرارا بالغة ومحرجة بالجانب الإيراني، ويرجح أنها كانت محسوبة إسرائيليا ومضبوطة، إرضاء للجانب الأميركي وخوفا من حرب شاملة أو رد إيراني مضاد تتحول بموجبه الهجمات إلى سلسلة ضربات متبادلة ومستمرة.
من جانب آخر، يرى محللون أن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قواعد عسكرية هدفت بالأساس إلى تحييد أنظمة الدفاع الجوي بشكل كبير، والتي يصعب إعادة بنائها بسرعة، وجعلت المجال الجوي الإيراني مكشوفا لأي هجوم إسرائيلي آخر يكون أكثر قوة وتدميرا، في رسالة إلى إيران بضرورة الإحجام عن توجيه أي ضربة أخرى لإسرائيل والإبقاء على وضع “الستاتيكو” العسكري في المرحلة الراهنة.
وفي ردود الفعل على الهجوم، تظهر في إسرائيل ردود فعل غاضبة، وتشكك في جدواه، وترى فيها “فرصة مهدورة لتصفية الحساب النهائي مع إيران”. وفي هذا السياق قال زعيم المعارضة يائير لبيد إن “قرار عدم مهاجمة أهداف إستراتيجية واقتصادية في إيران كان خاطئا. كان بإمكاننا بل كان علينا، أن نفرض ثمنا باهظا على إيران”.
من جهتها، انتقدت عضو الكنيست عن حزب الليكود تالي غوتليب حجم الهجوم الإسرائيلي وأهدافه قائلة إن “عدم مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية سيكون صرخة لأجيال عديدة. إن عدم مهاجمة احتياطيات النفط الإيرانية هو خطأ فادح.. لقد أضعنا فرصة لإضعاف فرص إيران في أن تصبح قوة نووية لسنوات عديدة”.
وشككت غوتليب في رواية تدمير منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية بالكامل في هجوم واحد، مشيرة إلى أن الهجمات على المنشآت العسكرية لا تغير معادلة توازن الرعب في الشرق الأوسط -وفق تقديرها- ورأت أن ما حصل “هو استسلام لإدارة بايدن التي لم تفكر ولو للحظة في مصالح إسرائيل”.
من جهته، انتقد أفيغدور ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” وعضو الكنيست عدم ضرب المنشآت النووية الإيرانية ومنشآت الطاقة بقوله “للأسف، يبدو أنه بدلا من تحصيل ثمن حقيقي، تكتفي الحكومة الإسرائيلية مرة أخرى بالإجراءات الكبرى والعلاقات العامة.. لقد حان الوقت للتصرف بطريقة تعكس موقفنا القوة، وليس مجرد الحديث عنها”.
وتعكس هذه التصريحات الإسرائيلية أن الضربة التي وجهت لإيران كانت محسوبة، حيث خضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في النهاية للضغوط الأميركية ولضغوط المعارك في الجبهات الأخرى التي لم يحسمها، بما في ذلك التعثر الواضح في جنوب لبنان ضد حزب الله، ولتخوفات من أن هناك حربا لم يعد يثق في كسبها.
وكان نتنياهو من أشد الداعين لتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني، خلال الحرب القائمة، وقد بذلت الولايات المتحدة جهودا كبيرة لإثنائه عن ذلك وفقا للتسريبات، وفي أغسطس/آب 2012 كان قد أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، لكن جهودا أميركية مماثلة استمرت نحو شهرين جعلته يلغيها في أكتوبر/تشرين الأول.
حسابات التعادل ومساحة التهدئة
لم تكشف إيران رسميا عن حجم الخسائر التي تسببت فيها الضربة الإسرائيلية، لكنها تؤكد أنها أدت إلى “حد أدنى من الأضرار”، وأن معظم الأهداف الجوية تم اعتراضها. ويشير محللون إلى أن القدرات العسكرية الإيرانية لم تتضرر بشكل كبير، ولم تلغ الضربة قدرة طهران على الرد القوي الذي يبقى مطروحا دائما على الطاولة.
بشكل عام، جاءت الضربة الإسرائيلية محسوبة ومتناسبة ودون خسائر كبيرة وتتركة مساحة للتهدئة -وفق المحللين-، كما تترك هامشا لإيران للمناورة في الرد وتأجيله أو تعليقه، حسب الظروف والمجريات.
وتبعا لحجم الضربة الإسرائيلية “المحدودة” لن تكون إيران ملزمة بالرد السريع، ومن المرجح أن تترك ذلك كورقة ردع وضغط على إسرائيل، ضمن حسابات التحركات والمفاوضات الدبلوماسية، في وقت تشير فيه التقارير إلى أن الولايات المتحدة أبلغت طهران -عبر وسيط- بضرورة تجنب الرد، وأنها ستزيد من جهودها في الأيام المقبلة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة ولبنان.
وتضع إيران ضمن حساباتها أن ردها هذه المرة يمكن أن يضعها أمام تهديدات أكبر، إذ سترفع الضغوط الأميركية على نتنياهو بعدم مهاجمة المنشآت النووية والبنى التحتية الحيوية، وهو ما قد يجرها إلى صراع عسكري مستمر مع إسرائيل وربما الولايات المتحدة.
وتدرك إيران أيضا أن إسرائيل تتعرض لخسائر فادحة في جنوب لبنان، وتعاني من حرب استنزاف شديدة، حيث استعاد حزب الله توازنه العسكري، وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي اختراق بري، وهو ما يخفف عنها أعباء التدخل المباشر.
ومن المهم لإيران -حسب محللين- تجنب “الفخ” الإسرائيلي والانجرار إلى صراع عسكري شامل بمشاركة أميركية، والعودة إلى مسار تسوية الملف النووي مع الغرب -خصوصا بعد تراجع نتنياهو مرة أخرى عن استهداف المنشآت النووية- بغاية تخفيف العقوبات أو رفعها، وتتبنى عدة أطراف في إيران هذا الطرح.
وكانت إسرائيل قد استغرقت أسابيع في دراسة الرد على إيران، وكما فعلت إيران سابقا قد تستغرق وقتا في دراسة الرد المضاد -إن حصل- وهو ما يتيح لها مجالا لترتيب أوراقها السياسية بالمفاوضات مع الولايات المتحدة، أو العسكرية بما يشمل أيضا “محور المقاومة”، الذي ما زال قائما رغم حرب إسرائيلية تجاوزت العام.
ويذهب بعض المحللين إلى أن إيران لن تكون معنية بالرد كثيرا في المرحلة الحالية، وقد تتيح لها فسحة من الوقت لتذهب إلى إعادة صياغة العقيدة النووية ودراسة إمكانية تحقيق اختراق في مجال الأسلحة النووية، بما قد يوفر لها “الردع النهائي” ضد إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة.
ومن المؤكد أن الهجوم الإسرائيلي بحجمه وطبيعته لم يحسم الصراع القائم في المنطقة، لكنه أبعدها نسبيا عن انفجار إقليمي كان وشيكا، وخفف من “توتر” إيران التي لديها حسابات وترتيبات تتجاوز مسألة الرد الفوري، كما حقق لإسرائيل العالقة في حروبها بعضا من أهدافها.