إيران تجري مباحثات نووية “بناءة” مع غروسي: لن نفاوض تحت الضغط والترهيب

وصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي إلى إيران، وذلك في زيارة جديدة بعد سلسلة زيارات "فاشلة" خلال السنوات الماضية.

ميدل ايست نيوز: وصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي إلى إيران، وذلك في زيارة جديدة بعد سلسلة زيارات “فاشلة” خلال السنوات الماضية، غير أن هذه الزيارة تكتسب أهمية كبيرة لكونها تأتي في توقيت وظروف متوترة “تقلص مجال المناورة”، بحسب ما قاله غروسي قبل الزيارة.

ويسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى إبراز البرنامج النووي الإيراني على أنه من أهم الأدوات في المواجهة المشحونة الراهنة مع طهران، واستغلال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض صاحب استراتيجية “الضغط الأقصى”، لدفعه نحو اتخاذ مواقف أكثر صرامة ضد إيران، إذ أوردت وسائل إعلام إسرائيلية، هذا الأسبوع، أن وزير الشؤون الاستراتيجية للاحتلال رون ديرمر ناقش مع ترامب خلال زيارته لواشنطن الملف النووي الإيراني، الذي سبق أن أعلن خلال حملته الانتخابية أنه يشكل أهم ملف خلافي له مع إيران.

غروسي يلتقي عراقجي وإسلامي

والتقى غروسي وزير الخارجية عباس عراقجي ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، وأجرى مباحثات معهما وصفت بأنها “بناءة” للوصول إلى حل للخلافات بين الوكالة وطهران لتحقيق حلحلة في الملف النووي الإيراني. وقال عراقجي في تغريدة إنه أجرى “مباحثات مهمة وصريحة” مع غروسي، مؤكدا أن “الخلافات يمكن حلها عبر التعاون والحوار ونحن اتفقنا على المضي قدما بإرادة قوية وحسن نوايا”، مضيفا أن “إيران لم تترك أبدا طاولة التفاوض بشأن برنامجها النووي السلمي”، ومشددا على أنها “مستعدة للتفاوض على أساس المصالح الوطنية والحقوق غير قابلة للإنكار”.

وأضاف وزير خارجية إيران قائلا: “الآن قد حان دور الاتحاد الأوروبي والترويكا الأوروبية، (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)”، ومؤكدا “أننا لن نتفاوض تحت الضغط والترهيب”، لافتا إلى أن بلاده ستواصل تعاونها “الكامل” مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بصفتها عضواً متعهداً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

غروسي: المرحلة الحالية حساسة ومهمة جدا

من جانبه، قال المدير العام للوكالة الدولية في مؤتمره الصحافي مع رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، إن المرحلة الحالية “حساسة ومهمة جدا”، داعيا إلى الوصول إلى “نتائج ملموسة تبعدنا عن مسار المواجهة”، قائلا في تعليقه على احتمالات ضرب المنشآت النووية الإيرانية: “أنا لست رئيس دولة أو سياسياً، وبإمكاني فقط أن أقوم بالتحذير من مهاجمة المنشآت النووية”.
وأكد غروسي أن “مسؤوليتي هي البحث عن الحلول وهناك توترات وفي صلبها البرنامج النووي الإيراني، وهدفي هو الوصول إلى حل وأنا واثق بأنه يمكن تحقيق هذا الحل”، مضيفا: “يمكن لنا أن نقضي على احتمالية الحرب وتجنب أي مواجهة. مهاجمة المنشآت النووية لا ينبغي أن تحدث وهي غير شرعية”.

وقال إن “السياسات والقرارات هي نتاج الظروف ونحن في هذه الظروف بإمكاننا اتخاذ خطوات عملياتية ليرى كل العالم والإدارة الأميركية الجديدة والمجتمع الدولي أننا قادرون على التفاهم والاتفاق”، مؤكدا أن المباحثات مع إيران “لطالما كانت وما زالت مهنية”، مشيرا إلى أن “لا أحد يجادل في حق إيران بإلغاء تعيين المفتشين؛ فلها الحق في أن تقرر من يقوم بتفتيش منشآتها”.

غير أن غروسي أكد في الوقت ذاته أن قرار إيران (في وقت سابق) بإلغاء تسمية مفتشين “ليس جيدا لعملنا ونأمل حل هذا الموضوع ونحن نبحث عن حلول ومتفائلون بالوصول إليها”.

وفي سعي لتبديد المخاوف الإيرانية، أكد غروسي أنه “ليست هناك أي نية سيئة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية لكننا بحاجة للشفافية بخصوص البرنامج النووي”، ومحذرا من أن الدبلوماسية بشأن الملف النووي بدأت تضيق في ظل التوترات الراهنة.

تحذير من إصدار الوكالة الذرية قرارًا ضد إيران

بدوره، حذر رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، في مؤتمره الصحافي مع غروسي، الأطراف الغربية من استصدار قرار ضد إيران خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأسبوع المقبل، مؤكدا أن طهران سترد “بخطوة سريعة على أي قرار للتدخل في شؤوننا النووية”.

وأضاف: “إننا لن نسمح بممارسة الضغط علينا وسنواصل برنامجنا وفق ما يقتضيه أمننا القومي”، مشيرا إلى أن مباحثاته مع غروسي كانت “بناءة” وكان اللقاء “ذا أهمية كبيرة” في هذا التوقيت الذي “يدعم فيه الاستكبار العالمي الكيان الصهيوني بلا قيد وشرط”، مضيفا أن العمليات النفسية التي يمارسها الكيان الإسرائيلي تهدد مصداقية المنظمات الدولية ووجاهتها.

وتدور الخلافات بين إيران والوكالة الدولية بشأن ثلاثة مواقع مشتبه بها في ممارسة أنشطة نووية غير معلنة من أصل أربعة، قالت طهران خلال سبتمبر/أيلول الماضي إنها تقلصت إلى موقعين، فضلا عن طلب الوكالة منها بزيادة عمليات التفتيش والشفافية وتركيب المزيد من كاميرات المراقبة في ظل تقدم كبير شهده البرنامج النووي الإيراني منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018.

سياقات زيارة غروسي

يقول الخبير الإيراني هادي خسروشاهين إن أهمية زيارة غروسي تأتي في ظل عدة سياقات؛ أولها، أنها تسبق الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي من المقرر أن يبدأ الاثنين المقبل، وسط توقعات بإصدار قرار آخر ضد إيران في حال استمرت الخلافات بين طهران والوكالة “من شأنه أن يزيد من تعقيدات الملف النووي”.

أما السياق الثاني، فإنه يتعلق بموعد الزيارة التي تأتي بعد فوز ترامب بالرئاسة الأميركية مجددا وقبل توليه إياها في 20 يناير/كانون الثاني، ولذلك “ربما تحاول إيران استخدام الزيارة لخفض الضغوط المستقبلية انطلاقا من إرسال إشارات إلى ترامب بأنها جاهزة لحل ملفها النووي” وأنها لا تسعى إلى تغيير عقيدتها النووية. ويرى الخبير الإيراني أن حل القضايا الفنية بين إيران والوكالة من شأنه أن يخفف تلك الضغوط التي يتوقع أن يمارسها الرئيس الأميركي المنتخب.

ويضيف خسروشاهين أن إيران “ربما تكون راغبة أكثر من قبل في حل قضاياها أو جزء منها مع الوكالة”، مشيرا إلى توصل غروسي ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية إلى “خريطة طريق” خلال زيارته في مارس/ آذار 2023 لطهران لكن ثمة تفسيرات متباينة للطرفين لاحقا بشأن الخريطة حالت دون تطبيقها.

ويرجح الخبير الإيراني التوصل إلى تفاهمات ومبادرات، منها حول تركيب كاميرات مراقبة في منشآت إنتاج وتجميع أجهزة الطرد المركزي، متوقعا أن طهران ستبدي من خلال ذلك عزيمتها للأطراف الأميركية والأوروبية أنها “جادة”، غير أن خسروشاهين رغم ذلك لا يستبعد أيضا أن تقوم تلك الأطراف بتمرير قرار ضد إيران انطلاقا من قناعتها بأن تلك الخطوة الإيرانية “غير كافية”.

مباحثات ذات أبعاد إقليمية

من جهته، يقول الخبير الإيراني أحمد زيدأبادي إن غروسي يزور إيران لأول مرة في عهد الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان وكذلك بعد عودة ترامب للسلطة، وسط توقعات بأن يتصدر الملف النووي الإيراني مرة أخرى الاهتمامات العالمية، متحدثا عن الأهمية القصوى للزيارة لدرجة أن “نتيجة مباحثات غروسي مع المسؤولين الإيرانيين ستساهم في رسم مستقبل الشرق الأوسط”.

يضيف زيدأبادي أن غروسي رغم توليه “منصبا فنيا مهنيا لكنه “سياسي ذكي أيضا، وربما يتخطى بذلك القضايا التقنية إلى استخدام عودة ترامب للسلطة وتهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كورقة للمساومة”.

رد حازم على أي قرار

بدوره، يؤكد الصحافي الإيراني عباس أصلاني أن مباحثات غروسي مع المسؤولين الإيرانيين “فرصة حيوية لبناء الثقة والمضي قدما في التعاون بين الطرفين”، لافتا إلى أن الدعوة الإيرانية لغروسي والتحضير لمباحثاته مع كبار المسؤولين الإيرانيين “مؤشر على رغبة إيرانية في التعامل البناء مع الوكالة في القضايا الثنائية”.

ويضيف الصحافي المقرب من الخارجية الإيرانية أن “إيران لطالما أكدت أن التعامل ذا المغزى مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية طريق ذو اتجاهين يستلزم أن تمارس الوكالة أيضا سلوكا بناء”، مؤكدا أنه “حسب معلوماتي سترد طهران بحزم على أي قرار يصدر في اجتماع مجلس المحافظين” ضد إيران، متوقعا أن تؤثر مباحثات غروسي في طهران على المداولات في اجتماعات المجلس الأسبوع المقبل، فضلا عن مستقبل الاتفاق النووي المترنح.

ويوضح أن التقدم في التعاون بين إيران والوكالة الدولية يعرقلها منذ فترة تدخل الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) ما حال دون التوصل إلى “نتائج إيجابية”، قائلا إن تصريحات المدير العام للوكالة “تهدد مهنية الوكالة وأرسلت إشارات متناقضة للمجتمع الدولي”، مضيفا أن غروسي “أمام خيار حاسم، إما الحفاظ على دور الوكالة مؤسسةً مهنية أو الانخراط في لعبة جيوسياسية أوسع”.

وكان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية قد دعا قبل زيارة طهران في تصريح لوكالة فرانس برس، السلطات الإيرانية إلى أن “تعي أن الوضع الدولي أصبح متوتراً بشكل متزايد”، مضيفاً أن “مجال المناورة بدأ يتقلص وأنه من الضروري إيجاد سبل لحل دبلوماسي”. وتابع غروسي أن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعمل في إيران، وتجري عمليات تفتيش، لكنني أقول دائماً إننا بحاجة إلى مزيد من الشفافية، ونظراً لاتساع نطاق البرنامج الإيراني وعمقه وطموحه، نحن بحاجة إلى إيجاد طرق لمنح الوكالة المزيد من القدرة على المراقبة”.

تهديد بمهاجمة إسرائيل

في شأن آخر، أكد نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، علي فدوي، اليوم الخميس، أن الرد الإيراني على الاعتداء الإسرائيلي “حتمي”، مضيفا أن الجمهورية الإسلامية “لم تترك أي عمل خبيث من دون رد من انتصار الثورة الإسلامية قبل أكثر من 45 عاما”.

وتوعد فدوي بأن يكود الرد الإيراني “حازما ويبعث العدو على الندم”، معلقا على فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة بالتقليل من شأنه، وقائلا إن “لا فرق بين أي أحد في جبهة الخبث والشرارة”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى