مثلث الدبلوماسية الإيرانية: ثلاث استراتيجيات للخروج من الأزمة في مواجهة الضغوط الدولية

تشكل تصريحات علي لاريجاني الذي زار مؤخرا دمشق وبيروت حاملا رسالة من المرشد الأعلى إلى القيادة السورية، الضلع الثالث من مثلث يمكن أن نطلق عليه "مثلث إيران الدبلوماسي".

ميدل ايست نيوز: تشكل تصريحات علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، الذي زار مؤخرا دمشق وبيروت حاملا رسالة من المرشد الأعلى إلى القيادة السورية، الضلع الثالث من مثلث يمكن أن نطلق عليه “مثلث إيران الدبلوماسي”.

فحسب مقال بصحيفة “هم ميهن” الإيرانية، أضلاع هذا المثلث، على الرغم من عدم تعارضها، إلا أنها تقدم ثلاثة أنماط من السلوك على ثلاث مستويات مختلفة تهدف إلى إخراج إيران من أزمتها الحالية في السياسة الخارجية. ومن الواضح أنه إذا عملت هذه الأضلاع بتنسيق فيما بينها، فمن الممكن تحقيق تقدم نسبي للخروج من الأوضاع الراهنة.

الضلع الأول/ نقاش على أعلى مستوى

في ظل هذه الأوضاع، خاطب علي لاريجاني، الذي ترددت شائعات عن تعيينه أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي، الأطراف الغربية بشكل علني، بما في ذلك أوروبا وحتى الحكومة الأمريكية الجديدة، وناقش إمكانية إجراء مفاوضات وتحدث عن حل المشاكل بين الطرفين خارج إطار خطة العمل الشاملة المشتركة.

ما يثير الاهتمام هنا هو أن لاريجاني قال هذه التصريحات في مقابلة مع الموقع الرسمي للمرشد الأعلى آية الله خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، ليُظهر بطريقة ما أن هذا التوجه يحظى بتأييد غير رسمي من أعلى سلطة في النظام السياسي. وبالنظر إلى هذا السياق، يمكن تحليل أن لاريجاني يستفيد من موقعه ومسؤوليته المؤثرة ولكن غير الرسمية، وكذلك من الإمكانيات التي تنبثق عن ارتباطه بالمرشد الأعلى، ليعلن ويشرح مواقف وسياسات في المجال الخارجي أحيانًا بشكل صريح.

من خلال هذا المنظور، يكتسب علي لاريجاني مكانة ودورًا مميزًا؛ لأنه من جهة، يتمتع بأكبر تقارب أساسي مع مشاريع السياسة الداخلية والخارجية لحكومة بزشكيان بين المحافظين المؤثرين والمخضرمين، ومن جهة أخرى، يُعتبر شخصية معروفة في الساحة الدولية، تتمتع بوزن كبير وقرب من أعلى مستويات النظام، بحيث يمكن اعتبار مواقفه ورسائله بمثابة الموقف الحقيقي لإيران.

الضلع الثاني/ إبعاد الحرب عن المنطقة

لم تكن تصريحات لاريجاني الرسالة السلمية الوحيدة التي أرسلتها إيران إلى المجتمع الدولي في الأيام الأخيرة. فقد كتب عباس عراقجي، وزير الخارجية في حكومة بزشكيان، في تغريدة بعد لقائه الأخير مع محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية: “اتفقنا على أن الحوار الإقليمي ليس خيارًا، بل ضرورة”.

التصريحات التي أدلى بها عراقجي خلال الـ100 يوم الأولى من توليه منصب وزير الخارجية وذلك من خلال زيارات متكررة إلى معظم الدول العربية والإسلامية في المنطقة، أكد عبرها استعداد إيران للتعاون والتفاعل مع تلك الدول، ومن جهة أخرى، تحدث بشكل صريح عن تداعيات الهجوم المحتمل الواسع من قبل إسرائيل على إيران وبنيتها التحتية النووية والنفطية والتحتية بشكل عام، محذراً قادة دول المنطقة أنه في حال وقوع هجوم على إيران، فلن يكون هناك أي دولة في المنطقة ستنعم بالهدوء.

بالتالي، يمثّل عراقجي الضلع الثاني في مثلث الدبلوماسية الإيرانية في الظروف الحالية؛ وهو ضلع يمتلك مكانة رسمية أكثر مقارنة بالضلعين الآخرين، ومن الطبيعي أن يواجه قيودًا أكبر في اتخاذ الاستراتيجيات وحتى الحلول الدبلوماسية.

الضلع الثالث / فتح ثغرة في الجدار الصلب

الضلع الثالث من هذا المثلث هو ضلع غير مرئي. وهذا ما يشير إليه أساتذة العلاقات الدولية بدبلوماسية الخط الثاني أو الدبلوماسية الخفية مع أمريكا، ويؤكدون على ضرورة اعتماد هذا النهج للخروج من الوضع الحالي وخاصة عند مواجهة الحكومة الأمريكية الجديدة.

في هذا السياق، يبدو أن أميرسعيد إيرواني، سفير إيران لدى الأمم المتحدة، قد أصبح الرجل الأول في هذه الأيام. على الرغم من أن وزارة الخارجية قد نفت أي لقاء بين إيرواني وإيلون ماسك، إلا أن إيرواني نفسه لم يعلق على هذا الموضوع، ومن جهته، قال عباس عراقجي إن بعثة إيران في الأمم المتحدة لم توافق على نفي الخبر حتى النهاية.

يرى بعض المحللين والخبراء في إيران أن إبقاء الموضوع غامضًا يصب في مصلحة تقدم السياسة الخارجية في ظل الظروف الغامضة الحالية في مواجهة الحكومة الجديدة لترامب.

النقطة الأكثر إثارة للاهتمام هي أن ماسك ردّ شخصيًا بشكل حاد على الشائعات التي تفيد بتواصله مع روسيا، حتى أنه هدد بقصف الأشخاص الذين يروجون لهذه الشائعات بالقنبلة النووية! ومع ذلك، وبعد أكثر من أسبوع من نشر خبر لقائه مع إيرواني، لم يتفوه بكلمة واحدة عن الموضوع؛ وهو ما يشير إما إلى أن التقارير الإعلامية الأمريكية كانت صحيحة، أو أن ماسك والحكومة الأمريكية بقيادة ترامب غير منزعجين من نشر مثل هذا الخبر.

على ضوء ما سبق، فإن متابعة الدبلوماسية الخفية في الظروف الحالية من قبل حكومة بزشكيان ليست فقط خطوة غير تقليدية في سياق السياسة الخارجية للبلاد، بل هي أيضًا نهج ضروري لفتح ثغرات في الجدار الصلب الذي يواجه إيران في مواجهة أمريكا تحت حكم ترامب. وهي ذات المواجهة التي تحدث عنها بزشكيان مؤخرًا تحت سقف المجلس الأعلى للأمن القومي، والتي أكد عليها علي لاريجاني يوم أمس بصفته مستشار للمرشد الأعلى، ومن الطبيعي أن يتحرك الدبلوماسيون الإيرانيون، بما فيهم أميرسعيد إيرواني، من موقعهم كموظفين لتنفيذ هذه السياسة عمليًا.

إذن، مع تشكيل مثلث من النهج الرامي إلى الانفتاح على مختلف مستويات النظام السياسي، وفي الوقت ذاته، التحكم في المتشددين وإبعادهم، تم توفير بيئة تسمح لإيران بالنجاة من وسط الأزمة الحالية، لتفتح ثغرة وتمضي قدما في تفكيك الضغوط المتواصلة من أوروبا وأمريكا وإسرائيل.

 

محمد جواد روح
صحفي إيراني

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى