من الصحافة الإيرانية: على إيران إعادة تحديد سياساتها التكتيكية
تشير أحداث العام الماضي إلى أن استراتيجية إيران الإقليمية القائمة على تعزيز محور المقاومة لردع التهديدات تواجه العديد من التحديات، مما يتطلب إعادة تعريف ومراجعة بعض السياسات والأجندات على الأقل من الناحية التكتيكية.
ميدل ايست نيوز: شهدنا في العام الماضي تطورات مختلفة في المنطقة وفي مجال السياسة الإقليمية لإيران، التي بدأت بحرب إسرائيل وحماس بعد 7 أكتوبر، والتي تكبدت خلالها حماس ضربات كبيرة، واستمرت بالحرب ضد حزب الله اللبناني، حيث بذلت تل أبيب الكثير من الجهود لتقويض هذا التيار. وفي نهاية المطاف، كان التطول الأخير والأهم هو سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد. هذه المجموعة من الأحداث جعلت الظروف تتغير بشكل أساسي مقارنة بما قبل أكتوبر 2023.
تشير أحداث العام الماضي إلى أن استراتيجية إيران الإقليمية القائمة على تعزيز محور المقاومة لردع التهديدات تواجه العديد من التحديات، مما يتطلب إعادة تعريف ومراجعة بعض السياسات والأجندات على الأقل من الناحية التكتيكية. فيما يتعلق بسوريا، يجب أولاً الإشارة إلى أن هذا البلد قد لعب أدواراً متعددة على مدار العقود الماضية، وبعد الاضطرابات التي شهدتها سوريا في عام 2011، تعاونت إيران مع سوريا لمنع تغيير النظام في دمشق. كان هدف طهران هو أن تظل سوريا جزءاً من محور المقاومة. بعد تحولات 2016 و2017 وما تلاها، ورغم تمكن الحكومة السورية من استعادة سيطرتها إلى حد كبير على معظم أراضي البلاد ومنع مشروع تغيير النظام، إلا أن ذلك لم يعيد سوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011. كما أن الحكومة السورية تعرضت لتدهور اقتصادي كبير في السنوات الأخيرة، ورغم أن سوريا كانت تعمل كجسر ارتباط بين إيران والعراق وحزب الله اللبناني، إلا أنها كانت تدريجياً تفقد وظائفها السابقة.
وعلى وقع هذا، كانت هناك احتمالية أن تواجه الحكومة السورية تحديات جديدة سياسية وأمنية واقتصادية، رغم محاولات بشار الأسد المستميتة للحفاظ على حكمه. في السنوات الأخيرة، اتبعت حكومة الأسد نهجاً أكثر حذراً وتحفظاً، وبدت وكأنها تسعى لتقوية علاقاتها مع الدول العربية في المنطقة، بل ربما محاولة استعادة الصورة الإيجابية السابقة لسوريا التي أدت إلى بعض الفجوات بين سوريا وبقية مكونات محور المقاومة. في مثل هذه الظروف، يعتبر سقوط نظام الأسد ضربة لمحور المقاومة، لكنه ربما كان مسألة حتمية في المدى المتوسط إلى الطويل. اليوم، قد تصبح جبهة العراق أكثر عرضة للخطر، فقد تنشط هناك خلايا الجماعات الإرهابية مثل داعش، وقد تواجه الحدود الغربية للعراق بعض التهديدات.
وفي سيناريو تقسيم سوريا، قد يتسبب ذلك في تنشيط القضية الكردية في المنطقة. هذه مجموعة من العوامل التي تشير إلى أن استمرار السياسة الإقليمية السابقة بنفس النهج سيكون صعباً على إيران ومحور المقاومة، ويبدو أن إيران بحاجة إلى التركيز أكثر على مواردها الداخلية في سياق الردع؛ بمعنى أن الردع يجب أن يعتمد أكثر على الأدوات الداخلية بدلاً من التعاون مع اللاعبين الإقليميين، ويجب أن تركز على تقوية القوة الداخلية والقواعد الاجتماعية.
وفي هذا السياق، من المهم أيضاً النظر في موقف الدول العربية من الأزمة السورية؛ فمع استثناء قطر التي تُعتبر راضية عن الوضع، فإن باقي الدول العربية تنظر إلى الموضوع بحذر وقلق. السعودية والإمارات بشكل عام قلقتان من تصاعد قوة الجماعات الإخوانية والسلفية والجهادية في المنطقة. كما أن دولاً مثل الأردن ومصر قلقة من أن عدم الاستقرار في سوريا وارتفاع قوة الجماعات السلفية والإخوانية قد يؤدي إلى امتداد تأثيراتها إليهما. ورغم أن تضعيف محور المقاومة قد يكون مطلوباً لهذه الدول على مستوى أعمق، إلا أن الوضع في سوريا غير المستقر، الذي قد يؤدي إلى تقوية النفوذ التركي، يجعل هذه الدول العربية غير راضية عن هذا الوضع أيضاً.
علي أكبر أسدي
أستاذ مساعد في معهد بحوث العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية