بين الردع الهجومي والبناء: خيارات إيران في مواجهة تصعيد الغرب

لم يعد يخفى على أحد أن الضغوط والتهديدات الأوروبية المتماشية مع السياسات الأمريكية تستهدف بشكل واضح تقويض أسس السياسة الخارجية الإيرانية.

ميدل ايست نيوز: يزعم الغرب أن التطورات الإقليمية الراهنة فرضت عزلة دبلوماسية على طهران. والأهم من ذلك، أظهرت روسيا، خصوصًا في التطورات المتعلقة بسوريا، أن طهران لم تعد قادرة على الاعتماد على شراكة فعّالة معها في مثل هذه المنعطفات الحاسمة.

كان الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي لعام 2024، الذي عقد في نيويورك لمناقشة تنفيذ القرار 2231، تحذيرًا واضحًا. حيث شهد تصريحات عديدة تصف الأنشطة النووية الإيرانية بأنها تهديد للأمن العالمي. وعلى الرغم من الخطابات الحادة الموجهة ضد سياسات طهران، لا تزال الدبلوماسية تُقدم كأفضل وسيلة لحل النزاعات الراهنة. ومع ذلك، يبقى السؤال: ما هي ملامح هذا الحل الدبلوماسي؟ وكيف يختلف عن الماضي؟ ولماذا أصرّ سعيد إيرواني، المندوب الدائم لإيران في الأمم المتحدة، على إجراء “محادثات عميقة”؟ وما سبب رد إيرواني على التصريحات العدائية التي أدلى بها ممثلو الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة بلغة حادة، مطالبًا بعدم تهديد طهران بشكل مفرط بما يُسمى “آلية الزناد”. وأكد أن إيران تمتلك الوسائل للرد على تلك التهديدات.

لا شك أن ردة فعل المندوب الإيراني وتعليقه على اجتماع مجلس الأمن يعكس حالة من الضيق تجاه التهديدات المكررة التي تهدف، كما تصفها طهران، إلى زعزعة استقرارها الفكري ودفعها لاتخاذ قرارات صعبة على المستويين الداخلي والخارجي. أبرز هذه القرارات هو التراجع الإجباري عن المواقف النووية التي استثمرت فيها طهران موارد مالية وسياسية كبيرة خلال العقود الماضية.

لم يعد يخفى على أحد أن الضغوط والتهديدات الأوروبية المتماشية مع السياسات الأمريكية تستهدف بشكل واضح تقويض أسس السياسة الخارجية الإيرانية. إذ كانت سياسة طهران الخارجية قبل حرب غزة في أكتوبر 2023 تعتمد على قدراتها في مستويات متعددة، حيث كان يمكن لكل منها أن يوفر فرصة للحصول على تنازلات من الأطراف الغربية في مفاوضاتها معهم. وتشمل هذه القدرات: النفوذ الإقليمي، أمن نقل الطاقة، بيع موارد الطاقة، مضيق هرمز، الجماعات الوكيلة في إطار ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، القدرات الصاروخية، وأخيرًا القدرات النووية.

لكن وفقًا للرؤية الغربية، أدت التطورات الإقليمية الأخيرة مثل الحرب في غزة ووقف إطلاق النار في لبنان وتضعيف حزب الله  وسقوط النظام السوري والضربات التي استهدفت الحوثيين في اليمن وتراجع القوى السياسية والعسكرية في العراق بالإضافة إلى تقليص صادرات النفط الإيراني، إلى فرض عزلة دبلوماسية على إيران. ناهيك عن المواقف المتأرجحة للسياسي الروسي الذي لم يعد شريكا يعتمد عليه في الأزمات الحرجة.

ودفعت هذه التطورات الغرب إلى استخدام لغة ديبلوماسية هجومية تجاه طهران، والتي تشمل التهديد والترهيب وزيادة الضغط عبر آلية الزناد وإعادة فرض قرارات مجلس الأمن. الأمر الذي أزعج طهران والتي وجدت نفسها أمام خيارين: الردع الهجومي أو التوافق ضمن إطار قواعد اختيارية تعترف بحصة كل طرف بشكل عادل.

لكن لا بد للتنويه، بأن انزعاج طهران يتسم بنضج ناتج عن تجاربها السابقة، حيث تدرك أن إظهار الغضب لا يضمن بالضرورة النجاح أو تعطيل الخطط القائمة. يأتي هذا الإدراك بالتزامن مع مستوى وعيها بأن خصومها يملكون أدوات قلّصت بشكل كبير مساحة المناورة المتاحة لها مقارنة بالماضي.

لم يعد الردع الهجومي يوفر مساحة كبيرة لأي خطوة غير مدروسة بالنسبة لطهران، لكن الردع البنّاء قد يمنحها الفرصة لتجنب الشلل السياسي والاقتصادي والسعي إلى استغلال نقاط الضعف المحتملة في تحالفات الغرب.

وهنا، يتطلب الردع البنّاء شجاعة لفرض إرادتها على المتشددين في الداخل الذين يؤثرون على أسس السياسة الخارجية الإيرانية. فهذه التيارات المتشددة دائمًا ما تفضل الإبقاء على السياسة الخارجية في حالة عدائية صريحة، مما يؤدي إلى تعميق نظرة الخارج السلبية تجاه طهران وتعزيز التعايش العدائي مع الغرب وحتى الجيران الإقليميين.

سواء كان ذلك إيجابيًا أم سلبيًا، فإن التطورات الإقليمية وما تشهده الساحة الدولية من أحداث تدفع طهران إلى اتخاذ قرار حاسم بإعادة صياغة نهجها في السياسة الخارجية. فإذا قررت القيام بذلك، فسيتعين عليها إدارة القوى الخارجة عن السيطرة داخليًا. أما إذا لم تفعل، فإن الغضب الناتج عن التهديدات والتصعيد قد يؤدي إلى تفاقم العداوات وصولًا إلى مواجهات لا مفر منها. فهل هذا ما تريده طهران؟ لا يبدو ذلك.

سبق وأن حدد الغرب أهدافًا واضحة تجاه طهران، بل ويعتقد أنه يمتلك الأدوات اللازمة لتحقيقها. الآن، الأمر متروك للساسة في طهران لتحديد شكل وأساليب تعاملها بما يتناسب مع ظروف الزمن وضغوطها. فإلى أين ستتجه طهران في سلوكها ونهجها؟ هل ستتبنى إدارة الأزمات والسيطرة على تسارع الأحداث لتجنب مواجهة حتمية؟ أم أنها ستستسلم لما قد يحدث؟ ودعونا لا ننسى أن اجتماع مجلس الأمن الدولي في نهاية عام 2024 لمناقشة تنفيذ القرار 2231 في نيويورك كان تحذيرًا كافيًا في هذا السياق.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − ثمانية عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى