من الصحافة الإيرانية: تحييد ضغوط ترامب على إيران بتشكيل جبهة شاملة ضده

في حال كانت إيران ترغب في تغيير أولوياتها تجاه القضية الفلسطينية، فمن المؤكد أنها ستجد آذانًا صاغية في أوروبا والعالم العربي.

ميدل ايست نيوز: لم يترك بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي، بعد لقائهما في القدس، أي شك أو غموض بشأن موقف حكومتيهما في الشرق الأوسط. هدفهما المعلن هو مواجهة إيران بكل السبل الممكنة، وتحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية عابرة في التاريخ.

وأعلنت إيران رسميًا أنها غير مستعدة للتفاوض مع دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، لأن قادة إيران يرون أنه لا يسعى إلى اتفاق متوازن، بل إلى فرض شروطه الخاصة على طهران.

وكتب الصحفي الإيراني أحمد زيد آبادي في مقال رأي بصحيفة “هم ميهن” الإيرانية، أن هذا التصور عن سياسة إدارة ترامب ليس غير واقعي، لكن هل يعني رفض التفاوض أن العلاقة بين البلدين ستتحول إلى مواجهة شاملة، بما في ذلك المواجهة العسكرية، أم أنه لا يزال هناك طريق آخر يمكن تصوره لتجنب التصادم؟

في السياسة الدولية، عادةً إذا كان أحد البلدان يرى أن مسارًا معينًا ضد بلد آخر يعود عليه بالضرر، فإنه يتعين عليه تقديم مسار جديد وبديل لتحييد التهديدات، وإلا سيتعين عليه قبول الأوضاع التي قد تؤدي إلى هزيمته.

بعد رفض التفاوض مع الولايات المتحدة، لم يتم تقديم مسار بديل من قبل المسؤولين أو الجهات المعنية في إيران، بل أصبحت ساحة السياسة الداخلية بيد أطراف غير مسؤولة تواصل زيادة التوترات وتعتقد أنها محصنة ضد أي تهديد داخلي أو إقليمي أو دولي. ولكن الأوضاع في البلاد لا تترك مجالًا لأي نوع من التفاؤل أو الإهمال.

في الواقع، إن السياسات الدولية لترامب أثارت قلقًا جادًا بين الدول الأوروبية والعربية. جميع هذه الدول تبحث عن طريقة لتقليل الأضرار التي يمكن أن تسببها سياسة ترامب تجاه مصالحها، لكن من غير المحتمل أن تتمكن هذه الدول من القيام بشيء كبير بمفردها.

فإذا تمكنت جميع هذه الدول من تشكيل جبهة سياسية قوية ضد إدارة ترامب، فإن إمكانية تحييد جزء من تهديدات ترامب ستكون بعيدة عن المستحيل.

يبدو أن قضية فلسطين يمكن أن تكون خيطًا يربط العديد من دول العالم، خاصة في أوروبا والعالم العربي. أوروبا والعرب يرون أن الحل الوحيد لأزمة الشرق الأوسط هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، عاصمتها القدس الشرقية، ويصرون على ذلك.

لكن حكومة ترامب وشخصه يستهدفون بالضبط هذا الهدف. فهو يسعى لتحفيز الفلسطينيين على ترك قطاع غزة وضمها للأراضي الأمريكية. فعلى الرغم من صغر حجم قطاع غزة، إلا أنه يلعب دورًا مهمًا في تشكيل الدولة الفلسطينية. إذ أن هذه المنطقة هي الطريق الوحيد غير المباشر للضفة الغربية للوصول إلى المياه الحرة. بدون الوصول إلى قطاع غزة، ستكون الضفة الغربية محاصرة بريًا ولا سبيل لها إلى البحر.

يأتي هذا في وقت يحلم فيه ترامب بأحلام خطيرة بشأن الضفة الغربية، حيث يبدو أنه يعتزم الاعتراف بضم 30% من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل، مع منح الفلسطينيين ما تبقى كأرض ذات حكم ذاتي.

لا شك أن هذا المخطط سيغضب الدول الأوروبية الكبرى والرأي العام في الدول العربية. ومع ذلك، من غير المحتمل أن تتخذ هذه الدول أي إجراءات خاصة ما لم تبادر إيران بمبادرة في هذا الصدد.

في الواقع، إن تقارب الدول العربية مع إسرائيل وركود الدول الأوروبية تجاه قضية فلسطين هو في الغالب نتيجة التصور الذي تكون لديهم عن السياسة الإقليمية لإيران. إذ يرون أن إيران، من خلال رفض حل الدولتين واتباع سياسة القضاء على إسرائيل، إلى جانب توسيع نفوذها في المنطقة وتطوير برنامجها الصاروخي والنووي، قد تحدت مصالح أوروبا والدول العربية وتعتبر تهديدًا لها أيضًا.

من الطبيعي أن ترفض طهران هذا التصور بشكل قاطع، لكن هذه الدول تأخذ الأمر على محمل الجد وأحيانًا تلجأ إلى أمريكا وإسرائيل لمواجهة ما يرونه “تهديدًا من إيران ضدهم”. لذلك، طالما يرون أن إيران تسير على نفس المسار الذي كانت عليه، فإنهم يعتبرون أنفسهم مجبرين على التراجع أمام ترامب وحتى التضحية بقضية فلسطين.

إذن، السبيل الوحيد لتشكيل جبهة سياسية موحدة ضد إدارة ترامب هو تصحيح هذا التصور من قبل الساسة الإيرانيين من خلال تقديم مبادرة واضحة وحاسمة.

ما دام أن طهران تصر على سياسة تدمير إسرائيل، فإن أي حكومة عربية أو أوروبية لن تكون قادرة على التوافق معها، لأنهم يعتبرون أن النتيجة النهائية لهذه السياسة ستكون هيمنة إيران على المنطقة وخلق تهديد لمصالحهم ووجودهم. لذلك، لن يوافقوا على التعاون مع إيران إلا إذا تحولت سياسة القضاء على إسرائيل إلى سياسة دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة بكل تبعاتها ومتطلباتها في المجالات الأخرى.

في حال كانت إيران ترغب في تغيير أولوياتها، فمن المؤكد أنها ستجد آذانًا صاغية في أوروبا والعالم العربي. كلا الكتلتين، جنبًا إلى جنب مع عشرات الدول الأخرى، مستعدة للانضمام إلى جبهة تؤكد على حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني وفقًا للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، من أجل إنشاء دولة مستقلة في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

إن دخول الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى مثل هذه الجبهة سيحد بدرجة كبيرة من يد ترامب ونتنياهو لتنفيذ خططهم ضد إيران وفلسطين، وسيفتح الطريق للتوصل إلى اتفاق لحل الملف النووي ورفع العقوبات عن إيران، وكذلك تشكيل دولة فلسطينية عبر سبل متوازنة ومعقولة.

 

احمد زيد آبادي

كاتب وصحفي في إيران

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى