هل ستتدخل روسيا عسكريا إذا تعرضت إيران لهجوم جديد؟
في السنوات الأخيرة، عمقت إيران وروسيا علاقاتهما الاستراتيجية بشكل كبير، منتقلتين من علاقة قائمة على المصالح الآنية إلى أخرى قائمة على تعاون عسكري واقتصادي مباشر.

ميدل ايست نيوز: في السنوات الأخيرة، عمقت إيران وروسيا علاقاتهما الاستراتيجية بشكل كبير، منتقلتين من علاقة قائمة على المصالح الآنية إلى أخرى قائمة على تعاون عسكري واقتصادي مباشر. وكان أحد أبرز مظاهر هذا التحالف المتنامي هو تزويد إيران لروسيا بمعدات عسكرية استخدمتها في حربها الحالية في أوكرانيا.
لعبت طائرات “شاهد” المسيّرة إيرانية الصنع دورا حاسما في الهجمات الروسية على البنية التحتية الأوكرانية، ما ساعد موسكو على مواصلة حملتها العسكرية على الرغم من العقوبات الدولية والمساعدات العسكرية الغربية لكييف. ولم يعمل استعداد إيران لتزويد روسيا بالأسلحة على تعزيز شراكتهما الدفاعية فحسب، بل عزز أيضا مكانة طهران العالمية كمورد عسكري، وتقديم عرض حي لتكنولوجيا المسيّرات التي تصنعها في ساحة المعركة.
إضافة إلى المساعدة العسكرية، وسعت روسيا وإيران علاقاتهما الاقتصادية ردا على العقوبات التي فرضها الغرب. كان البلدان يستكشفان طرقا لتجاوز النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار، باستخدام طرق دفع بديلة والاعتماد على تجارة المقايضة للحفاظ على اقتصاديهما. كما قامت موسكو بزيادة استثماراتها في قطاع الطاقة الإيراني، ما أسهم في تمكين إيران من تطوير بنيتها التحتية للنفط والغاز. وتؤكد هذه التطورات الترابط المتزايد بين البلدين، في الوقت الذي يسعى فيه كلاهما إلى مواجهة الضغوط الاقتصادية والعسكرية الغربية والالتفاف عليها. لكن وعلى الرغم من هذه العلاقات المتنامية، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن لروسيا أن تهب لمساعدة إيران في أوقات الأزمات؟
معاهدة الشراكة الاستراتيجية لشهر يناير 2025
في 17 يناير/كانون الثاني 2025، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان في موسكو شراكة استراتيجية شاملة مدتها 20 عاما. وقد شكلت هذه الاتفاقية علامة فارقة في العلاقات الروسية الإيرانية، حيث عززت تعاونهما في مختلف القطاعات، بما في ذلك الدفاع والطاقة والتجارة. وتتضمن الاتفاقية أحكاما لتنسيق عسكري أعمق وتبادل للمعلومات الاستخباراتية ومبادرات دفاعية مشتركة. وأكد المسؤولون الروس والإيرانيون أن هذه الاتفاقية تعزز التزامهما بالأمن المتبادل، مع سعي إيران للحصول على ضمانات أكبر من موسكو ضد التهديدات المحتملة من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبعيدا عن الجوانب العسكرية، تضع المعاهدة الأساس للتعاون الاقتصادي طويل الأجل. فقد تعهدت روسيا بالاستثمار في قطاع النفط والغاز الإيراني، بينما وافقت طهران على توسيع دورها في تزويد روسيا بالمعدات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت الدولتان بتنفيذ مشاريع مشتركة في مجال الطاقة النووية، حيث تساعد روسيا في بناء محطات الطاقة النووية الإيرانية. لكن وعلى الرغم من الخطاب الرنان الذي انطوت عليه المعاهدة، فالحقيقة أن الكثير من الدعم الروسي لإيران يرتكز على مصالحها الاستراتيجية وليس على الالتزام العميق بأمن إيران. صحيح أن المعاهدة تعزز العلاقات الدبلوماسية، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت روسيا ستتدخل عسكريا إذا تعرضت إيران لهجوم ما؟
كان توجه إيران نحو روسيا مدفوعا بالحاجة الملحة كي تثبت أنها تحظى بدعم قوة عالمية، ولا سيما في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات في الشرق الأوسط. وتسبب انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بصدمة بين صفوف القيادة السياسية الإيرانية. فقد تميزت إدارة ترمب السابقة بحملة “الضغط الأقصى” ضد طهران، والتي تضمنت عقوبات اقتصادية قاسية وأدت إلى اغتيال القائد الإيراني الكبير قاسم سليماني. وبالنظر إلى هذا التاريخ، يتوقع المسؤولون الإيرانيون أن تؤدي عودة ترمب إلى البيت الأبيض إلى تجدد الضغوط الاقتصادية والعسكرية. وتخشى طهران أن لا تكتفي واشنطن بتعزيز العقوبات القائمة فحسب، بل ستعطي إسرائيل الضوء الأخضر لشن ضربات استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
ومن جانب آخر، أصبح موقف إيران الجيوسياسي أكثر ضعفا بسبب سقوط أقوى حليف إقليمي لها، الرئيس السوري السابق بشار الأسد. على مدى سنوات، شكّل نظام الأسد قناة رئيسة أتاحت للنفوذ الإيراني الوصول إلى شرق المتوسط، ما سمح لطهران بتزويد “حزب الله” والفصائل الأخرى المتحالفة معها بالأسلحة والدعم اللوجستي. أما الآن، ومع إزاحة الأسد عن السلطة في أواخر عام 2024، فقد عانت إيران من نكسة استراتيجية ملحوظة. تجد طهران نفسها اليوم معزولة في المنطقة، وقد تناقص حلفاؤها الذين يمكنها الاعتماد عليهم. وهذا يجعل تحالفها مع روسيا أكثر أهمية، حيث تسعى إيران إلى إظهار القوة وردع الخصوم المحتملين. وهنا يبرز السؤال الأكثر أهمية: هل روسيا قادرة بالفعل على حماية إيران أم إن دعمها لها معنوي أكثر منه ماديا.
على الرغم من توسع الشراكة الروسية الإيرانية في السنوات الأخيرة، ثمة عوامل عدة تلقي بظلالها حول قدرة موسكو على الدفاع عن إيران في حال واجهت الأخيرة تهديدا عسكريا مباشرا من إسرائيل أو الولايات المتحدة أو استعدادها لذلك.
ويُظهِر تاريخ الجمهورية الإسلامية أن روسيا لم تتخذ إجراءات عسكرية ملموسة لحماية إيران من العدوان الخارجي. وحتى في مواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية على المواقع العسكرية الإيرانية داخل إيران العام الماضي، اتخذت روسيا موقفا سلبيا إلى حد كبير، رافضة التدخل بشكل مباشر. وعلى الرغم من تحالفها الاستراتيجي مع إيران، امتنعت روسيا عن اتخاذ تدابير انتقامية، واختارت بدلا من ذلك الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع كل من إسرائيل وإيران. ويسلط هذا الموقف السلبي الضوء على إحجام روسيا عن التدخل العسكري في مواجهة العدوان الإسرائيلي على المصالح الإيرانية.
والأكثر أهمية، تخوض روسيا حاليا حربا في أوكرانيا، وهو ما استنزف مواردها العسكرية بشدة. وعلى الرغم من إمداد إيران بمسيّرات ومعدات عسكرية أخرى، ينصب اهتمام روسيا بشكل أساسي على صمودها في أوكرانيا بدلا من الانخراط في صراعات إضافية. والواقع أن الجيش الروسي منهك كليا، فهو لا يواجه المقاومة الأوكرانية فحسب، وإنما يواجه أيضا دعما عسكريا غربيا مستمرا لكييف. وفي ظل هذه الظروف، يبدو مستبعدا أن تبدي روسيا استعدادها لفتح جبهة أخرى من خلال التورط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة نيابة عن إيران. وتبقى أولويات الكرملين متمحورة حول أوكرانيا والحفاظ على موقعها الاستراتيجي بدلا من التورط في حرب في الشرق الأوسط.
عجز روسيا عن إنقاذ الأسد
إن دل سقوط الرئيس السوري بشار الأسد على شيء، فهو يدل على محدودية قدرة روسيا كحليف. فعلى الرغم من التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ عام 2015، لم تتمكن موسكو في النهاية من منع انهيار نظام الأسد تحت ضغط القوات المتمردة والجهات الفاعلة الخارجية. وعلى الرغم من أن روسيا قدمت الدعم الجوي والمستشارين العسكريين والدعم الدبلوماسي، فإن هذه الجهود أثبتت عدم كفايتها في مواجهة المعارضة المستمرة. يعد سقوط الأسد تذكيرا مدويا بأن التدخلات العسكرية الروسية لها حدود، ولا سيما عند مواجهة خصوم مثابرين.
تشكل هذه السابقة ركيزة أساسية عند قراءة قدرات روسيا الفعلية وما إذا كانت قادرة على حماية إيران. فإذا كانت موسكو عاجزة عن ضمان نجاة حليفها السوري على الرغم من سنوات من التدخل المباشر، فلا يوجد ما يدعونا إلى الاعتقاد بأنها ستكون أفضل حالا في حماية إيران من عملية عسكرية إسرائيلية أو أميركية محتملة. قد تقدم روسيا الدعم الدبلوماسي في الأمم المتحدة وتواصل تعاونها الاستراتيجي مع إيران، إلا أن هذه الإجراءات لا ترقى إلى مستوى ضمان أمن إيران. يدرك المخططون العسكريون الإسرائيليون والأميركيون جيدا هذه القيود، ولهذا السبب لا يرون في روسيا رادعا كبيرا عند التفكير في توجيه ضربات محتملة للمنشآت النووية الإيرانية.
في حين أظهر التعاون العسكري والاتفاقيات الدبلوماسية بين روسيا وإيران أنهما حليفتان وثيقتان، يؤكد الواقع أن دعم روسيا لإيران هو دعم معنوي إلى حد كبير. فالمصالح الأساسية لموسكو تتمثل في الحفاظ على مكانتها العالمية بدلا من الانخراط في مواجهات عسكرية مباشرة من أجل إيران. وتستفيد روسيا من شراكتها مع إيران من خلال تأمين الإمدادات العسكرية والاتفاقيات الاقتصادية والنفوذ الجيوسياسي، بيد أن هذه المصالح لا تترجم بالضرورة إلى استعداد للمخاطرة بخوض حرب نيابة عن إيران. وعلى هذا، تبدو استراتيجية إيران بالاعتماد على روسيا للحصول على ضمانات أمنية حقيقية مبنية على أرضية هشة.
وحتى في المحافل الدبلوماسية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث دافعت روسيا تاريخيا عن إيران في مواجهة الضغوط الغربية، اقتصر الدعم الروسي على الخطاب والقرارات دون أن يرقى إلى تقديم الدعم العسكري الملموس. وفيما لو وقعت ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية فعلية على المنشآت النووية الإيرانية، فمن غير المرجح أن تصعد روسيا التوترات إلى ما هو أبعد من إصدار الإدانات الدبلوماسية. فموسكو تدرك المخاطر المترتبة على مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل مباشر، ويبدو مستبعدا أن تعرض مصالحها الاستراتيجية للخطر من أجل طهران.