“حرب نفسية أم مواجهة عسكرية”.. ماذا ينوي ترامب أن يفعل بإيران؟
على الرغم من تصاعد التصريحات والتهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران، إلا أن الحرب بين الطرفين لا تزال غير مرجحة وفقًا للمعطيات الحالية.

ميدل ايست نيوز: شهد الأسبوع الأخير من العام الإيراني 1403 (انتهى في 20 مارس الجاري) قفزة كبيرة في سعر الدولار الأميركي، حيث وصل حتى تاريخ نشر هذا التقرير إلى 102 ألف تومان، مما زاد من المخاوف بين الإيرانيين بشأن قدرتهم على مواجهة الأعباء الاقتصادية في عامهم الجديد. لكن ما جرى لاحقًا فاق التوقعات، حيث شهدت الأسواق تطورات غير متوقعة، صدمت حتى أكثر المتشائمين بشأن مستقبل الاقتصاد الإيراني.
انقلبت أوضاع المنطقة مجددا رأسا على عقب بعد تصاعد العمليات العسكرية الأمريكية البريطانية ضد مواقع الحوثيين في اليمن، حيث وجّه دونالد ترامب رسالة مباشرة إلى حكام الجمهورية الإسلامية، محذرًا: “لا تنخدعوا! الحوثيون، الذين يمقتهم شعب اليمن، نفذوا مئات الهجمات، وكلها تنبع من إيران وتُدار منها”.
وادعى ترامب قائلًا: “من الآن فصاعدًا، أي طلقة تنطلق من اليمن ستُعتبر طلقة من إيران، وستواجه إيران عواقب وخيمة على هذه الأفعال”. تصريحات الرئيس الأمريكي، بالتزامن مع تصاعد نيران الحرب في اليمن، كانت كافية لإحداث تقلبات حادة في سوقي العملات والذهب بإيران، حيث حطّم سعر الدولار أرقامًا قياسية عدة مرات خلال 48 ساعة فقط، إذ استقر يوم الخميس عند 97,4 ألف تومان، وارتفع اليوم السبت إلى 107 ألف تومان تقريبًا.
وفي جزء آخر من بيانه، هدد ترامب بأن “أي هجوم أو رد انتقامي من الحوثيين سيُقابل برد قوي، ولا ضمانات بأن الرد سيتوقف عند ذلك”. في المقابل، نفت الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها، إسماعيل بقائي، خلال مؤتمر صحفي يوم الاثنين 17 مارس الجاري، أي دعم عسكري إيراني لليمن، مشددًا على أن “إيران سترد بحزم على أي اعتداء يستهدف أراضيها أو أمنها القومي، ولا يوجد أي شك في ذلك”.
حرب نفسية أم صراع حقيقي؟
كثرت التحليلات والتكهنات حول مستقبل التصريحات التي فجرها ترامب عقب شنه غارات استهدفت البنية التحتية لجماعة أنصار الله اليمنية ومنشآت حيوية لهم في صعدة وصنعاء، لكن حسن بهشتي بور، وهو خبير في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، قال خلال مقابلة صحفية، إن ترامب يسعى في المقام الأول لشنّ حرب نفسية وحملة إعلامية سياسية ضد إيران، مضيفًا أن “ترامب يطلق هذه الاتهامات رغم معرفته الجيدة بأن أنصار الله جماعة مستقلة، تخطط وتنفذ عملياتها بمعزل عن إيران”.
ورغم إقرار هذا الخبير الإيراني بوجود تقارب فكري بين إيران وجماعة الحوثي، إلا أنه أكد أن الشعب الإيراني على غرار باقي الشعوب يدعم معنويا الشعب اليمني الذي يعاني منذ نحو عقد من الحروب والصراعات”، وأوضح أن “الحوثيين وكل الفصائل الأخرى في المنطقة يديرون جميع عملياتهم بشكل مستقل، ولم يتلقوا يومًا أوامر من طهران، حيث أكدت هذا الحكومات الإيرانية المختلفة مرارًا وتكرارًا”.
عقد من الحرب في اليمن
اندلعت الحرب في اليمن في مارس 2015 عندما قادت السعودية تحالفًا عسكريًا عربيًا لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ضد جماعة أنصار الله الحوثية، التي سيطرت على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014. وجاء التدخل السعودي بعد طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي دعمًا عسكريًا لاستعادة الشرعية، بعد أن فرّ إلى عدن ومن ثم إلى الرياض إثر تقدم الحوثيين.
وانتهت الحرب بعد ثماني سنوات دون تحقيق أي مكاسب، والآن، رغم مرور عامين على السلام، استأنفت أميركا هجماتها على اليمن بذريعة استهداف السفن في البحر الأحمر، متهمةً إيران بتدبير هذه الهجمات، “رغم أن الحوثيين كانوا مستقلين في قراراتهم خلال الحرب وما زالوا كذلك اليوم،” وفق ما قاله هذا الخبير.
هل يدخل ترامب في حرب مع إيران؟
وسط هذا الزخم من التوترات والتصعيد في لهجة التصريحات وتهديد ترامب المتكرر بحماية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، توقع مراقبون أن المنطقة ستشهد تطورا غير مسبوق وقد تؤدي المشاحنات اللفظية وتبادل التهم بين طهران وواشطن إلى حرب غير متوقعة وأحداث غير مرتقبة وذلك نظرا لشخصية الرئيس الأميركي وسياسته الجديدة.
لكن بهشتي بور كان له رأي مختلف تماما حول احتمال تصعيد النزاع بين واشنطن وطهران إلى مواجهة عسكرية، إذ قال إن “احتمال دخول ترامب في حرب مباشرة مع إيران ضئيل، فهو ينتقد باستمرار سياسات الإدارات الأميركية السابقة، ويعتبر إنفاق أكثر من 2000 مليار دولار على حروب العراق وأفغانستان والصراعات الأخرى إهدارًا غير مبرر”.
يكمل الخبير الإيراني موضحا أن “ترامب، خلال رئاسته الأولى، اعتمد سياسة الضغط الأقصى على إيران بدلًا من المواجهة العسكرية، حيث كان يعتقد أن تكثيف الضغوط الاقتصادية سيدفع الشعب الإيراني للتمرد ضد النظام”.
حرب نفسية وليست حربًا عسكرية
تشير المعطيات والتصريحات المتكررة لترامب خلال ولايته الأولى والثانية أنه لطالما لجأ إلى الحرب النفسية لتهديد عدوه، فهو يستخدم العقوبات الاقتصادية والدعاية الإعلامية والتسويق لفكرة الحرب لتنفيذ أهدافه، تماما كما فعل مع حماس خلال حرب غزة، إذ هدد بتدمير غزة إذا لم تمتثل الحركة لمطالبه.
يواجه ترامب أزمات حتى مع أقرب حلفائه، من كندا والمكسيك إلى أوروبا وأوكرانيا وحلف الناتو، لذا فإن فتح جبهة حرب جديدة في الشرق الأوسط لن يكون سهلًا بالنسبة له، خاصة أن الداخل الأمريكي غير مستعد لمثل هذا التصعيد.
في الختام، على الرغم من تصاعد التصريحات والتهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران، إلا أن الحرب بين الطرفين لا تزال غير مرجحة وفقًا للمعطيات الحالية. وبينما يشهد الاقتصاد الإيراني تقلبات حادة بسبب هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح إيران في تجاوز الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، أم أن التوترات المتزايدة ستقود المنطقة إلى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.