من الصحافة الإيرانية: المتطلبات الأساسية لما بعد الاتفاق مع الولايات المتحدة
شكل وضع إيران على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي وعزل النظام المصرفي عن الأنظمة المالية الدولية وغياب الأطر القانونية المتماسكة لحماية الاستثمارات الأجنبية عوائق جدية لجذب المستثمرين الأمريكيين.

ميدل ايست نيوز: حتى في حال التوصل إلى اتفاق محتمل بين إيران والولايات المتحدة، مع افتراض غياب التدخلات المدمرة، فإن البنية التحتية اللازمة لإقامة علاقات اقتصادية مستقرة غير متوفرة بشكل كافٍ بسبب العوائق الهيكلية والسياسية والقانونية.
جعلت عقود من قطع العلاقات الدبلوماسية والعقوبات متعددة الطبقات وفقدان الثقة المتبادلة، النظام الاقتصادي الثنائي هشًا. كما شكل وضع إيران على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF) وعزل النظام المصرفي عن الأنظمة المالية الدولية مثل SWIFT وغياب الأطر القانونية المتماسكة لحماية الاستثمارات الأجنبية، شكلت عوائق جدية لجذب المستثمرين الأمريكيين.
وقللت بيئة الأعمال غير المواتية والبيروقراطية المعقدة والفساد المستمر وعدم الشفافية وعدم الاستقرار في السياسات الاقتصادية والمخاطر السياسية الناتجة عن التوترات الإقليمية، من جاذبية إيران كوجهة للاستثمار. هذه التحديات، إلى جانب عدم اليقين من استدامة الاتفاقيات السياسية، تبرز ضرورة إنشاء بنية تحتية اقتصادية بنهج هادف وتدريجي ومنسق تتمحور حول ما يلي:
أولاً، تسهيل تنقل المستثمرين الأمريكيين في إيران من خلال تبسيط عملية إصدار التأشيرات وتقديم ضمانات قانونية لحماية استثماراتهم أمر ضروري. يتطلب ذلك إصلاح القوانين المحلية، بما في ذلك قانون تشجيع وحماية الاستثمار الأجنبي في إيران، والتوافق مع المعايير الدولية مثل اتفاقيات الأمم المتحدة في مجال الاستثمار وبروتوكولات منظمة التجارة العالمية. كما يمكن إن يقلل إعداد عقود استثمار ثنائية من المخاطر القانونية ويعزز ثقة المستثمرين. بالإضافة إلى ذلك، إنشاء محاكم متخصصة لحل النزاعات الاستثمارية، مع قضاة على دراية بالقانون الدولي، يمكن أن يساعد في تعزيز الأمن القانوني. هذه الإصلاحات ستكون جذابة ليس فقط للمستثمرين الأمريكيين، بل أيضًا للشركاء الدوليين المحتملين الآخرين.
ثانيًا، فتح مكاتب تمثيلية تجارية في طهران يمكن أن تعمل كمراكز للتعرف على الفرص الاقتصادية ونقل التكنولوجيا وتنسيق المشاريع المشتركة. يمكن أن تلعب هذه المكاتب دورًا وسيطًا في تقديم القدرات الاقتصادية لإيران، بما في ذلك في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة يتطلب اتفاقيات ثنائية لتحديد الأطر القانونية والضريبية والجمارك. على سبيل المثال، الإعفاءات الضريبية المستهدفة للشركات الأجنبية في السنوات الأولى من نشاطها، وتقليل الرسوم الجمركية على المعدات المستوردة، يمكن أن تخلق الحوافز اللازمة. أيضًا، إنشاء مناطق اقتصادية خاصة بقوانين أبسط وبنية تحتية جاهزة يمكن أن يساعد في تسريع هذه العملية.
ثالثًا، يعد إنشاء قنوات مالية جديدة للتغلب على القيود المصرفية الحالية أمرا حيويا، إذ إن عزل إيران المصرفي، خاصة بسبب عدم قبول متطلبات FATF، جعل المعاملات المالية مع العالم صعبة. تصميم آليات دفع خاصة، مثل استخدام العملات الرقمية المعتمدة أو التعاون مع مؤسسات مالية وسيطة في دول ثالثة (مثل تركيا أو عمان)، يمكن أن يكون حلاً مؤقتًا. ومع ذلك، لاستدامة هذه القنوات، يجب على إيران اتخاذ خطوات للخروج من القائمة السوداء لـ FATF؛ بما في ذلك تنفيذ معايير الشفافية المالية ومكافحة غسيل الأموال. هذا الإجراء لا يعزز فقط ثقة الأطراف الأمريكية، بل سيفتح أيضًا أبواب التجارة مع اقتصادات كبيرة أخرى. إنشاء مؤسسة مالية مشتركة تحت إشراف مؤسسات دولية يمكن أن يعمل كجسر للمعاملات المالية الآمنة.
رابعًا، إقامة علاقات قنصلية، حتى على مستوى مكاتب حماية المصالح، يمكن أن تقلل من المخاطر السياسية وتسهّل التفاعلات التجارية. يمكن أن تقدم هذه المكاتب خدمات قنصلية، مثل إصدار التأشيرات ودعم المواطنين، وتعمل كقناة للمفاوضات الاقتصادية. على المدى الطويل، فإن إعادة فتح السفارات تعزز الثقة المتبادلة، ولكن نظرًا للحساسيات السياسية وسابقة التوترات، فإن هذه الخطوة تتطلب إدارة دقيقة وتوقيت مناسب وكسب الدعم الداخلي في كلا البلدين. على سبيل المثال، تبادل الوفود التجارية والدبلوماسية في المراحل الأولى يمكن أن يساعد في تقليل سوء الفهم وخلق بيئة إيجابية.
خامسًا، الاستقرار في السياسات الاقتصادية وزيادة الشفافية في القوانين تعد من المتطلبات الأساسية لهذه الخطوة. عدم استقرار القوانين والتغييرات المفاجئة في السياسات النقدية والتدخلات غير الشفافة من المؤسسات الحكومية، تجعل المستثمرين يبتعدون. إنشاء مؤسسة مستقلة لمراقبة السياسات الاقتصادية وضمان تنفيذ العقود يمكن أن يقلل من هذه المشكلة. ناهيك عن أن مكافحة الفساد بشكل فعال، من خلال تعزيز المؤسسات الرقابية وتنفيذ قوانين مكافحة الفساد، أيضًا أمر ضروري.
على سبيل المثال، يمكن لنشر تقارير شفافة عن الأداء المالي للمشاريع المشتركة وإلزام الشركات بالامتثال للمعايير المحاسبية الدولية أن يبني الثقة أمام المستثمرين.
أخيرًا، تشكيل مجموعة عمل مشتركة تضم ممثلين عن الحكومة والقطاع الخاص والخبراء المستقلين من كلا البلدين، لصياغة ومراقبة تنفيذ هذه المتطلبات المبدئية، هو خطوة عملية. يمكن أن ترسم هذه المجموعة خارطة طريق لإزالة العوائق وتحديد أولويات المشاريع وتقييم التقدم المحرز. أيضًا، عقد اجتماعات منتظمة بين أصحاب المصلحة الاقتصاديين في كلا البلدين، مثل غرف التجارة، يمكن أن يساعد في تحديد العوائق التشغيلية وتقديم حلول مبتكرة.
بدون تنفيذ هذه الإجراءات، حتى الاتفاقيات السياسية لن تؤدي إلى تعاون اقتصادي مستدام. نجاح هذه العملية يعتمد على التزام كلا الطرفين ببناء الثقة وإدارة المخاطر السياسية وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية.
حسين سلاح ورزي
نائب رئيس غرفة الصناعة والمناجم والتجارة الإيرانية