من الصحافة الإيرانية: ماذا تخفي زيارة بوتين إلى طهران؟
تسعى الحكومة الإيرانية الجديدة، التي ترفع شعار "البراغماتية السياسية"، إلى تقديم مقاربة خارجية جديدة تقوم على الجمع بين الانفتاح على الغرب وتوسيع الشراكات الاستراتيجية مع الشرق.

ميدل ايست نيوز: في أول عام من تولّي مسعود بزشكيان رئاسة الجمهورية الإيرانية، وفي خضم واحدة من أكثر اللحظات الجيوسياسية تعقيدًا في المنطقة، يستعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتوجّه إلى طهران في زيارة تُعدّ السادسة له، لكنها الأولى بصيغة ثنائية ومحددة الهدف وعلى أعلى مستوى سياسي. وعلى عكس زياراته السابقة التي جرت في إطار مؤتمرات إقليمية متعددة الأطراف، تأتي هذه الزيارة في سياق ثنائي يعبّر عن تحولات استراتيجية تتجاوز الأبعاد الدبلوماسية التقليدية.
وقالت صحيفة شرق في تقرير لها، إن الزيارة المرتقبة تتزامن مع تطورات لافتة في ملفات إقليمية ودولية حساسة، منها ما يخص مستقبل الاتفاق النووي الإيراني، والانفتاح النسبي في المحادثات بين طهران وواشنطن، إلى جانب ما يُعتقد أنه بداية تبلور أفق لنهاية الحرب الأوكرانية. كما تتقاطع الزيارة مع جهود مشتركة بين طهران وموسكو لإعادة تعريف موقعهما في النظام العالمي ما بعد الليبرالي، لا سيما في ظل الضغوط الغربية المتصاعدة.
وتسعى الحكومة الإيرانية الجديدة، التي ترفع شعار “البراغماتية السياسية”، إلى تقديم مقاربة خارجية جديدة تقوم على الجمع بين الانفتاح على الغرب وتوسيع الشراكات الاستراتيجية مع الشرق. وفي هذا الإطار، لا تُفهم زيارة بوتين على أنها خطوة في سياق تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تُقرأ أيضًا كمؤشر على تقاطع مصالح البلدين في بيئة دولية تعيد ترتيب توازنات القوة والتحالفات.
ورغم تأكيد المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، على صحة خبر الزيارة وقرب موعدها، لم تُنشر حتى لحظة إعداد هذا التقرير تفاصيل رسمية بشأن جدول الأعمال أو طبيعة الملفات التي ستُبحث خلال الزيارة.
زيارة استثنائية
خلال السنوات الماضية، زار الرئيس الروسي طهران خمس مرات، لكن جميعها جاءت في إطار اجتماعات إقليمية متعددة الأطراف مثل قمة “عملية أستانا” أو “منتدى الدول المصدرة للغاز”. أما هذه المرة، فإن بوتين يصل إلى العاصمة الإيرانية في إطار زيارة ثنائية خالصة، ما يعكس مستوى جديدًا من التنسيق بين الجانبين.
وتأتي الزيارة بعد أشهر من توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشاملة بين البلدين خلال زيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو في يناير الماضي، وهي اتفاقية تم إقرارها في مجلس الدوما الروسي وتخضع حاليًا للمصادقة النهائية في مجلس الشورى الإيراني. ووفق مصادر مطلعة، يُتوقع أن تشهد زيارة بوتين إلى طهران التوقيع على عدد من الاتفاقيات التنفيذية في مجالات الطاقة والترانزيت والاستثمار والتعاون المالي–المصرفي والدفاع.
وتشهد العلاقات بين إيران وروسيا توسعًا متسارعًا لا يقتصر على التنسيق السياسي فحسب، بل يشمل كذلك التعاون في ميادين الاقتصاد المقاوم للعقوبات وسلاسل التوريد والطاقة والربط الإقليمي، وصولًا إلى التنسيق الدفاعي والأمني. وفي هذا السياق، ترى موسكو في طهران شريكًا إقليميًا مهمًا يتيح لها الوصول إلى المياه الدافئة ويشكّل بديلًا محتملًا في مجال تصدير الطاقة، كما يعد عامل توازن في مواجهة النفوذ الغربي في القوقاز وغرب آسيا.
في المقابل، تمثّل روسيا بالنسبة لإيران عنصر توازن في ملفها النووي، وداعمًا في مجلس الأمن أمام الضغوط الغربية، فضلًا عن كونها حليفًا في بناء نظام إقليمي جديد متعدّد الأقطاب.
زيارة مفصلية أم فصل رمزي؟
بحسب المراقبين، لا تأتي هذه الزيارة في سياق تكرار للأنماط السابقة، بل تُعد محاولة جدية لإعادة هيكلة العلاقات الثنائية على أسس جديدة تتناسب مع التحولات الجارية في النظام الدولي. وتُقارن في سياقها الزمني المحتمل مع زيارة وشيكة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، ما يعيد إلى الأذهان زيارة بوتين إلى طهران عام 2022، والتي جاءت بعد أيام من جولة جو بايدن الإقليمية، واعتُبرت آنذاك رسالة مضادة إلى واشنطن وحلفائها.
لكن الفارق أن الظروف الحالية أكثر تعقيدًا؛ إذ تشهد طهران مفاوضات نووية دقيقة، وتواجه موسكو ضغوطًا متزايدة جراء العقوبات الغربية، فيما يبدو النظام الإقليمي أكثر قابلية لإعادة التشكل. ومن هنا، فإن نجاح الزيارة في إنتاج اتفاقيات عملية في المجالات الاقتصادية والأمنية والتكنولوجية، قد يعزز موقع الحكومة الإيرانية الجديدة في المعادلة الإقليمية والدولية، في حين أن اقتصارها على الطابع الرمزي سيجعلها مجرد محطة بروتوكولية في سجل العلاقات بين البلدين.
نموذج جديد للنظام الإقليمي
بالنظر إلى المعطيات الميدانية والتحركات الدبلوماسية، تبدو الزيارة السادسة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران، ليست مجرد إعادة إنتاج للعلاقات السابقة بين البلدين، بل محاولة جديدة لإعادة هندسة مستقبل العلاقات الإيرانية–الروسية ضمن سياق تحولات جيوسياسية عميقة يشهدها العالم. فقد أدّت الحرب المستمرة في أوكرانيا والعزلة المتزايدة لروسيا عن الغرب إلى تفعيل انقسامات جديدة في السياسة الدولية، ما يفرض على موسكو وطهران تحركات استراتيجية أكثر دقة وفاعلية.
ومن اللافت أن هذه الزيارة قد تأتي بفارق زمني قصير عن زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، ما يعيد إلى الأذهان سيناريو مشابه حدث عام 2022 إبان حكومة إبراهيم رئيسي، حين زار بوتين طهران بعد أيام فقط من جولة الرئيس الأمريكي آنذاك، جو بايدن، في الشرق الأوسط، في خطوة فسّرت حينها على أنها رسالة سياسية مضادة لواشنطن وحلفائها.
لكن السياق هذه المرة مختلف تمامًا فطهران تخوض مفاوضات حساسة بشأن اتفاق نووي جديد، وموسكو تسعى إلى هوامش تنفس وسط تصعيد العقوبات، والنظام الإقليمي بات أكثر سيولة واستعدادًا لإعادة التشكيل.
في ظل هذه الظروف، فإن زيارة بوتين إلى طهران لا تُعد مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل مؤشرًا واضحًا على تحوّل محتمل في لوحة الشطرنج الخاصة بالسياسة الخارجية الإيرانية، عند تقاطع ثلاثة محاور: الدبلوماسية النووية، الأمن الإقليمي، وصراع القوى الكبرى.
وإذا أفضت هذه الزيارة إلى اتفاقيات ملموسة في مجالات الاقتصاد والأمن والتكنولوجيا، فقد تُرسّخ مكانة الحكومة الإيرانية الرابعة عشرة كلاعب استراتيجي فاعل. أما إذا بقيت دون نتائج عملية، فستُسجَّل كفصل رمزي إضافي في تاريخ العلاقات بين طهران وموسكو.