إيران.. كيف يهدد الجفاف الاقتصاد والقطاعات الحيوية؟

أظهرت أحدث الإحصاءات الصادرة عن مكتب الدراسات الأساسية لموارد المياه في وزارة الطاقة الإيرانية أن الموارد المائية في البلاد تمرّ بحالة حرجة.

ميدل ايست نيوز: أظهرت أحدث الإحصاءات الصادرة عن مكتب الدراسات الأساسية لموارد المياه في وزارة الطاقة الإيرانية أن الموارد المائية في البلاد تمرّ بحالة حرجة، ما يعكس استمرار التراجع في احتياطي المياه خلال السنوات الأخيرة. ووفقاً لهذا التقرير الذي أُعد في 31 مايو 2025، فإن 54 من أصل 64 سداً كبيراً في البلاد، والتي تلعب دوراً رئيسياً في تأمين مياه الشرب والزراعة وتوليد الكهرباء، شهدت انخفاضاً في حجم المياه، في حين سجّلت 8 سدود فقط زيادة في المخزون.

وقالت صحيفة دنياي اقتصاد في تقرير لها، إن بيانات السدود في مختلف مناطق إيران تبرز التأثير المباشر للتغيرات المناخية وتراجع معدلات الأمطار الموسمية على البنى التحتية الحيوية للمياه.

ويُظهر وضع سد زاينده‌ رود، الذي يُعد من أهم مصادر المياه في هضبة إيران المركزية، صورة واضحة للتحديات التي تواجهها المنطقة. إذ بلغ حجم المياه المخزنة حالياً 371 مليون متر مكعب، وهو ما يعادل 30% فقط من سعته الكلية، بانخفاض قدره 16% مقارنة بالعام الماضي. هذا التراجع يثير مخاوف جدية لمحافظة أصفهان، التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على مياه هذا السد، وقد يترك أثراً مباشراً على النشاطين الصناعي والزراعي فيها.

أما بالنسبة لبحيرة أرومية والسدود المحيطة بها، فتُظهر الأرقام استمرار الأزمة المائية في شمال غرب البلاد. إذ تحتوي السدود الثلاثة عشر المرتبطة بالبحيرة حالياً على 796 مليون متر مكعب من المياه، وهو ما يعادل 48% فقط من سعتها الكلية، بانخفاض نسبته 37% عن العام الماضي. ويُعد هذا التراجع تهديداً خطيراً ليس فقط للبحيرة نفسها التي تشكّل أحد أهم النظم البيئية في البلاد، بل أيضاً للزراعة وتربية الماشية في المنطقة.

وفي ما يخص سد طالقان، الذي يساهم في تأمين مياه الشرب للعاصمة طهران ومحافظة ألبرز، فقد بلغ حجم مياهه 224 مليون متر مكعب، ما يشكل 53% من سعته الكلية، بانخفاض نسبته 22% مقارنة بالعام الماضي. وهذا التراجع يشكّل تحدياً كبيراً للعاصمة التي يتجاوز عدد سكانها 12 مليون نسمة، ويعقّد من جهود إدارة الموارد المائية فيها.

وتحتفظ محافظة خوزستان، نظراً لوجود الأنهار الكبرى ككارون ودز والكرخة إضافة إلى السدود المتعددة، بأكبر احتياطات المياه السدّية في البلاد، ولا تزال تؤدي دوراً محورياً في تأمين المياه وتوليد الطاقة الكهربائية. إلا أن الوضع فيها ليس مثالياً أيضاً. وتشكل سلسلة سدود كارون بأكثر من 86 مليار متر مكعب، وسد دز بـ2272 مليون متر مكعب، وسد الكرخة بأكثر من 1257 مليون متر مكعب، وسد جره بـ127 مليون متر مكعب، وسد مارون بـ407 ملايين متر مكعب، أهم المصادر المائية في جنوب غرب البلاد، والتي تعتمد في الغالب على مياه الأمطار في جبال زاغروس والمناطق العليا. وتُعتبر هذه السدود أكبر مجموعة خزانات مائية في البلاد، ولها أهمية حيوية في توليد الكهرباء وتوفير المياه للزراعة والصناعات.

ورغم التركيز الواسع على الأبعاد الفنية والمناخية لأزمة المياه، إلا أن التبعات الاقتصادية لهذا الوضع الهيكلي لا يجب إغفالها. فاستمرار انخفاض مخزون المياه لا يؤدي فقط إلى ارتفاع التكاليف المباشرة لتأمين المياه ومعالجتها ونقلها، بل يعطل أيضاً آليات السوق ويؤثر على كفاءة استخدام عوامل الإنتاج وتوزيع الموارد في مختلف القطاعات.

وتُعد الزراعة أول القطاعات المتضررة في المناطق التي تعاني من نقص حاد في المياه، حيث يتجلى ذلك في انخفاض الإنتاج من خلال تقليص المساحات المزروعة وتراجع الإنتاجية لكل هكتار، بالإضافة إلى تقلبات في إنتاج المحاصيل الاستراتيجية. وتؤدي هذه التغيرات إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وزيادة كلفة المعيشة، وإضعاف الأمن الغذائي، كما ترفع من الضغط على الموارد النقدية الأجنبية للبلاد نتيجة الحاجة إلى استيراد السلع الأساسية.

أما في القطاع الصناعي، فإن تراجع تدفق المياه إلى المصانع المعتمدة على الموارد السطحية والجوفية يؤدي إلى خفض الطاقة الإنتاجية، وتوقفات تشغيلية، وزيادة في تكاليف مستلزمات الإنتاج. ويظهر هذا الأثر بشكل أوضح في صناعات مثل البتروكيماويات، والصلب، والإسمنت، التي تقع بالقرب من مصادر المياه.

ويُشار إلى أن تداعيات هذه الأزمة تمتد أيضاً إلى مجالات ثانوية، منها انخفاض إنتاجية القوى العاملة بسبب ضغوط شح المياه، وارتفاع معدلات الهجرة من المناطق الريفية، وتفاقم التفاوتات الإقليمية، وظهور توترات اجتماعية في المناطق المتأثرة. وهذه آثار اقتصادية غير مرئية في كثير من الأحيان، لكن في غياب سياسات ذكية، قد تتحول إلى أزمات أكثر تعقيداً.

لذلك، فإن أزمة المياه في إيران لم تعد مجرد قضية بيئية أو زراعية، بل تحولت إلى متغير رئيسي في معادلات النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى