الدواء والعلاج في إيران من أكبر ضحايا العقوبات الأمريكية
في السنوات الأخيرة، أدّت الأزمات في إيران والناجمة عن السياسات الداخلية الخاطئة والعقوبات الخارجية إلى إدخال نظام الرعاية الصحية في البلاد في تعقيدات غير مسبوقة.

ميدل ايست نيوز: في السنوات الأخيرة، أدّت الأزمات في إيران والناجمة عن السياسات الداخلية الخاطئة، بالتزامن مع الضغوط الدولية والعقوبات الشديدة، إلى إدخال نظام الرعاية الصحية في البلاد في تعقيدات غير مسبوقة. ويُعدّ التسييس في عمليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية في قطاع الدواء أحد أبرز العوامل التي فاقمت هذه الأزمة؛ حيث تدخلت الاعتبارات الفئوية والمصالح الريعية والنظرات السياسية القصيرة الأمد في مجال ينبغي أن يكون قائماً على التخصص والمصلحة العامة حصراً.
وكتبت صحيفة شرق، أنه رغم توفّر بنى تحتية مقبولة في بعض مجالات إنتاج الأدوية، تعاني إيران من نقص متكرر، واستيراد غير منظم، وانتشار واسع لتهريب الأدوية. وإلى جانب هذه التحديات البنيوية، كان للضغوط الدولية أثر متزايد على واقع الأدوية في إيران. فالمساعي المتواصلة من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتحقيق سياسة “تصفير التخصيب” وتشديد العقوبات ضد إيران استهدفت بشكل مباشر قطاع صناعة الأدوية في البلاد.
وفي هذا السياق، قال محمد إسلامي تعليقاً على تأثير وقف التخصيب على مختلف القطاعات: أول القطاعات التي تتعرض للضرر عند وقف التخصيب هي تلك التي يستفيد منها المواطنون بشكل مباشر. إذ يستخدم نحو مليون شخص سنوياً في البلاد الأدوية المشعة، وإذا لم نتمكن من إنتاج الوقود النووي بنسبة 20% وتشغيل مفاعل طهران، فلن نتمكن من إنتاج هذه الأدوية.
وعلى عكس مزاعم بعض المسؤولين الغربيين بأن الأدوية مستثناة من العقوبات، فإن القيود المالية والمصرفية والتجارية الناتجة عن تلك العقوبات قد عطلت عملياً استيراد المواد الخام والمعدات الطبية، وحتى تقنيات إنتاج الأدوية.
وقد أظهرت تقارير المقررة الخاصة للأمم المتحدة ألينا دوهان، التي زارت إيران في السنوات الأخيرة، مراراً في تقاريرها ومقابلاتها، أن العقوبات أثّرت بشدة على قطاعي الدواء والعلاج. وأكدت أن هذه العقوبات حدّت بشكل كبير من إمكانية الوصول إلى الدواء، خصوصاً لدى مرضى الأمراض المزمنة والخطيرة.
وبناءً على ذلك، يُعد قطاع الدواء والعلاج في إيران من أكبر ضحايا العقوبات الاقتصادية الأمريكية؛ سواء في فترة تفشي فيروس كورونا، حين واجهت البلاد قيوداً على استيراد اللقاحات، أو في ظل سياسة “الضغط الأقصى” التي اتبعتها إدارة ترامب، والتي شملت حتى حظر إرسال مادة النتروغليسرين، ما أثّر على إنتاج بعض أدوية القلب والأوعية الدموية. وخلال السنوات الأخيرة، أصبحت أنواع مختلفة من المعدات مثل بعض عدسات العيون، والأجهزة المخصصة لعلاج المرضى المصابين بأمراض خاصة، والأنسولين، وبعض الأدوية النوعية نادرة الوجود في السوق، مما يعرّض حياة المرضى للخطر.
لكن الأزمة لا تقتصر على العقوبات فقط، بل إن السياسات الداخلية، ومافيا الأدوية والمستوردين أيضاً، تشكّل تهديداً مباشراً على الصحة العامة. وعليه، فإن إعادة النظر جذرياً في السياسات الداخلية المتعلقة بالأدوية، وتعزيز الرقابة التخصصية، وقطع جذور الفساد والريع، وصياغة سياسات مقاومة للضغوط الخارجية، ليست فقط ضرورة اقتصادية، بل هي واجب أخلاقي وإنساني يجب أن يكون في صلب أولويات الدولة والحكومة الإيرانية.
وفي هذا السياق، صرّح يحيى إبراهيمي، عضو لجنة الصحة والعلاج في مجلس الشورى الإسلامي الحادي عشر، لصحيفة “شرق” قائلاً: إن عملية اتخاذ القرار في مجال الدواء كانت دائماً خاضعة للتأثيرات السياسية والمصالح الريعية.
وأضاف: على سبيل المثال، لا يُسمح بزيادة إنتاج محاليل الحقن في إيران، وعندما يحدث نقص، يصدر قرار الاستيراد بين ليلة وضحاها. وقد تكرر هذا السيناريو مع مواد مثل حليب الأطفال. إن هذه القرارات المفاجئة تدلّ على وجود مصالح خفية، لا على نظام تخطيط ورقابة يستند إلى بيانات واقعية ومحورية الصحة العامة.
وتابع إبراهيمي قائلاً: في ما يخصّ الشفافية في عمليات الاستيراد والقيود الدوائية، هناك أيضاً نقاط ضعف كبيرة، وهي التي تغذي عمليات الريع الكبرى. فخلال جائحة كورونا، تم استيراد أدوية تحت مسمى “علاج كورونا”، ليتبين لاحقاً أنها ليست فقط غير فعالة، بل قد تكون ضارة أحياناً. كما تم توزيع معدات طبية رديئة الجودة تحت شعار “الإنتاج المحلي”، بينما كانت في الحقيقة مستوردة ومعظمها من منشأ صيني.
ولم يؤد تغلغل المصالح الفئوية والتعيينات غير المتخصصة وتوزيع الريع واتخاذ قرارات مفاجئة ومتسرعة، إلى عرقلة مسار الإنتاج المحلي للأدوية فحسب، بل فتحت المجال أمام الاستيراد غير المنضبط والتهريب والمضاربات. ونتيجة لذلك، ورغم أن إيران كان بإمكانها التخفيف من آثار العقوبات بالاعتماد على طاقاتها المحلية، إلا أنها فقدت عملياً استقلالها في مجال الدواء بسبب سوء الإدارة، وأصبحت الصحة العامة عرضة لتهديدات خطيرة.