من الصحافة الإيرانية: صفحة جديدة بين طهران وبيروت… لكن بأي شروط؟

تجد إيران نفسها الیوم مضطرة إلى إعادة صياغة سياساتها في لبنان وفق المتغيرات الجديدة، بحيث لا تعود النزاعات القديمة مع السعودية وحلفائها.

ميدل ايست نيوز: وصل عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، إلى بيروت صباح يوم الثلاثاء 4 يونيو الجاري، حيث التقى خلال زيارته كلاً من رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، ووزير الخارجية اللبناني كلّ على حدة. كما زار ضريح الشهيد السيد حسن نصرالله، وفي صباح الأربعاء التقى الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، الحليف غير الحكومي الأبرز لإيران في المنطقة.

وقالت صحيفة هم ميهن، في تقرير لها، أن زيارة عراقجي للبنان رغم خلوها من الجدل العلني، إلا أن التصريحات الرسمية التي تلت لقاءاته مع مسؤولي الحكومة اللبنانية الجديدة حملت في طياتها مؤشرات على تعقيدات وتحديات جدية في العلاقة بين طهران وبيروت.

وأكد عباس عراقجي خلال الزيارة أن إيران مستعدة لفتح “صفحة جديدة” في العلاقات الثنائية مع لبنان. ويبدو أن التطورات الأخيرة، التي أعقبت الحرب التي استمرت 13 شهراً بين حزب الله وإسرائيل وعمليات الاغتيال الواسعة لقيادات الحزب، إضافة إلى وصول حكومة جديدة إلى السلطة في لبنان تحظى بدعم كامل من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، دفعت إيران إلى إعادة ضبط سياساتها بما يتماشى مع الواقع الجديد في لبنان.

وكانت الإشارات إلى ضرورة تعزيز سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وحصر السلاح بيد الدولة، تحمل دلالات واضحة على سعي الحكومة اللبنانية الجديدة إلى نزع سلاح حزب الله وتقليص نفوذ هذا الحليف الإيراني في الجنوب اللبناني. حيث أصبح شعار “احتكار السلاح بيد الدولة” من الركائز الأساسية في خطاب الحكومة.

تتعامل الحكومة الجديدة مع مسألة سلاح حزب الله بوصفها قضية موازية لسلاح الفصائل الفلسطينية داخل الأراضي اللبنانية، وتؤكد أن كل الأسلحة الموجودة خارج إطار الجيش اللبناني يجب أن تُجمع. ويشدد مؤيدو هذا التوجه على أن المساعدات الدولية، بما في ذلك قروض صندوق النقد الدولي، مرهونة بتجريد حزب الله من سلاحه، وذلك بحسب شروط القوى الغربية المؤثرة كفرنسا والولايات المتحدة.

من جانبها، لطالما عبّرت إيران عن دعمها لما تسميه “سلاح المقاومة”، ويُعدّ حزب الله عنصراً محورياً في “محور المقاومة” الذي ترعاه إيران إقليمياً. وبالتالي، فإن أي مساعٍ لنزع سلاح الحزب تمثّل نقطة خلاف جوهرية بين طهران والحكومة اللبنانية الجديدة، حتى وإن لم يُصرّح بها صراحة في البيانات الدبلوماسية الرسمية.

مع ذلك، تصرّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أن موقفها الرسمي هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبنان. وقد أكد عراقجي، في تصريح للصحفيين في بيروت، أن إيران لا ترى لنفسها – ولا لأي دولة أخرى – الحق في التدخل في الحوارات الوطنية اللبنانية.

وكان نواف سلام، رئيس الوزراء اللبناني، قد صرح قبل أسبوعين لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن 80% من أهداف الحكومة في نزع سلاح الجماعات المسلحة في جنوب لبنان قد تحققت حتى الآن. وأضاف أن تنفيذ شروط وقف إطلاق النار من الجانب اللبناني قد نال حتى رضا الجانب الإسرائيلي، حيث نقلت الصحيفة عن مسؤول في الجيش الإسرائيلي قوله إن التزام الجيش اللبناني بوقف إطلاق النار كان “مرضياً للغاية” بل “أكثر فاعلية مما توقعنا”.

وفي تقرير غير مؤكد نقلته قناة “العربية” السعودية، قيل إن عراقجي طمأن نظيره اللبناني بأن “مسألة جمع سلاح حزب الله هي شأن لبناني صرف”. كما شدد مجتبى أماني، سفير إيران في بيروت، في مقابلة مع قناة “الجديد”، على أن قضية نزع سلاح الحزب “مسألة داخلية لبنانية” وأن “إيران لن تتدخل فيها”.

لا شك في أن إيران لا ترغب في قطع علاقاتها المباشرة مع حزب الله، لكنها في الوقت ذاته ترى أن التعاون مع الحكومة اللبنانية الجديدة ضروري، من جهة لضمان استمرار دعمها لحزب الله، ومن جهة أخرى كجزء من مساعيها الإقليمية للمصالحة، ومنها تطبيع العلاقات مع السعودية، مما يجعل العلاقة الإيجابية مع حكومة مدعومة من الرياض في بيروت، انعكاساً لتحسن العلاقة مع المملكة.

على مدى عقود، كانت إيران والسعودية في حالة صراع بالوكالة في لبنان. فمنذ اغتيال رفيق الحريري، انقسمت الطوائف والأحزاب اللبنانية إلى معسكرين أحدهما موالٍ لإيران والآخر موالٍ للسعودية. لكن المتغيرات الإقليمية الكبرى، ومن أبرزها اتفاق تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية بوساطة صينية، غيّرت هذا المشهد، وأنهت فعلياً حقبة النزاعات الإقليمية غير المباشرة، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من التنافس الإقليمي السلمي على النفوذ والمصالح. كما أن الانهيار التدريجي لنظام بشار الأسد كان له أثر كبير في إعادة تشكيل موازين القوى داخل لبنان.

في ظل هذه المستجدات، تجد إيران نفسها مضطرة إلى إعادة صياغة سياساتها في لبنان وفق المتغيرات الجديدة، بحيث لا تعود النزاعات القديمة مع السعودية وحلفائها، وفي الوقت ذاته تضمن الحفاظ على مصالحها وشركائها داخل لبنان من دون تعريضهم للخطر.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى