من الصحافة الإيرانية: التنافس الإقليمي بين تركيا وإسرائيل بعد سقوط الأسد وانسحاب إيران من سوريا
أحدث سقوط نظام الأسد وخروج إيران من سوريا تحولات كبرى دفعت تركيا وإسرائيل إلى مرحلة جديدة من المنافسة الجيوسياسية.

ميدل ايست نيوز: أدت التحولات الجيوسياسية العميقة في سوريا، ولا سيما مع سقوط نظام بشار الأسد وانسحاب إيران الكامل وقواتها الحليفة من الأراضي السورية، إلى تغيّر ميزان القوى في بلاد الشام. في هذا السياق، دخلت تركيا وإسرائيل، وهما قوتان إقليميتان بارزتان، في منافسة متزايدة على النفوذ واقتسام الأدوار وممارسة القوة داخل سوريا. إذ تسعى تركيا إلى تأمين عمقها الاستراتيجي جنوباً، في حين تسعى إسرائيل إلى ترسيخ أمن حدودها الشمالية. يحاول هذا المقال تقديم صورة شاملة عن هذه المنافسة المعقدة من خلال تحليل مصالح الطرفين، وتحديد نقاط التباين الاستراتيجي، وطرح سيناريوهات محتملة للمستقبل.
-
مصالح تركيا وإسرائيل في سوريا ما بعد الأسد
أ) تركيا: إعادة بناء النفوذ العثماني على الحدود الجنوبية
سقوط الأسد منح تركيا فرصة ذهبية لتحقيق رؤيتها بعيدة المدى المتمثلة في تحويل شمال سوريا إلى منطقة عازلة خاضعة لنفوذ أنقرة. ويمكن تلخيص مصالح تركيا في عدة محاور:
- السيطرة على الشريط الحدودي ومواجهة التهديدات الكردية: يتمثل القلق التركي الأبرز في سوريا بنمو الجماعات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، مثل “وحدات حماية الشعب” (YPG) و”حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD). ومع انهيار الحكومة المركزية في دمشق، تسعى أنقرة إلى ترسيخ وجودها العسكري والاستخباراتي في تلك المناطق ومنع قيام كيان كردي مستقل قد يغذي النزعة الانفصالية لدى أكراد تركيا.
- إعادة اللاجئين السوريين: تستضيف تركيا أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري وتواجه ضغوطاً داخلية واقتصادية كبيرة. إنشاء مناطق آمنة في شمال سوريا يخدم أهدافاً أمنية، ويمنح أنقرة فرصة لإعادة اللاجئين بشكل منضبط وتوسيع نفوذها الثقافي والاجتماعي.
- زيادة النفوذ السياسي في الهيكل الحكومي السوري المستقبلي: تسعى تركيا، عبر مجموعات مثل “الجيش الوطني السوري” وجماعات محلية، إلى التأثير على شكل الحكومة السورية المقبلة. ويُعد دعم الفصائل الإسلامية المعتدلة أو القريبة من الإخوان المسلمين جزءاً من الاستراتيجية التركية لتعزيز حضورها في دمشق الجديدة.
- الطموح لأن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة: تخطط تركيا منذ سنوات لأن تكون مركز توزيع للطاقة في شرق المتوسط. يشمل ذلك نقل خطوط أنابيب الغاز من دول مثل كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان عبر ممر تركيا-سوريا إلى البحر المتوسط أو أوروبا، رغم التحديات الكبرى التي تعترض هذا المسار.
ب) إسرائيل: تأمين حدود الجولان والتخلص من التهديدات الاستراتيجية
بالنسبة لإسرائيل، فإن التغيّرات في سوريا تمثل فرصة لإعادة ترتيب بيئتها الأمنية في الشمال، والتي كانت مشحونة على مدى سنوات بسبب الوجود الإيراني وحزب الله. وتتمثل المصالح الإسرائيلية الأساسية في:
- إنشاء منطقة عازلة آمنة في جنوب سوريا: تسعى إسرائيل لتحويل الجنوب السوري إلى منطقة خالية من الجماعات الراديكالية، سواء كانت سنّية أو شيعية. وترى تل أبيب أن أي حالة عدم استقرار قرب الجولان تمثل تهديداً مباشراً لها.
- توسيع النفوذ الاستخباراتي في البنية السورية الجديدة: تحاول إسرائيل إقامة اتصالات سرية مع مجموعات محلية في محافظات مثل درعا والقنيطرة لتعزيز نفوذها المعلوماتي وتحييد التهديدات المحتملة مسبقاً.
- القضاء على القدرات العسكرية للخصوم المحتملين: في سوريا ما بعد الأسد، ترغب إسرائيل في إنهاء أي تهديد مستقبلي ولو كان بسيطاً، سواء من جماعات متشددة أو ميليشيات موالية لتركيا.
-
التناقضات الاستراتيجية بين تركيا وإسرائيل
أ) اختلاف الأولويات الأمنية
تركز تركيا على منع قيام كيان كردي وعلى إعادة اللاجئين، بينما يتمثل الهاجس الرئيسي لإسرائيل في ضبط حدود الجولان وتحجيم التهديدات الأيديولوجية والعسكرية. من هذا المنطلق، فإن خطوات تركيا في الشمال السوري، مثل دعم “الجيش الوطني” أو توطين العرب في المناطق الكردية، قد تُنظر إليها في تل أبيب كمصدر محتمل لعدم الاستقرار في الجنوب.
ب) الخلاف حول نموذج الحكم المستقبلي في سوريا
تفضّل تركيا قيام حكومة إسلامية معتدلة ذات توجهات إخوانية، في حين تفضل إسرائيل حكومة علمانية محايدة مدعومة من الغرب، بعيدة عن أي أيديولوجيا راديكالية. هذا التباين الأيديولوجي قد ينعكس في تنافس على الساحة الدولية لتشكيل الهيكل السياسي المستقبلي لسوريا.
ج) التنافس على شبكات النفوذ المحلية
تركيا تدعم شبكة واسعة من الجماعات العسكرية والمدنية في شمال سوريا، فيما تحاول إسرائيل بناء علاقات مع قبائل ومجموعات محلية في الجنوب. هذا التداخل في دوائر النفوذ داخل دمشق أو على الحدود قد يؤدي إلى احتكاكات غير مباشرة متكررة.
-
السيناريوهات المحتملة للمنافسة أو الصدام
السيناريو الأول: إدارة دبلوماسية للمنافسة عبر القوى الكبرى
في هذا السيناريو، تتوصل تركيا وإسرائيل إلى تفاهم حول خطوطهما الحمراء، ويتم ضبط التنافس من خلال وساطة أمريكية أو روسية. تسعى الدولتان إلى ترسيم مناطق نفوذهما وتجنب المواجهة المباشرة. ويصبح هذا السيناريو مرجحاً إذا واجهت تركيا أو إسرائيل أزمات داخلية تضطرهما إلى التركيز على الاستقرار الخارجي.
السيناريو الثاني: صراع بالوكالة داخل الساحة السورية
إذا تقاطعت مناطق النفوذ في سوريا، قد تلجأ الدولتان إلى استخدام وكلائهما (مثل الجيش الوطني شمالاً أو مجموعات محلية جنوباً) لتصفية الحسابات. وقد يؤدي هذا إلى مواجهات ميدانية محدودة، أو اغتيالات مدروسة، أو عمليات استخباراتية متبادلة.
السيناريو الثالث: تحالف تكتيكي ضد جهات متطرفة جديدة
في حال عادت تنظيمات إرهابية مثل داعش أو فروع القاعدة للظهور في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، قد تنسق تركيا وإسرائيل بشكل مؤقت عمليات استخباراتية أو عسكرية. سيكون هذا التعاون قصير الأمد ويهدف إلى خفض التصعيد المرحلي.
السيناريو الرابع: مواجهة مباشرة عسكرية أو دبلوماسية
في حال خرق أحد الطرفين الخطوط الحمراء للطرف الآخر (مثل شن إسرائيل هجوماً جوياً على قافلة عسكرية تركية أو قيام جماعات موالية لإسرائيل بقطع الإمداد التركي)، قد تنشب مواجهة مباشرة، وإن كانت محدودة. هذا السيناريو أقل احتمالاً لكنه أكثر تكلفة.
خلاصة
أحدث سقوط نظام الأسد وخروج إيران من سوريا تحولات كبرى دفعت تركيا وإسرائيل إلى مرحلة جديدة من المنافسة الجيوسياسية. ورغم التباين الحاد بين مصالح البلدين الأمنية والاستراتيجية، فإن احتمالات إدارة هذه المنافسة دبلوماسياً تظل قائمة.
وفي نهاية المطاف، لا يتوقف مستقبل سوريا على التفاعلات الداخلية فحسب، بل يرتبط إلى حد كبير بكيفية تعامل تركيا وإسرائيل مع توازنات النفوذ. وإذا فشل الطرفان في ترسيم مناطق تأثير واضحة، فقد تدخل سوريا مرحلة جديدة من الحرب بالوكالة بين القوتين الإقليميتين.
رسول عبداللهيان
خبير كبير في العلاقات الدولية