تضييق أميركي على مرتبات “الحشد الشعبي”

دخلت مرتبات أفراد "الحشد الشعبي" دائرة الضغط الأميركي على الحكومة العراقية، بعد مرور نحو أسبوعين على تأخر استحقاق دفع مرتباتهم عبر مصرف الرافدين الحكومي العراقي.

ميدل ايست نيوز: دخلت مرتبات أفراد “الحشد الشعبي” المظلة الجامعة لأكثر من 70 فصيلاً مسلحاً في العراق، دائرة الضغط الأميركي على الحكومة العراقية، بعد مرور نحو أسبوعين على تأخر استحقاق دفع مرتباتهم عبر مصرف الرافدين الحكومي العراقي، وفقاً لما أكدته عدة مصادر سياسية وبرلمانية وأخرى من داخل “الحشد الشعبي”، لموقع “العربي الجديد“، وسط صمت رسمي حكومي.

وهذه المرة الأولى التي تتأخر فيها حكومة بغداد بدفع مرتبات ما يفوق عن 200 ألف عنصر من أفراد “الحشد الشعبي”، إذ كان من المقرر أن تصل إليهم عبر مصرف الرافدين الحكومي، ومن خلال حساباتهم في شركة “كي كارد” العراقية المحلية في 22 من الشهر الماضي. لكن لغاية الآن لم يتم دفع أي من مستحقاتهم الشهرية. كما أن الموازنة التشغيلية لـ”الحشد الشعبي”، الخاصة بالوقود والمعدات وغيرها التي تصدر شهرياً من حساب “هيئة الحشد الشعبي” في مصرف الرافدين، لم تُطلق منذ مطلع الشهر الماضي.

ويعتمد العراق على شركة “كي كارد” بشكل أساس وسيطاً في إرسال المرتبات للموظفين بالقطاع الحكومي. وهي شركة تعمل في مجال الدفع الإلكتروني منذ عام 2007 وسيطاً بين القطاعين العام والخاص، ومعتمدة من قبل مصرف الرافدين الذي يتولى عملياً توزيع مرتبات موظفي الدولة العراقية. وتعتبر هذه الشركة أكبر جهة لإصدار بطاقات الدفع الإلكتروني في العراق، وتقدم خدمات الدفع الإلكتروني لما لا يقل عن 12 مليون عراقي وتمتلك منافذ لها في مختلف مدن البلاد.

تأسست “هيئة الحشد الشعبي” بشكل رسمي عام 2016 بعد تصويت مجلس النواب على قانون تشكيلها الذي حمل الرقم 40. وفي عام 2020، تمت معادلة راتب العنصر في “الحشد الشعبي” براتب الجندي في الجيش العراقي، والبالغ مليوناً و250 ألف دينار، أي قرابة الألف دولار أميركي شهرياً، إلى جانب المخصصات نفسها المتعلقة بالسكن وغيرها، مع التأكيد على توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عملياً ما زال كل فصيل مسلح في “الحشد” محافظاً على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلاً عن تقاسم مناطق النفوذ والوجود بين مختلف المحافظات التي ينتشر فيها.

ويضم “الحشد الشعبي” أكثر من 70 فصيلاً وتشكيلاً مسلحاً في البلاد، بعدد من المنتسبين يصل إلى أكثر من 200 ألف منتسب، موزعين على مختلف الفصائل، بعدما كانوا حتى عام 2021 قرابة 140 ألف مقاتل، وزاد عددهم جراء إضافة الفصائل منتسبين جدداً إليها، وآخرين يعرفون بـ”المفسوخة عقودهم”، ناهيك بتعيين آلاف الشبان لدوافع سياسية وانتخابية.

أين مرتبات “الحشد الشعبي”؟

وخلال الأيام الماضية، رفعت عدة منصات على وسائل التواصل الاجتماعي، مرتبطة بالفصائل المسلحة، وُسوماً مثل “أين مرتبات الحشد”، و”وين المرتبات”، خصوصاً بعد تسلم باقي موظفي الدولة العراقية ومن مختلف المؤسسات مرتباتهم بالموعد المقرر، بمن فيهم المنتمون لفئة المتقاعدين

. وغاب أي توضيح من الحكومة أو وزارة المالية، بينما تحدثت شخصيات مقربة من “الحشد الشعبي” في تصريحات عن “خلل فني” في نظام الدفع. لكن ميثم الزيدي، قائد “فرقة العباس”، وهو فصيل مسلح تابع لمرجعية النجف ومقرب من المرجعية الدينية ضمن ما يُعرف بـ”حشد العتبات”، ظهر خلال الأيام القليلة الماضية في تسجيل مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيه إن السبب المباشر لتأخر صرف رواتب منتسبي “الحشد الشعبي” هو إنذار رسمي من وزارة الخزانة الأميركية، وُجّه إلى الشركة المسؤولة عن دفع مرتبات “الحشد”، وهي شركة “كي كارد”، ما دفعها إلى الانسحاب وإبلاغ مصرف الرافدين و”هيئة الحشد الشعبي” بذلك.

وكشف الزيدي، الذي عُرف بانتقاداته الشديدة لبعض قيادات “هيئة الحشد الشعبي”، أن “عقوبات أميركية قد تحرم عناصر الهيئة من رواتبهم والجهات المعنية، وإذا لم تتخذ إجراءات معينة فإن وزارة الخزانة الأميركية ستفرض عقوبات على الشركة الوسيطة المكلفة بتسليم الرواتب”.

وأضاف الزيدي أن “البنك الفيدرالي ووزارة الخزانة الأميركيين أبلغا هيئة الحشد الشعبي ومصرف الرافدين بضرورة إيقاف الشركة المشرفة على توزيع مرتبات منتسبي الحشد، رغم أن الرواتب مؤمنة وتم صرفها من قبل وزارة المالية”.

وذكر أن “المشكلة تكمن في طريقة صرفها، بسبب امتناع شركة الدفع كي كارد عن ذلك خشية تعرضها لعقوبات أميركية”. وأشار قائد فرقة العباس إلى أن “المشكلة تقع على عاتق الإدارة المالية في هيئة الحشد الشعبي، فعليها العمل بشكل سليم لمعالجة المشكلة، كما يجب الإسراع بتسليم الرواتب بالطرق القديمة أي نظام التسليم المباشر، كما يجب تجنب الوقوع في مشاكل مقبلة مع الجانب الأميركي”.

ما عزّز تصريحات الزيدي هو إشارة الدائرة المالية والإدارية في “هيئة الحشد الشعبي” في بيان، السبت الماضي، إلى استبدال البطاقات المصرفية الخاصة بالمرتبات والانتقال من مصرف الرافدين إلى مصرف النهرين، ضمن تفسير غير مباشر له بشأن تأخر المرتبات عن أفراده. وفسر متابعون هذه الخطوة بأنها تأكيد ضمني لانسحاب شركة “كي كارد” بضغط أو تهديد بالعقوبات الأميركية.

لكن الإدارة المالية لـ”الحشد الشعبي”، أوصحت أمس الثلاثاء، أن تأخر دفع المرتبات سببه “إشكال فني”، نتيجة تغيير أنظمة الصرف الخاص بـ”الحشد”. وأكّدت في بيان صدر عن رئاسة “هيئة الحشد الشعبي” أنها ستبدأ صرف مرتبات المنتسبين خلال الأيام المقبلة، عبر منافذ صرف معتمدة، بما في ذلك أيام العطل الرسمية، مع زيادة منافذ التوزيع لأفراد “الحشد الشعبي”.

وأضاف البيان: “نؤكد أن الإشكال نتيجة تغيير في أنظمة الصرف المعتمدة. وستتم عملية الصرف بشكل طبيعي ومنتظم اعتباراً من الشهر المقبل، دون أي معوقات”. وأشار إلى أن “جميع حقوق المجاهدين محفوظة، وأن هذه الإشكالات ناتجة عن تحديث النظام، بما يضمن حماية الرواتب من أي خلل أو مساءلة قانونية للمصارف أو الجهات الوسيطة”.

من جهة أخرى نفى البيان ما وصفها بـ”الإشاعات المتداولة بشأن وجود عقوبات على الشركات التي تقوم بصرف رواتب الحشد”، مشدداً على أن “جميع الرواتب مؤمَّنة بالكامل، ولا يوجد أي مانع قانوني أو إداري من صرفها”.

وكان ماجد شنكالي، النائب في البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، قال في تصريح صحافي، أول من أمس الاثنين، إن “موضوع تأخر صرف الرواتب موضوع مصرفي بحت، إذ إن أميركا تبحث عن آلية صرف مبلغ 2.7 مليار دولار باعتباره ميزانية للحشد”. وأوضح أن “الجانب الأميركي يرى أن تلك المبالغ يذهب القسم الكبير منها لجيوب متنفذين فاسدين مقربين من إيران”.

ضغط أميركي

في هذا السياق، قال علي الفتلاوي، القيادي في “تحالف الفتح”، الذي يُمثل الجناح السياسي لعدد كبير من فصائل “الحشد الشعبي”، إن وزارة الخزانة الأميركية تمارس تهديدات وضغط بملف مرتبات “الحشد الشعبي”.

وأضاف: “من المؤكد أن تأخر الرواتب سببه وزارة الخزانة الأميركية والقرارات التي تضع الحشد الشعبي في غير موضعه الحالي”.

وعلى الحكومة العراقية، وفق الفتلاوي، “الاعتبار بأن الحشد هو صمام أمان بالنسبة العراقيين ويجب أن تتعامل مع هذا الملف بحذر تام، وألا تسمح للولايات المتحدة بأن تُجزئ النظام الأمني حسب مصالحها هي لا حسب مصالح العراق والعراقيين”.

وبرأي الفتلاوي، فإن إيقاف رواتب أفراد في الحشد الشعبي “خطة أميركية من خلال الضغط على الشركة المُوطّنة للرواتب، ومخطط كبير وخطير، خصوصاً مع قرب انتخابات مجلس النواب (في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل)”.

وأوضح أن “استمرار هذه الأزمة دون حلول سريعة سيفاقمها وربما يدفع بعض المتضررين للنزول إلى الشارع من أجل المطالبة بحقوقهم المشروعة كحال باقي موظفي الدولة العراقية”.

باعتقاد الفتلاوي، فإن “الحشد الشعبي” هو المدافع عن العراق وتشكَّل بفتوى المرجع الديني علي السيستاني، “لذلك فإن أميركا تريد إيجاد أو خلق فتنة داخلية، الغرض منها الضغط على الحكومة من أجل شيء معين”. وبرأيه، فإن “هذا الشيء مرتبط بالنصر الذي حققته الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الكيان الصهيوني”، عقب الحرب التي استمرت 12 يوماً وانتهت في 24 يونيو/ حزيران الماضي.

كما أكد مصدر حكومي عراقي لموقع “العربي الجديد”، وجود ضغوط أميركية على العراق تتعلق بـ”الحشد الشعبي”، مضيفاً في اتصال هاتفي أن “واشنطن لا تعترف أو لا تريد اعتماد موقف الحكومة العراقية بأن الحشد منظومة أمنية، وتنظر إليه باعتباره تشكيلاً يجمع الفصائل الموالية أو المدعومة من إيران”.

وطرح المصدر ذاته، وهو مستشار برئاسة الوزراء، إمكانية دفع المبالغ لأفراد “الحشد الشعبي” بطريقة النقد (كاش) من مقراتهم، خلال الفترة القريبة المقبلة، في حال تأخر نقل بياناتهم إلى شركة محلية مالية أخرى. لكنه في الوقت نفسه اعتبر الضغوطات الأميركية “بداية لا أكثر”.

وقال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي معين الكاظمي، إن “التأخر بدفع الرواتب هو إيقاف جاء بضغط أميركي على مصرف الرافدين والشركة الخاصة بعملية توزيع الرواتب بشكل شهري”. وأوضح أن هذا الإيقاف “جاء بعد تهديد تلك الشركة بشمولها بالعقوبات إذا ما صرفت الرواتب”.

وينذر إيقاف رواتب “الحشد الشعبي”، وفق الكاظمي، بـ”أزمة سياسية وشعبية”، معتبراً أن هذا الأمر “له هدف أميركي”. وأوضح أن أميركا “تريد إدخال الحشد الشعبي في مشاكل داخلية والتأثير على الوضع الداخلي، ويجب الحذر من ذلك ومعرفة خطورة هذه الخطوة على المستوى الحكومي والشعبي”.

وأكد قائلاً في هذا السياق: “نحن على تواصل مع وزارة المالية لإيجاد حلول سريعة وتوزيع الرواتب خلال اليومين المقبلين”، محذراً من أن “الصمت الحكومي على التدخل الأميركي في ملف رواتب أفراد الحشد الشعبي، وعدم إصدارها أي توضيح يثير القلق والاستغراب”. وشدد على ضرورة “أن يكون هناك موقف حكومي برفض هذا التدخل”، معتبراً أن “الحكومة ملزمة بإطلاق رواتب هولاء، حالهم حال موظفي الدولة العراقية”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى