من الصحافة الإيرانية: کیف اختارت أوروبا بأن تکون أداة لتنفيذ السياسات الأمريكية في العالم؟

اختارت الدول الأوروبية خلال السنوات الثلاث الماضية نهجاً سياسياً أدى على المدى البعيد إلى تقويض ما تبقى من نفوذها وحوّلها إلى أدوات أو في أفضل الأحوال شركاء ثانويين في تنفيذ السياسات الأمريكية.

ميدل ايست نيوز: اختارت الدول الأوروبية، ولا سيما الدول الثلاث ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، خلال السنوات الثلاث الماضية، نهجاً سياسياً أدى على المدى البعيد إلى تقويض ما تبقى من نفوذها، وحوّلها إلى أدوات أو في أفضل الأحوال شركاء ثانويين في تنفيذ السياسات الأمريكية.

وقالت وكالة إرنا الحكومية في تقرير لها، إنه في ظل الأزمات العالمية الراهنة، يُطرح سؤال جوهري: ما الدور والفاعلية التي حددتها أوروبا لنفسها في هذه الأزمات، وما مدى نجاحها في أداء هذه الأدوار؟ الإجابة عن هذين السؤالين يمكن أن تكشف ما إذا كانت الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي قد تمكّنوا من الدفاع عن ما تبقى من مصداقيتهم وهويتهم في النظام الدولي. الملف النووي الإيراني والحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية بذريعة هذا الملف، والحرب الروسية الأوكرانية، والصراع في غزة، تمثل ثلاث قضايا عالمية مهمة ومترابطة، ويتطلب تقييم دور أوروبا النظر في أدائها في هذه الملفات الثلاثة.

حتى 24 فبراير 2022، تاريخ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كانت العلاقات بين إيران وأوروبا متقلبة لكنها مستقرة نسبياً. غير أن هذا التاريخ شكّل نقطة تحول، إذ بدأت أوروبا تدريجياً تبتعد عن إيران. الاتهامات الموجهة لطهران بإرسال أسلحة وطائرات مسيّرة إلى روسيا لاستخدامها في أوكرانيا، رغم غياب الأدلة الموثقة، كانت أبرز ذريعة لانكفاء الترويكا الأوروبية عن التعامل مع إيران.

وقد اعتبرت لندن وباريس وبرلين إيران تهديداً وجودياً لأمنها، رغم تأكيد إيران المتكرر أن إنهاء النزاعات، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، هو مطلبها الأساسي من المجتمع الدولي. ورغم أن أوروبا أظهرت اصطفافاً واضحاً إلى جانب واشنطن ضد إيران في تلك المرحلة، إلا أن هذا الاصطفاف لم يكن أداةً مباشرة أو شريكاً مكملاً. تصاعد التوتر بين إيران وأوروبا في خريف وشتاء عامي 2022–2023، على خلفية الأحداث الداخلية الإيرانية، وسجلت تلك المرحلة هجمات متكررة على السفارات الإيرانية في العواصم الأوروبية. في هذه الفترة، تحولت السياسات الأوروبية تجاه إيران إلى موقع المكمّل الفعلي للسياسات الأمريكية. استخدمت أوروبا ذرائع حقوق الإنسان لتبرير برودة علاقاتها مع طهران، وهي سمة ميّزت اللقاءات والمحادثات بين الجانبين منذ ذلك الحين.

وقد جاء هذا الفتور في العلاقات نتيجة قرار أوروبي واعٍ، تحوّلت فيه أوروبا إلى أداة وشريك في ممارسة الضغوط الأمريكية على إيران. إلا أن هذا الخيار الواعي أدخل أوروبا، مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ونهجه السياسي الخاص، في حالة من التهميش الواضح، انعكست على مواقفها في الملف النووي الإيراني، وفي أزمة أوكرانيا، وفي حرب غزة والمنطقة.

وأثار استبعاد أوروبا من مسارات التفاوض مع إيران وروسيا وحركة حماس، لديها شكوكاً بأن واشنطن بصدد تقويض دورها في المعادلات العالمية. ولهذا، لجأت الترويكا الأوروبية إلى تفعيل “آلية الزناد” في الملف الإيراني، ليس فقط للضغط على طهران، بل أيضاً للفت انتباه الإدارة الأمريكية، ولا سيما ترامب، إلى إمكانية الاستفادة من هذا الملف كأداة ضغط إضافية.

لكن الواقع أن ترامب لم يسمح لأوروبا بالمشاركة لا في مفاوضات استعراضية ولا في مواجهات ميدانية مع إيران. ومع ذلك، فإن ردود فعل الترويكا الأوروبية على هذا التهميش كانت لافتة، إذ حاولت فرنسا من خلال مزاعم اعتراض طائرات إيرانية مسيّرة، وألمانيا عبر التلويح بمفردات تذكّر بفترة هتلر، إظهار نفسها كشريك تابع أو مكمّل للسياسات الأمريكية، وهو ما سيسجل بلا شك في تاريخ العلاقات الدولية للقارة.

أما تداعيات تراجع الفاعلية الأوروبية في النظام الدولي، فلا تقتصر على اللحظة الراهنة أو المواجهة مع إيران فقط، بل تمثل مساراً مزمناً بدأ في التحول إلى حقيقة. فبريطانيا وفرنسا، رغم عضويتهما في مجلس الأمن، باتتا خارج حسابات اللاعبين الأساسيين، لا سيما في منطقة غرب آسيا. فقد تراجعت أولوية العلاقة مع أوروبا لدى دول مثل سوريا ولبنان والعراق ودول مجلس التعاون، إلى مرتبة ثالثة أو حتى رابعة، لا سيما وأن القارة لم تستطع أن تؤدي حتى دور الوسيط اللفظي في حرب غزة.

وقد حولت بعض خيارات أوروبا، طوعاً أو كرهاً، إلى أداة ضمن عقيدة ترامب القائمة على التوظيف السياسي، بحيث تُستَخدم عند الحاجة لتشديد الضغط. ومنذ اللحظة الأولى، أظهر ترامب أن تعاونه مع أوروبا سيكون مشروطاً بتحقيق مكاسب أمريكية، لا تعاطفاً مع أزمات القارة.

وقد أثّرت العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل عميق على هوية أوروبا ونظامها القيم، بل جعلت علاقاتها الدولية رهناً بها. ولتجاوز هذا المأزق، تحتاج أوروبا إلى مبادرات تتجاوز الدعوة لضبط النفس، وأدوات تتخطى العقوبات والتهديدات. ويمكن أن يشكل الملف النووي الإيراني فرصة لكسر جمود السياسة الأوروبية واستعادة شيء من هويتها الأصلية، ولو لفترة محدودة وبشروط محسوبة، بعيداً عن هيمنة العقيدة الأمريكية القائمة على التوظيف.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى