من الصحافة الإيرانية: الحرب مع إسرائيل والحاجة إلى إعادة تعريف العلاقات الإيرانية الصينية

إن إعادة تعريف العلاقات مع القوى الصاعدة والمؤثرة مثل الصين، لم تعد مجرد خيار تكتيكي أمام إيران، بل أصبحت ضرورة استراتيجية.

ميدل ايست نيوز: أظهرت التحولات المتسارعة في النظام العالمي واندلاع الصراعات المفاجئة مرتفعة الكلفة، كالحرب التي استمرت 12 يومًا مؤخرًا بين إيران وإسرائيل، مجددًا أنّ الاعتماد على البُنى التقليدية للسياسة الخارجية والتحالفات المتآكلة لم يعد كافيًا لتلبية متطلبات المرحلة، بل وقد يترتب عليه أعباء أمنية واقتصادية جديدة لإيران.

في ظل هذا الواقع، فإن إعادة تعريف العلاقات مع القوى الصاعدة والمؤثرة مثل الصين، لم تعد مجرد خيار تكتيكي، بل أصبحت ضرورة استراتيجية. ولا يُراد من هذه الإعادة إنشاء تحالفات ظرفية، بل تسخير إمكانات قوة عالمية كالصين بشكل دقيق ومدروس، من أجل ضمان مصالح دائمة لإيران على المستويات الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية.

من الواضح أن الصين لا يمكن إدراجها في الحسابات الدبلوماسية على غرار باقي الدول. فالطابع البيروقراطي لهذا البلد، وخصائصه الثقافية، والأهم من ذلك نمط تفاعله الاقتصادي والاستراتيجي الفريد، يتطلب مقاربة خاصة في التعامل. ومن هنا، فإن الخطوة الأولى في سبيل إعادة تعريف العلاقة تكمن في إعادة بناء هيكل التمثيل السياسي الإيراني في الصين. ويبدو أن عملية اختيار الكوادر، من السفير حتى أدنى المراتب القنصلية، يجب أن تتم بأسلوب دقيق ومختلف. وهي ضرورة لم تُراعَ بالشكل المطلوب في الدورات الثلاث الأخيرة من تمثيل إيران لدى الصين، ما وجّه رسالة واضحة للجانب الصيني بأن طهران لا تزال إما مترددة أو غير منظمة أو، في أفضل الأحوال، غير جادة في بلورة موقع الصين ضمن سياستها الخارجية.

وذلك في وقت بات فيه وجود شخصيات متمكنة من اللغة الصينية في رأس البعثات السياسية والاقتصادية أمرًا لا يُعد ميزة بل ضرورة حتمية. فهذه اللغة تمثل الوسيلة الأساسية لفهم المفاهيم وتفكيك الرموز الثقافية والدخول في حوار حقيقي مع صانعي القرار الصينيين الذين لا يعبرون عن رؤاهم ضمن الإطار الإنجليزي بل من خلال تقاليدهم الثقافية المحلية.

ومن جهة أخرى، يجب الحذر في استخدام مصطلحات من قبيل “الشراكة الاستراتيجية”. فطالما أن الطرفين لا يستطيعان أن يعوّلا فعليًا وعمليًا على بعضهما البعض في ضمان مصالحهما الجوهرية، فإن هذا التعبير يظل أقرب إلى الأمنية منه إلى الواقع. فلا تزال العلاقات بين إيران والصين تفتقر إلى بنية منسجمة ومرجعية واضحة لصنع القرار وخطة عمل منسقة؛ وهو ما جعل سلوك إيران تجاه الصين يبدو لبكين متضاربًا وغير دقيق. فالشراكة الاستراتيجية لا تكتسب معناها الحقيقي إلا عندما يكون هناك إدراك وانخراط استراتيجي متبادل في المصالح.

وقد يكون الهدف أو العدو المشترك نقطة ارتكاز لهذا الإدراك. فمثلًا، استطاعت باكستان بفضل عداوتها التاريخية مع الهند أن تُشرك الصين استراتيجيًا في تأمين مصالحها. أما في الحالة الإيرانية، فإن قضية أمن الطاقة في شرق آسيا واعتماد الصين المتزايد على مسارات نقل الطاقة من الخليج، يمكن أن تملأ هذا الدور. خصوصًا في ظل سعي السعودية إلى تقليل الأهمية الجيوسياسية لإيران من خلال إنشاء بنى تحتية بديلة في البحر الأحمر، بإمكان إيران، عبر التعاون مع الصين في مجال تطوير البنى اللوجستية وسلاسل تحويل النفط وتنفيذ مشاريع عابرة للحدود، أن تجعل من الخليج موقعًا لا غنى عنه بالنسبة لبكين، ما يعزز قيمة إيران الجيو-اقتصادية ضمن استراتيجية الطاقة الصينية.

وفي الاتجاه ذاته، فتحت مواطن الضعف لدى بعض اللاعبين الإقليميين فرصًا جديدة. إذ وفّر الأداء الضعيف للهند في مشروع تشابهار فرصة أمام الصين للدخول تدريجيًا في مجالات اقتصادية أقل حساسية، مثل الزراعة والصناعات المرتبطة بها في منطقة مكران وبلوشستان. ويمكن لإيران، من خلال تحديد دقيق لمجالات مثل إنتاج المحاصيل المدارية، وإنشاء محطات تحلية المياه، أو تربية الأسماك بالأقفاص، أن تفتح الطريق أمام دخول الصين إلى هذه المناطق بشكل مدروس ومضبوط. كما أن مشاركة الصين في مرافئ نفطية مختارة داخل الخليج (وليس خارجه حتى وإن كانت ضمن المياه الإقليمية الإيرانية) قد تشكّل وسيلة لربط المصالح الصينية بالمنطقة بشكل دائم، ما من شأنه أن ينعكس استقرارًا سياسيًا وأمنيًا.

ومن أبرز العوامل التي قد تُعمّق العلاقات بين إيران والصين، التركيز على القدرات التكنولوجية والابتكارية الصينية. فالصين لم تعد مجرد بلد يقلّد التكنولوجيا، بل باتت قوة ابتكار تنافس الغرب. وقد أدّى هذا التحوّل إلى زيادة حساسية الغرب وخلق مواجهات جديدة معها. وفي هذا السياق، على إيران أن تضع نفسها كشريك تكنولوجي من خلال إطلاق مشاريع مشتركة في مجالات مثل الصناعات الغذائية، والزراعة الحديثة، والاتصالات، والصناعات الدوائية، والتعدين.

وبناءً عليه، فإن انتظار دعم صريح وعملي من الصين لإيران، لا سيّما على المستويين العسكري أو الأمني، لا يبدو واقعيًا. لكن إذا استطاعت إيران أن تعرّف موقعًا خاصًا واستثنائيًا لها داخل الاستراتيجية الكبرى للصين، وأن تستند إلى مزاياها في الموقع الجغرافي والبنى اللوجستية واحتياطاتها غير المستثمرة، وأن تؤدي دورًا فاعلًا في مبادرات مثل “الحزام والطريق”، فعندها يمكن أن تستفيد من دعم صيني ملموس، حتى وإن اقتصر على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية.

محمد حسين محمدي
محلل في الاقتصاد السياسي الدولي

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 + 13 =

زر الذهاب إلى الأعلى