من الصحافة الإيرانية: هل تكون الصين الوسيط الجديد في المحادثات النووية؟

تتزايد التكهنات بشأن الدور الذي قد تلعبه بكين بين طهران وواشنطن، وذلك في أعقاب الهجوم العسكري الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية في 22 يونيو.

ميدل ايست نيوز: تتزايد التكهنات بشأن الدور الذي قد تلعبه بكين بين طهران وواشنطن، وذلك في أعقاب الهجوم العسكري الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية في 22 يونيو. وفي هذا السياق، قدمت الصين، إلى جانب باكستان وروسيا، مسودة قرار إلى مجلس الأمن الدولي تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في منطقة الشرق الأوسط. ويعود رفض الصين الشديد للتحركات الهجومية التي تقوم بها إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران إلى مخاوف اقتصادية عميقة لدى بكين من تداعيات حرب طويلة الأمد في المنطقة.

ومع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المنشآت النووية والبنى التحتية العسكرية الإيرانية، اعتبرت الصين هذه التطورات تهديداً خطيراً للأمن الدولي. ففي 13 يونيو، حذر لين جيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قائلاً: “التصعيد المفاجئ للتوترات في المنطقة لا يصب في مصلحة أي من الأطراف”.

قدرة الصين على الوساطة

وفي هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول قدرة الصين على القيام بدور الوسيط، وما الذي تجنيه من نزع فتيل التوتر في المنطقة. فاللا استقرار في الشرق الأوسط يُعد مصدر قلق كبير لبكين وقد يؤثر سلباً على وجودها ونفوذها في المنطقة، لا سيما وأن استراتيجيتها الإقليمية تركز أساساً على تأمين مصادر الطاقة. وتعتمد الصين بشكل كبير على واردات النفط من دول مجلس التعاون وإيران. أما أولوية الصين الثانية فهي الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، خاصةً تنفيذ مشاريع مبادرة “الحزام والطريق”. وأخيراً، تحظى الشراكات السياسية مع الدول العربية وإيران بمكانة خاصة في حسابات بكين، لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بأمن الطاقة.

ومن هنا جاء دور الصين كوسيط بين طهران والرياض، وهو ما تُوّج بنجاح إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة استمرت سبع سنوات. كما أن الصين تُعد قوة عالمية كبرى، ما يمنحها قدرة أكبر على إدارة الأزمات والتفاوض مع الولايات المتحدة، ما يجعلها مرشحة مناسبة للعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن. وتعتبر بكين إيران شريكاً لها، وقد تكون لديها رغبة في الحؤول دون تنفيذ المزيد من الخطوات الأمريكية والإسرائيلية التي قد تتجه نحو تغيير النظام في إيران. ولهذا السبب، لا يُستغرب أن يُذكر اسم الصين كأحد أبرز المرشحين للوساطة بين الطرفين.

وفي هذا الصدد، أثرت التوترات في الشرق الأوسط، نتيجة الهجمات العسكرية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة على إيران، وما أعقبها من وقف هش لإطلاق النار، أثرت بشكل مباشر على مصالح دول عدة، وعلى رأسها الصين. كما أن بكين باتت تدرك من خلال تجربتها أن الهدنة الراهنة لا يمكن أن تؤدي إلى سلام مستدام في المنطقة. إذ إن الخلافات الجوهرية بين إيران والغرب (الولايات المتحدة، أوروبا، وإسرائيل) حول مستقبل البرنامجين النووي والصاروخي لإيران، وكذلك سياساتها الإقليمية، تجعل من غير المرجح التوصل إلى حل سوى عبر “تغيير في النموذج” الذي تنظر من خلاله أطراف النزاع إلى مفهوم الأمن في الشرق الأوسط.

هذه التناقضات المتوترة قد تؤدي بلا شك إلى اندلاع حرب أخرى في المنطقة. ومن الواضح أن مثل هذا السيناريو سيؤثر سلباً على المصالح الاقتصادية الصينية أكثر من أي دولة أخرى، خصوصاً إذا امتد القتال إلى ممرات استراتيجية مثل مضيق هرمز، وتسبب في تعطيل حركة النقل البحري. علاوة على ذلك، فإن توسع الصراع ومحاولة الغرب تشكيل جبهة موحدة لتغيير النظام في إيران قد يؤدي إلى فقدان الصين لأحد أهم حلفائها الإقليميين في إطار صراع القوى الكبرى. هذه المخاوف دفعت القيادة الصينية إلى تكثيف جهودها للقيام بدور بنّاء كوسيط.

ناهيك عن أن القيادة الصينية تسعى إلى تشجيع إيران على اعتماد نهج تفاوضي والتوصل إلى اتفاق ينهي النزاع القائم، وذلك بهدف تفادي اندلاع حرب جديدة في المنطقة. كما أن العلاقات الطويلة بين بكين وطهران تعزز الآمال بنجاح الوساطة الصينية. ومع ذلك، وبالنظر إلى طبيعة النزاع بين إيران والغرب، ولا سيما الدور التخريبي لإسرائيل في عرقلة أي اتفاق محتمل، لا يُبدي المحللون الواقعيون تفاؤلاً كبيراً إزاء فرص نجاح الوساطة الصينية.

إن طبيعة النزاع والتباين في المصالح بشأن قضايا استراتيجية مثل البرنامج النووي، القدرات الصاروخية، والسياسات الإقليمية الإيرانية، إلى جانب تصور الغرب بأن ميزان القوى بدأ يميل ضد طهران، ما يخلق فرصة للضغط عليها للقبول بالشروط الغربية، كلها عوامل تجعل من فرص الدبلوماسية الصينية ضئيلة جداً. وفي ظل إصرار كل طرف على مطالبه القصوى، فإن أفق التوصل إلى تسوية يبدو بعيد المنال.

مجيد محمد شريفي
أستاذ بجامعة خوارزمي الإيرانية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى