“الولد العجوز”… أب مستبدّ وأخوان في منتصف العمر

يقدّم الفيلم سرداً مكثفاً يتركّز حول حياة أخوين في منتصف العمر، يجسّدهما حامد بهداد ومحمد ولي‌ زادغان، وهما يعيشان تحت سلطة أب مستبدّ وشهواني.

ميدل ايست نيوز: “الولد العجوز” (The Old Bachelor أو “پیر پسر”) هو فيلم إيراني صدر عام 2024، أخرجه وكتب نصّه أكتاي براهني، وأنتجه بابك حميديان وحنيف سروري. على الرغم من المعارضة الشديدة التي واجهها منذ مرحلة الإنتاج والمونتاج، فقد تخطّى رقابة وزارة الثقافة والسينما وقتاً طويلاً، حتّى حصل أخيراً على رخصة للعرض العام في إيران، بعد تعديل النسخة من نحو أربع ساعات إلى زمن نهائي يبلغ 192 دقيقة (أي ثلاث ساعات و12 دقيقة). بدأ عرض الفيلم العام في 11 يونيو/حزيران 2025، تزامناً مع تفاقم التوترات العسكرية بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، قبل بضعة أيام من أي تصعيد عدواني فعلي.

يقدّم الفيلم سرداً مكثفاً يتركّز حول حياة أخوين في منتصف العمر، يجسّدهما حامد بهداد ومحمد ولي‌ زادغان، وهما يعيشان تحت سلطة أب مستبدّ وشهواني، يجسد دوره حسن بورشیرازي باقتدار فريد من دون منازع.

تذكّر صياغة القصة الأدبية بروح أعمال دوستويفسكي، تحديداً “الإخوة كارامازوف”، بما تحمله من صراعات داخلية بين الخير والشر، وقيم تتصارع مع سطوة الذكورية، وتحكم شبه أسطوري لمفهوم القدر على مصائر الأفراد. الأخوان يعانيان تحت ضغط اقتصادي واجتماعي وعاطفي، ويجدان نفسيهما عاجزين عن الفرار من دائرة يأس لا مفرّ منها.

مع بداية الفيلم، يُدخل براهني جمهوره إلى عالم غارق في التوتر النفسي، علاقات متفكّكة وأحلام مدمّرة لم تتحقّق، بلا بطل واضح أو أمل ظاهر. لا توجد “بطولة” تقليدية، بل شخصية أب ترمز إلى القمع والعنف، وأخوين في رحلة داخلية نحو الانفجار العاطفي والنفسي. أجواء السرد تبعث على القلق النفسي من اللحظة الأولى حتّى النهاية.

عرِض “الولد العجوز” في صالة أباذر السينمائية غرب طهران قبل أيام: ساد صمت ثقيل أثناء عرض الفيلم الذي امتدّ 192 دقيقة، ثم لاقى تصفيقاً حاراً بعد النهاية. هذا التفاعل دلّ على تقدير الجمهور للسينما الاجتماعية الإيرانية العميقة. رغم طول الفيلم، إلّا أن قوة السرد والعمق النفسي نجحا في حبس أنفاس الحضور حتّى اللحظة الأخيرة.

ظلّ براهني وفريقه يكافحان تقنياً وإدارياً للحصول على إذن العرض لمدة تقارب عشرة أشهر. في إحدى المراحل، كان الاقتراح تحويل العمل إلى مسلسل تلفزيوني، لكن مخرج العمل رفض ذلك، وتمسّك برؤيته السينمائية حتى عُرض الفيلم بمحدودية في مهرجان فجر (من دون الدخول في المنافسة الرسمية)، فأثار نقاشاً من الصحافيين والنقاد، ما ساهم في حصوله على رخصة العرض العام في نهاية المطاف.

انطلق عرض الفيلم وسط جدل سياسي واجتماعي حادّ داخل إيران. اعتبره المحافظون هجوماً على القيم الأسرية التقليدية ومحاولة لتشويه صورة المجتمع الإيراني، وطالبوا بوقف عرضه فوراً. على الجانب الآخر، اعتبر الإصلاحيون والنقاد أنّ الفيلم هو صدى صادق لواقع مرّ يعيشه المجتمع، وأن سماع صوت النقد، وإن كان مؤلماً، ضروري وناضج.

من أبرز الأصوات الناقدة، حميد رسايي وهو نائب برلماني ورئيس اللجنة الثقافية، إذ اعتبر أنّ الفيلم يحطّم مكانة الأب وينهش البنية الأسرية، ورأى وجوده في دور السينما تهديداً لاستقرار المجتمع، مطالباً بإعادة النظر وإيقاف العرض. هذه التصريحات أثارت رداً عنيفاً على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. الناقد مهرداد دانش سخر من ذلك، مشيراً إلى أن “عدد مشاهدي الفيلم خلال أسابيعه الأولى فاق أصوات رسايي ولجنته الثقافية في البرلمان”، إذ تجاوز عدد مشاهدي الفيلم 616 ألف متفرج.

ردت فاطمة مهاجراني المتحدثة باسم الحكومة الإصلاحية، في صحيفة إيران، بالقول إنّ الفيلم يمتلك معنى استعارياً يعكس وجعاً جماعياً، والقسوة أو القتامة في النقد جزء طبيعي من ثقافة مجتمع حيّ، وأكّدت أن الأعمال الفنية الجديرة بالنقاش يجب أن تُقيّم في إطار علمي وثقافي، وليس وفق المزاج العام أو القيود المفروضة. وشدّدت على أن تنوّع السرديات، حتى لو كان ناقداً وقاسياً، هو ركن أساسي لحيوية أيّ مجتمع.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر − 8 =

زر الذهاب إلى الأعلى