من الصحافة الإيرانية: على طهران وواشنطن الانتقال من “المواجهة” إلى “التوازن”

من الواضح أن اللاعبين الرئيسيين على رقعة الشطرنج الحالية هما طهران وواشنطن، فيما تقتصر أدوار الأطراف الأخرى على المشاهدة السلبية أو تقديم النصح والمشورة لأحد الطرفين الأساسيين.

ميدل ايست نيوز: من الواضح أن اللاعبين الرئيسيين على رقعة الشطرنج الحالية هما طهران وواشنطن، فيما تقتصر أدوار الأطراف الأخرى على المشاهدة السلبية أو تقديم النصح والمشورة لأحد الطرفين الأساسيين. وغالباً ما يكون هؤلاء الجالسون خارج رقعة اللعب سبباً في إرباك متخذي القرار الرئيسيين. ولا يهم ما إذا كان هؤلاء الآخرون هم إسرائيل أو أوروبا أو روسيا أو الصين، فجميعهم يتفاعلون مع الأزمة الحالية بما يخدم مصالحهم، سواء عبر تصعيدها أو محاولة تهدئتها. ومع ذلك، فإن الوصول إلى حالة من “التوازن” في التوتر القائم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال قرارات يتخذها اللاعبان الأساسيان بشأن كيفية تحريك قطعهما على رقعة الشطرنج، في حين ستبقى أدوار الأطراف الأخرى، في أحسن الأحوال، هامشية مقارنة بالمتن.

الشرق الأوسط يشبه اليوم كتلاً عائمة من الجليد وسط ضباب كثيف، تتحرك فيها الأطراف دون أن تطأ قدماها أرضاً صلبة. من هنا، يدرك الجميع، بمن فيهم اللاعبان الرئيسيان وكذلك الأطراف الثانوية، أن أي خطأ في الحسابات، مهما بدا صغيراً، قد يحمل في طياته عواقب وخيمة.

من المقرر أن تدخل طهران قريباً في جولة جديدة من المحادثات مع الترويكا الأوروبية، بينما أجرى ممثلوها مشاورات مع موسكو وبكين في الآونة الأخيرة. وتدور هذه التحركات الدبلوماسية وسط أجواء ضبابية من التهديدات والإغراءات، وبوتيرة غير مسبوقة، مع تزايد الإحساس بضيق الوقت. يأتي ذلك في وقت لم يتم فيه حتى الآن الإعلان عن موعد الجولة التالية من المحادثات المعلّقة بين طهران وواشنطن. وبالتالي، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستكون هذه الجهود الدبلوماسية بمثابة تمهيد فعلي لمفاوضات حقيقية تقرّب الطرفين الأساسيين من اتفاق؟ أم أنها مجرد انشغال بأطراف ثانوية لن يكون لها أثر جوهري في مسار الصراع بين طهران وواشنطن؟

تعتمد فاعلية أي من الأطراف الثانوية، حتى إسرائيل، في التأثير على سياسات واشنطن، على شرطين أساسيين: الأول، تقديم أفكار جذابة لأحد طرفي الصراع؛ والثاني، مدى قبول طهران وواشنطن لتلك الأفكار والأدوار. وتأمل طهران أن تؤدي المحادثات مع الترويكا الأوروبية، إلى جانب المبادرات المقترحة من بكين وموسكو، إلى فتح نافذة لحل النزاع مع واشنطن، وبالتالي معالجة الخلافات القائمة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدفع باتجاه تسوية عقلانية بدل التصعيد. غير أن طهران تواجه تحديين في هذا السياق: أولهما، توافق أوروبا المتزايد مع السياسات التصعيدية الأميركية، وهو ما أبعد الأوروبيين عن نهج المصالحة السابق مع إيران؛ وثانيهما، الاحتمال البعيد لقبول الترويكا الأوروبية بالأفكار الصينية–الروسية للخروج من الأزمة، خاصة في ظل التوتر المتصاعد بين موسكو والدول الأوروبية بسبب الحرب في أوكرانيا. كما أن واشنطن نفسها، وعلى عكس فترة رئاسة دونالد ترامب، تبنّت منذ مدة نهجاً تصادمياً مع سياسات فلاديمير بوتين.

وعلى الرغم من استفادة واشنطن من مواقف الأوروبيين المتشددة تجاه طهران، والتي تتجلى في تلويحهم باستخدام “آلية الزناد”، إلا أنها لا تعتزم منح بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي الفعلية) دوراً محورياً. ويبدو أن ترامب يسعى من جهة إلى توظيف هذه المواقف الأوروبية لصالحه، ومن جهة أخرى، يريد أن يُنسب إليه أي اتفاق محتمل يتم التوصل إليه. كما أن الاستراتيجية العامة لواشنطن في تعاملها مع طهران، وكذلك أي اتفاق مرتقب، تُفهم ضمن إطار المنافسة مع بكين ومحاولة احتواء نفوذ موسكو في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.

وهكذا، فإن كان اللاعبان الرئيسيان قد منَحا الأطراف الأخرى هامشاً للمشاركة وتقديم الرؤى، فإن الجميع، بما فيهم تلك الأطراف، يدرك أن طهران وواشنطن وحدهما من سيوقّع على أي اتفاق محتمل. لذلك، لا بد لهذين الطرفين من الحفاظ على زمام المبادرة لتجاوز محطة “المواجهة” الحالية والانتقال نحو “التوازن”، بما يتطلبه ذلك من خطوات مبتكرة واستباقية. الواضح للجميع أن رقعة الشطرنج اليوم لا يتحرك عليها سوى لاعبين اثنين: طهران وواشنطن.

 

جلال خوش جهره

صحفي إيراني

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
ميدل ايست نيوز
المصدر
دبلوماسي إيراني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى