تناقض في الروايات.. هل فعلاً المواطن الإيراني مسؤول عن أزمة المياه؟

أزمة المياه في إيران لم تظهر بين ليلة وضحاها. فقد كانت مؤشرات تراجع الموارد السطحية والجوفية، وانخفاض معدلات الأمطار السنوية، كلها واضحة منذ سنوات، ولكن لم يتم اتخاذ سياسات فعالة لمعالجتها.

ميدل ايست نيوز: تظهر بيانات مركز الدراسات البرلماني أن المواطن ليس الفاعل الرئيسي في أزمة المياه، حيث يذهب 90% من الاستهلاك إلى الزراعة، مقابل 6% فقط للاستهلاك المنزلي.

تواجه إيران موجات جفاف غير مسبوقة، انعكست آثارها بوضوح في الجفاف الواسع الذي أصاب بحيرة أرومية، والتراجع الكبير في منسوب المياه بمستنقعات ومسطحات مائية رئيسية مثل أنزلي وهامون وهور العظيم، فضلاً عن نضوب أنهار محورية مثل زاينده‌ رود وكارون.

هذه الأنهار والمسطحات المائية التي كانت في السابق تؤدي دوراً محورياً في حفظ التوازن البيئي، وتأمين مصادر المياه، ودعم الزراعة وحياة المجتمعات المحلية، أصبحت الآن في مواجهة أزمات بيئية حادة نتيجة انخفاض معدلات الهطول المطرية واستنزاف المياه بشكل مفرط.

ويؤدي جفاف هذه النظم البيئية إلى تراجع التنوع الحيوي، وتدهور جودة الهواء، وزيادة العواصف الغبارية، ما يعمّق المخاوف بشأن مستقبل المياه في إيران، في ظل ظروف من الجفاف وشح الموارد المائية غير مسبوقة.

وبحسب تقارير رسمية، فإن أجزاء واسعة من البلاد تعاني للسنة الخامسة على التوالي من انخفاض حاد في معدل الأمطار، وتراجع مستويات المياه في السدود، وزيادة الاعتماد المفرط على المياه الجوفية، وهو ما تحوّل إلى أزمة تهدد بتوفير مياه الشرب في العديد من المدن، خصوصاً العاصمة طهران.

وفي الأيام الأخيرة، تباينت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بين التحذير من خطورة الوضع المائي إلى التقليل من حجم الأزمة.

ففي أحدث تصريح رسمي، حذر محافظ طهران، محمد صادق معتمديان، من الوضع غير المسبوق لموارد المياه في المحافظة، مشيراً إلى أن كمية الأمطار خلال السنة المائية الجارية لم تتجاوز 156 ميليمتراً، وهو المعدل الأدنى المسجل خلال قرن من الزمن، على حد قوله.

وأكد معتمديان أن طهران تواجه موجة الجفاف للعام الخامس على التوالي، وهي حالة لم تسجل في الستين عاماً الماضية. ومع ذلك، دعا المواطنين إلى عدم الالتفات إلى “شائعات نقص المياه”، مؤكداً عدم وجود أي مشكلة في تأمين مياه الشرب للعاصمة.

في المقابل، أعلنت شركة المياه والصرف الصحي في محافظة طهران أن مخزون المياه في سدود العاصمة وصل إلى أدنى مستوياته التاريخية. كما أعرب وزير الطاقة، عباس علي‌ آبادي، عن اعتذاره من المواطنين بسبب انخفاض ضغط المياه، قائلاً: “لا خيار أمامنا، لا توجد مياه”.

أزمة في طهران

تشير التقديرات إلى أن استهلاك المياه في طهران يعادل خمسة أضعاف المتوسط الوطني، ويرجع ذلك إلى الكثافة السكانية المرتفعة التي تتجاوز ألف نسمة في الكيلومتر المربع، مقارنة بـ49 نسمة على المستوى الوطني.

هذا الضغط السكاني أدى إلى تخصيص نحو 42% من الموارد المائية في المحافظة لأغراض الشرب والصحة العامة، وهي نسبة تتجاوز بكثير المعدلات في باقي المحافظات، حيث لا تتجاوز في العادة 10%.

أما السدود الأربعة الرئيسية في طهران – لار، لتيان، ماملو وطالقان – فقد تراجع منسوب امتلائها إلى حوالي 14%، مقارنة بنسبة 62% التي كانت توفرها من مياه الشرب للعاصمة قبل عقد من الزمن، وهي حالياً لا تؤمن سوى 38% من احتياجات الشرب في طهران.

مع انخفاض المخزون السطحي، ارتفع الاعتماد على المياه الجوفية، لكن هذه المصادر بدورها تواجه خطر النضوب بسبب شح الأمطار والاستخراج المفرط.

ارتفاع درجات الحرارة

كما ساهم ارتفاع درجات الحرارة في تعقيد الأزمة. وقد حذر معتمديان من أن كل درجة حرارة تتجاوز 39 مئوية تؤدي إلى زيادة استهلاك المياه والكهرباء بنسبة 5%، ما يشكل عبئاً إضافياً على الشبكتين.

إضافة إلى ذلك، فإن تغيّر نمط الهطولات المطرية جعل معظمها غير نافذ إلى خزانات المياه الجوفية أو السدود. فالأمطار الخفيفة والموزعة على فترات قصيرة ترطّب التربة فقط، ثم تتبخر بسرعة من دون أن تسهم فعلياً في تعزيز الموارد.

تعيش إيران حالياً واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ عقود، وهو تحدٍّ لا يمكن نسبه فقط إلى تغيّر المناخ، بل إن سوء إدارة الموارد والسياسات المائية العامة، إلى جانب التوسع الحضري غير المنظم، أسهمت في تعميق الأزمة.

وفي مواجهة هذا الوضع، بدأت الحكومة تنفيذ خطط لإدارة الطوارئ المائية، من بينها مشاريع لنقل المياه من مناطق أخرى. وذكرت مصادر حكومية إحراز تقدم في مشروع نقل المياه من بحر عمان إلى محافظة أصفهان.

معتمديان أشار إلى خطة حكومية من 18 بنداً تتضمن إجراءات مثل تقليص استهلاك المياه في المؤسسات الحكومية بنسبة 25%، واستخدام المياه الرمادية لري المساحات الخضراء. ومع ذلك، شدد المسؤولون على أن نجاح هذه الإجراءات يعتمد على التزام المواطنين وترشيد الاستهلاك.

نسبة استهلاك مياه الشرب في إيران

ورغم تداول أخبار كثيرة عن انقطاع تام للمياه في بعض المناطق لساعات، أكد المسؤولون أن قطع المياه سيبقى الخيار الأخير، داعين المواطنين إلى اعتماد المعلومات من المصادر الرسمية فقط.

في ظل أزمة المياه، لا تتعدى حصة مياه الشرب المنزلية في إيران 6 إلى 8% من إجمالي استخدام المياه، بحسب إحصاءات وزارة الطاقة ومركز الإحصاء الإيراني ومنظمات دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).

أما الاستهلاك المنزلي في المناطق الحضرية وحده فيمثل نحو 5% فقط من الموارد المائية المتجددة، في حين يستحوذ القطاع الزراعي على ما يتراوح بين 88 إلى 90% من الموارد المائية، ويستهلك القطاع الصناعي ما بين 2 إلى 3%.

وقد حذر خبراء مراراً من هذا التوزيع غير المتوازن، واعتبروه أحد العوامل الأساسية لأزمة المياه في البلاد.

أما في مدن كبرى مثل طهران، وبسبب غياب الأنشطة الزراعية الكبرى، فإن نسبة مياه الشرب من إجمالي موارد المياه في المحافظة تصل إلى 42%، مقارنة بأقل من 10% في معظم المحافظات الأخرى.

كما أن استهلاك الفرد الإيراني من مياه الشرب يتجاوز المعدل العالمي، إذ تشير التقديرات إلى أن المواطن يستهلك يومياً بين 200 و250 لتراً، مقابل معدل عالمي يتراوح بين 120 و150 لتراً. ويعكس هذا التفاوت الحاجة الملحة إلى إصلاح أنماط الاستهلاك، وتقليل الفاقد، وتحسين كفاءة توزيع المياه.

عدم كفاءة إدارية؟

رغم أن استهلاك مياه الشرب يبدو ظاهرياً سبب الأزمة، إلا أن الأرقام تكشف أن جذور المشكلة تكمن في استهلاك المياه في الزراعة، وأساليب الإدارة غير الفعالة، وغياب السياسات المستدامة.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين يعزون الأزمة إلى الجفاف والاحتباس الحراري، إلا أن كثيراً من الخبراء والرأي العام يرون أن سوء الإدارة المتراكم منذ عقود هو السبب الجوهري.

أزمة المياه في إيران لم تظهر بين ليلة وضحاها. فقد كانت مؤشرات تراجع الموارد السطحية والجوفية، وانخفاض معدلات الأمطار السنوية، وارتفاع معدلات الاستهلاك، كلها واضحة منذ سنوات، ولكن لم يتم اتخاذ سياسات فعالة لمعالجتها.

على العكس، فإن الحكومات المتعاقبة في إيران فشلت في إدارة الموارد بكفاءة، أو تعديل أنماط الاستهلاك، أو تطوير تقنيات الترشيد، بل أسهمت من خلال مشاريع نقل المياه المكلفة، وسياسات السدود المفرطة، وتجاهل التحذيرات العلمية، في مفاقمة الأزمة.

هل للمواطن دور في الأزمة؟

أما تحميل المواطنين مسؤولية الأزمة، فقد قوبل بانتقادات واسعة، حيث يشير العديد من المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن أنماط الاستهلاك لم تتغير فجأة خلال عام أو عامين، بل تعكس واقعاً قائماً منذ سنوات. وبالتالي، فإن تفاقم الأزمة يجب أن يُعزى أولاً إلى فشل السياسات الحكومية في إدارة الموارد، واستشراف المخاطر، وتعديل الأنماط الهيكلية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 + تسعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى