من الصحافة الإيرانية: الوضع المعقد في القوقاز والمخاطر العالية التي يشكلها مشروع رشت-أستارا

لا تزال منطقة القوقاز تشهد حالة من عدم الاستقرار. فالحرب الثانية في القوقاز، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار لم تضع حداً للأزمة بين أذربيجان وأرمينيا، بل زادت من تعقيد الوضع.

ميدل ايست نيوز: لا تزال منطقة القوقاز تشهد حالة من عدم الاستقرار. فالحرب الثانية في القوقاز، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بمبادرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى جانب إخراج الأرمن من منطقة قره باغ، لم تضع حداً للأزمة بين أذربيجان وأرمينيا، بل زادت من تعقيد الوضع.

ونتيجة لانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، لم تتمكن من الوفاء بالتزاماتها في حماية الأرمن في قره باغ وضمان استمرار ممر لاتشين (الذي يربط أرمن قره باغ بأرمينيا – البند السادس من الاتفاق). وبهذا، استغلت القوات الأذربيجانية حالة اللامبالاة من جانب قوات حفظ السلام الروسية، فشنت هجوماً على مركز قره باغ (ستيباناكيرت) وأجبرت جميع السكان الأرمن المحليين على الهجرة القسرية إلى أرمينيا.

وترى أرمينيا أن من حقها القانوني إلغاء تسهيل الربط مع أذربيجان (البند التاسع من الاتفاق)، في حين تصر أذربيجان على تنفيذ هذا البند فقط، والذي يقضي بمنحها ممراً بطول 43 كيلومتراً في محافظة سيوانك جنوب أرمينيا.

الروح العامة للاتفاق، كما ينص عليها البند التاسع – والذي يُعد اليوم ملغى قانوناً لأنه لا يمكن تنفيذ بند واحد من الاتفاق وتجاهل بند آخر مثل البند السادس – كانت تهدف إلى تسهيل المرور بين نخجوان وجمهورية أذربيجان. إلا أن أذربيجان اعتبرت هذا الممر حقاً قانونياً لها، وفي أوقات متعددة ألمحت إلى احتمال السيطرة عليه عسكرياً، ووجهت تهديدات إلى الحكومة الأرمينية.

تجدر الإشارة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترحه بوتين في نوفمبر 2020 وُقّع بين طرفي النزاع من دون توقيع العضوين الآخرين في رئاسة مجموعة مينسك. ومنذ ذلك الحين، كثفت أذربيجان ضغوطها وتهديداتها على أرمينيا لفرض إنشاء هذا الممر. وترى باكو أن هذا الممر سيُستخدم من قِبل تركيا لربطها بمنطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، في إطار طموحاتها لتشكيل ممر يُعرف باسم “زنغزور” يربط العالم التركي من القوقاز حتى غرب الصين. كما تسعى تركيا وأذربيجان، وفق بعض التقديرات، إلى فتح المجال أمام حلف شمال الأطلسي (الناتو) للتوسع في هذه المنطقة.

في المقابل، طرحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية حلاً بديلاً لتسوية هذا النزاع من خلال مشروع “ممر آرس”، الذي يوازي الحدود المشتركة بين إيران وأرمينيا وأذربيجان. ومنذ بداية النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، أي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، ظلت جمهورية نخجوان (غرب أرمينيا) مرتبطة بالجغرافيا الرئيسية لأذربيجان (شرق أرمينيا) عبر الأراضي الإيرانية، وهو ما استمر حتى اليوم، ووافقت عليه أذربيجان أيضاً، بل وشاركت في مشروع مشترك مع إيران بهذا الخصوص.

رغم ذلك، فإن المطالب غير القانونية وغير المستندة إلى اتفاقيات رسمية، التي تحاول أذربيجان فرضها على أرمينيا، وسعيها لفرض سيادتها الكاملة على مسار الممر، تُعد تفسيراً انتقائياً للاتفاق ومصادرة لمضمونه.

ويواصل الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الترويج لممر زنغزور باعتباره ضرورة استراتيجية لبلاده، ويعرض مطالب واضحة وصارمة بشأن الوضع القانوني، وآليات الوصول، والسيطرة التشغيلية عليه. في المقابل، ترى أرمينيا أن منح أذربيجان هذا الممر يُعد مساساً بسيادتها، وتُصر على الإبقاء على السيطرة الكاملة عليه. وداخل أرمينيا، يرى عدد من الأحزاب السياسية وبعض أعضاء البرلمان والناشطين أن تسليم الممر لأذربيجان يقوّض السيادة الوطنية ويهدد الأمن القومي، وقد عبّروا عن رفضهم لذلك.

ومع تصاعد التوتر في العلاقات بين أذربيجان وروسيا، خصوصاً بعد إسقاط روسيا طائرة مدنية أذربيجانية، واستمرار الخلاف بشأن ممر زنغزور، وحساسية إيران من أي تغيير في الحدود الجغرافية وتزايد التوترات الجيوسياسية، تزايدت احتمالات اندلاع توتر أمني في المنطقة. ويُحتمل أن تستغل أذربيجان مشروع إنشاء خط السكك الحديدية رشت–أستارا كأداة ضغط على كل من إيران وروسيا.

ومن هنا، يُوصى صناع القرار في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإعادة النظر في هذا المشروع، والتوقف عن تنفيذه في ظل الأوضاع غير المستقرة في القوقاز، ووسط دخول أطراف دولية إلى المشهد، وارتفاع كلفة المشروع في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، واحتمال فرض المزيد من العقوبات الغربية، إضافة إلى التأثيرات البيئية السلبية للمشروع، وما قد يسببه من أضرار للبنية الزراعية الهشة في المنطقة، فضلاً عن تراجع حجم التبادل التجاري الروسي عبر الأراضي الإيرانية بسبب التوتر بين موسكو وواشنطن، ما قد يجعل من تنفيذ خط السكك الحديدية هذا مشروعاً محفوفاً بالتعقيدات والمخاطر.

بهرام أمير أحمديان
خبير في شؤون القوقاز

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوزصحيفة اطلاعات الإيرانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 + اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى