العراق يستنجد بمحطات كهرباء عائمة

يعاني العراق منذ سنوات أزمة كهرباء مزمنة، تتفاقم سنوياً مع دخول فصل الصيف وارتفاع الطلب على الطاقة، في ظل عجز مستمر في منظومة الإنتاج.

ميدل ايست نيوز: يعاني العراق منذ سنوات أزمة كهرباء مزمنة، تتفاقم سنوياً مع دخول فصل الصيف وارتفاع الطلب على الطاقة، في ظل عجز مستمر في منظومة الإنتاج، وعدم كفاية البنى التحتية لنقل الكهرباء وتوزيعها في أحد أكثر البلدان احتراراً في العالم. ورغم ما خصصته الحكومات المتعاقبة من موازنات ضخمة لقطاع الكهرباء، ظلت النتائج دون مستوى الطموح، ما دفع السلطات إلى تبني حلول طارئة لتقليص الفجوة بين الإنتاج والطلب.

وفي هذا الإطار، أعلن مجلس الوزراء العراقي، الموافقة على تجهيز محطات كهرباء عائمة بقدرة إنتاجية تبلغ 590 ميغاواط، يتم توفيرها عبر “بواخر توليدية” تُربط بالشبكة الوطنية خلال فترة الذروة. وبموجب القرار، تم تخويل وزارة الكهرباء بالتعاقد المباشر مع تحالف Kar Powership – BKPS (شركة تركية مختصة بمحطات التوليد العائمة)، لتشغيل هذه البواخر لمدة 70 يومًا فقط من دون تمديد، مع إلزام التحالف بتحمل التكاليف البيئية واللوجستية المصاحبة.

وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، إن “مجلس الوزراء وافق رسميًّا على تخويل وزارة الكهرباء صلاحية التعاقد المباشر، لمواجهة ذروة الطلب خلال الصيف”. وأوضح موسى أن القدرة الفعلية المتاحة حاليًّا في منظومة الكهرباء الوطنية تبلغ نحو 25 ألف ميغاواط، في حين يُقدَّر الطلب الوطني خلال أوقات الذروة، خصوصًا في أشهر الصيف، بأكثر من 48 ألف ميغاواط، ما يعني أن البلاد تُواجه عجزًا حقيقيًّا يقارب 23 ألف ميغاواط، أي بنسبة تتجاوز 48% من إجمالي الطلب.

وأضاف موسى، لـ”العربي الجديد”، أن “تشغيل المحطات العائمة من شأنه أن يُسهم بتوفير 590 ميغاواط إضافية، وهو ما يمثل خطوة إسعافية لتقليص فجوة الإنتاج، وتحديدًا في المناطق الجنوبية التي تشهد ارتفاعًا كبيرًا بالأحمال خلال شهري آب وأيلول”. وبيّن أن الوزارة لم تبرم العقد حتى الآن، لكن العمل جارٍ على استكمال الإجراءات الفنية والقانونية، ومن المؤمّل توقيعه خلال الفترة القريبة القادمة لضمان دخول هذه الوحدات العائمة إلى الخدمة ضمن التوقيتات الحرجة.

وأشار إلى أن الوزارة تعمل على مسارين متوازيين، الأول يتضمن حلولًا فورية لتقليل العجز، والثاني يتجه نحو إصلاح جذري في البنى التحتية من خلال تعزيز الاستثمار في مشاريع الطاقة المستدامة وزيادة كفاءة التوزيع.

كهرباء مؤقتة

وفي السياق، أوضح الباحث الاقتصادي أحمد عبد الله أن الاعتماد على المحطات العائمة لتوليد الكهرباء، رغم كونه إجراءً إسعافيًّا، لا يعدو كونه حلًّا ترقيعيًّا مؤقتًا يعكس غياب استراتيجية طويلة الأمد لمعالجة جذور أزمة الطاقة في العراق. وأضاف عبد الله، لـ”العربي الجديد”، أن هذا النوع من الحلول يُعد أمرًا خطيرًا اقتصاديًّا ويُضعف مناعة الدولة في إدارة ملف الكهرباء، لأن تشغيل بواخر توليدية لمدة 70 يومًا فقط، وبتكلفة تشغيل عالية، لن يُحدث فرقًا نوعيًّا في واقع المنظومة.

وأفاد بأن العراق يُواجه عجزًا يتجاوز 20 ألف ميغاواط في أشهر الصيف، وبالتالي فإن تغطية أقل من 600 ميغاواط عبر البواخر ليس إلا تجميلًا رقميًّا لأزمة بنيوية عميقة، مما يعزز المخاطر الاقتصادية لهذه التعاقدات كونها لا تتعلق بالكلفة فقط، إنما بتعطيل البنية التحتية ومشاريع الطاقة الشمسية والغازية، وتحديث شبكات النقل والتوزيع.

شدد عبد الله على أن معالجة أزمة الكهرباء في العراق تتطلب خطة متكاملة تمتد لخمس سنوات على الأقل، تتضمن التحول التدريجي نحو الطاقة المتجددة، ولا سيما الشمسية في المناطق ذات الإشعاع العالي، واستثمار الغاز المصاحب بدلًا من حرقه لتقليل الاعتماد على الوقود المستورد. وأكد ضرورة تأهيل المحطات الحرارية وتحويل بعضها إلى نظام الدورات المركبة لرفع الكفاءة، وإعادة هيكلة شبكة النقل والتوزيع لتقليل الفاقد الفني، مع أهمية إشراك القطاع الخاص والمستثمرين في مشاريع إنتاج الطاقة وتوزيعها تحت رقابة حكومية واضحة وبأسعار عادلة.

في السياق، قال الخبير في مجال الكهرباء كريم عقراوي، إن المحطات العائمة أو ما يُعرف ببواخر التوليد تمثل حلًّا تقنيًّا مرنًا يُستخدم عالميًّا لتوفير الطاقة الكهربائية في فترات الطوارئ أو عند حصول فجوات موسمية في الإنتاج. وبيّن عقراوي، لـ”العربي الجديد”، أن هذه المحطات هي في الأصل سفن بحرية كبيرة مجهّزة بوحدات توليد كهربائي متكاملة، تعمل بالديزل أو الغاز أو الوقود الثقيل، وتُربط بشكل مباشر بالشبكة الوطنية عبر كابلات وخطوط مؤقتة.

وأوضح عقراوي أن “هذه البواخر تُرسى عادة في الموانئ أو بالقرب من محطات تحويل ساحلية، وتتم تهيئة ظروف التشغيل بتأمين الوقود والربط مع شبكات الجهد العالي أو المتوسط، وتُعد جاهزيتها السريعة خلال أسابيع قليلة من أبرز مزاياها، إضافة إلى كونها لا تحتاج إلى بنى تحتية ثابتة”. وأضاف أن التوزيع غير العادل للطاقة الكهربائية يعد أحد أسباب العجز الحاصل فيها، لافتًا إلى أن استثمار الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء خطوة جيدة، لكن شبكة التوزيع في العراق تعاني عجزاً كبيراً، يتجاوز في بعض التقديرات 40% من حجم الطلب الكلي.

وأكد أن الاستعانة بالبواخر التوليدية يمكن أن يخفف العجز بشكل مؤقت، لكنه لا يُغني عن المعالجة الجذرية التي تتطلب إصلاح منظومة الإنتاج والنقل والتوزيع، مع التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الوقود المحلي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى