إيران… تغيير جذري في أسلوب التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية

أظهرت تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأخيرة تأكيد طهران مجدداً على إجراء تغيير جذري في أسلوب التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ميدل ايست نيوز: أظهرت تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأخيرة تأكيد طهران مجدداً على إجراء تغيير جذري في أسلوب التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فقد أقرّ مجلس الشورى الإسلامي في إيران قانوناً جديداً يحوّل عملياً سلطة الإشراف على التعاون النووي مع الوكالة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، في خطوة تعكس تنامي دور البعد الأمني ونهجاً أكثر استقلالية في إدارة الملف النووي الحساس. وينقل هذا القانون موقف إيران من إطار “التعاون الفني البحت” إلى مستوى “القرارات الإستراتيجية ذات البعد الأمني”.

هذا التطور لا يحمل بعداً تنظيمياً فحسب، بل يعكس أيضاً استياءً إيرانياً عميقاً من أداء الوكالة في الفترة الأخيرة. فقد شدد عراقجي على أن تقارير الوكالة، ولا سيما تلك التي صدرت قبل الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، استندت إلى مزاعم “قديمة وبلا أساس”، مؤكداً أن هذه التقارير تعكس نهجاً سياسياً موجهاً أدى إلى صدور قرارات ضد طهران وُصفت بأنها “غير عادلة” وقائمة على اتهامات سابقة.

كما أشار إلى أن الهجمات الأخيرة التي شنّتها إسرائيل والولايات المتحدة على المنشآت النووية الإيرانية، والتي يفترض أن الوكالة مسؤولة عن حمايتها والإشراف عليها، مثّلت تحدياً غير مسبوق في مسار العلاقات بين طهران وفيينا. واعتبر عراقجي هذه الاعتداءات انتهاكاً واضحاً للقوانين الدولية ولمهام الوكالة، مؤكداً أن استمرار التعاون وفق الصيغة السابقة لم يعد ممكناً، وأن بلاده تطالب بـ”إطار جديد” للتعاون يتوافق مع التطورات الميدانية ومع القانون الجديد الذي أقره البرلمان.

وأضاف وزير الخارجية الإيراني أن الأوضاع “غير المسبوقة” التي يشهدها البرنامج النووي الإيراني، نتيجة الهجمات المباشرة والقصف الذي طال منشآت نووية، أوجدت إشكالات قانونية وعملية بشأن كيفية تنفيذ عمليات التفتيش على منشآت تعرضت لأضرار حرب. وتساءل عراقجي إن كانت هناك قواعد أو لوائح واضحة لتنظيم عمليات التفتيش في مثل هذه الظروف، مشدداً على أن إيران، مع قبولها بمبدأ الرقابة، تريد آليات واضحة وتعاوناً منظمًا يتلاءم مع الحالات الاستثنائية، ما قد يؤدي إلى تغيير كبير في أنماط التفتيش المتبعة سابقاً.

كما لفت عراقجي إلى أن دعوة نائب المدير العام للوكالة إلى طهران تهدف حصراً إلى مناقشة إطار التعاون الجديد، وليس للقيام بعمليات تفتيش، في إشارة إلى رغبة إيران في التفاوض ضمن الشروط الجديدة مع الالتزام بالأطر القانونية الداخلية، مع ترك القرار النهائي للمجلس الأعلى للأمن القومي. ويأتي هذا المسار كجزء من مسعى إيران لتحديد “نماذج تعاون جديدة” تحافظ على مصالحها الأمنية وتتيح في الوقت نفسه تواصلاً فعالاً مع الوكالة، في إطار يغلب عليه الطابع القانوني والسياسي أكثر من الفني.

وعلى الصعيد الدبلوماسي والأمني، تؤكد تصريحات عراقجي أن إيران تتبنى في هذه المرحلة سياسة أكثر فاعلية ترتكز على فرض سيادتها وإعادة تعريف أسس التعاون مع الوكالة بما يخدم مصالحها. ويرى الجانب الإيراني أن عدم إدانة الوكالة ومديرها العام للهجمات على منشآتها النووية يعكس تقصيراً وغياب الحياد، وهو ما قد يفاقم التوتر. ومن المتوقع أن يكون على الوكالة إبداء مرونة في قبول الإطار الجديد إذا كانت ترغب في إعادة بناء الثقة واستمرار التعاون. وتشكل الزيارة المرتقبة لنائب المدير العام إلى طهران فرصة لتحديد الأدوار والقيود بدقة.

وتشير هذه التطورات في مجملها إلى أن الملف النووي الإيراني لم يعد مجرد قضية فنية أو رقابية، بل تحول إلى ساحة معقدة من التفاعلات السياسية والأمنية، ما يستلزم حلولاً متعددة الأبعاد ومرنة. وأي اتفاق جديد على إطار التعاون سيكون له، إلى جانب أبعاده الفنية، رسالة واضحة إلى العالم بأن إيران مستعدة لإعادة صياغة علاقتها بالمؤسسات الدولية وفق شروط المرحلة الجديدة، مع الحفاظ على مصالحها الوطنية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر + 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى