حديث بزشكيان عن “ضرورة التفاوض” مع أميركا يثير غضب المحافظين
أثارت تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أمس الأحد، حول ضرورة تفاوض إيران مع الولايات المتحدة، وتحذيره من أن "بديل الحوار هو الحرب والمواجهات"، ردات فعل غاضبة في أوساط المحافظين الإيرانيين، ووسائل الإعلام المنتمية إليهم.

ميدل ايست نيوز: أثارت تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أمس الأحد، حول ضرورة تفاوض إيران مع الولايات المتحدة، وتحذيره من أن “بديل الحوار هو الحرب والمواجهات”، ردات فعل غاضبة في أوساط المحافظين الإيرانيين، ووسائل الإعلام المنتمية إليهم.
وقال بزشكيان خلال اجتماع مع مديري الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية، مخاطباً بعض منتقدي سياسة حكومته حيال المفاوضات: “ألا تريد التفاوض؟ حسناً، ماذا تريد أن تفعل إذاً؟ هل تريد أن تخوض حرباً؟ حسناً، إذا جاء وضرب (منشآتنا)، والآن نحن بصدد إصلاحها، فإنه سيأتي ويضرب ثانية”، في إشارة إلى أنه حال قامت إيران بإعادة بناء المنشآت النووية الإيرانية التي قصفتها إسرائيل وأميركا خلال العدوان في يونيو/حزيران الماضي، فإنها ستتعرض للقصف مرة ثانية.
وأضاف الرئيس الإيراني: “إذا كنا نريد الاستقلال، فعلينا أن نتحمل الكثير من الصعاب، ولا يمكن حلّ أي مشكلة بالصراع (الداخلي). إن التحدث والحوار لا يعني الهزيمة أو الاستسلام”، مؤكداً أنه “لن نتخذ أي خطوة دون التشاور والتنسيق مع سماحة القائد (علي خامنئي)، ولا يوجد في جوهرنا شيء اسمه الاستسلام”.
وجاءت هذه المواقف في وقت صعّد فيه خصوم الحكومة من هجومهم على أي تفاوض مع واشنطن. وفي السياق، هاجم المرشح الرئاسي المحافظ السابق، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، سعيد جليلي، قبل أيام، الداعين إلى التفاوض، وقال: “اليوم، بعد أن هاجمنا العدو في أوج المفاوضات، وحقق الشعب الإيراني النصر، هناك من يعود لطرح التفاوض من جديد”. وأضاف: “كان بعضهم يقول إن التفاوض مع الغربيين سيمنع الحرب، لكن الشعب الإيراني رأى بأم عينيه كيف هاجمونا أثناء المفاوضات، وكيف جرى الاعتداء على أستاذ جامعي في منزله، مع عائلته، فقط لأنه درس في تخصص معين، فتم اغتياله”.
أما المحافظ المتشدد حسين شريعتمداري، مدير صحيفة كيهان المحافظة، فطرح تساؤلاً في مقال له اليوم الاثنين، قائلاً: “حين نسأل، ما المعنى الذي يحمله استمرار المفاوضات مع أميركا غير التسليم؟ يجيبنا بعض المسؤولين وكأننا يجب أن نختار إما التفاوض أو الحرب”. وتابع منتقداً: “بمعنى آخر، هم يدّعون أن هذه هي إرادة أميركا، ويؤكدون أننا إما ندخل في مفاوضات أو نستعد للحرب. ولكن إذا كانت واشنطن قد حدّدت مسبقاً سقف المفاوضات ونتائجها، فهل يمكن أن يكون للمفاوضات معنى آخر غير الاستسلام؟”.
وفي السياق نفسه، هاجمت وكالة تسنيم، القريبة من الحرس الثوري الإيراني، تصريحات بزشكيان، معتبرة أنها “تقدّم للأعداء صورة ضعيفة ومأزومة عن إيران”، تُظهر وكأنه “لا خيار أمامها سوى الحوار، وأنه إذا لم نتحدث معهم فسيأتون لضربنا”. وأضافت الوكالة: “هل من شأن هذه الصورة أن تدفع العدو إلى التفاوض ومنح التنازلات؟ بالطبع لا”.
وفي تطور متصل، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أمس الأحد، إنه “لا يوجد حتى الآن أي أمر محسوم” بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة، وذلك رداً على الأنباء التي تحدثت عن احتمال عقد محادثات في النرويج، مضيفاً: “لا أؤكد أي دولة في هذا الصدد”. وكانت صحيفة طهران تايمز الإنجليزية، التابعة لمنظمة الدعوة الإسلامية المرتبطة بمؤسسة القيادة الإيرانية، قد نشرت، السبت الماضي، أن المفاوضات بين إيران وأميركا قد تبدأ هذا الشهر، وأن النرويج تُعدّ إحدى الخيارات المطروحة للوساطة. ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن كلا الطرفين مستعدان لبدء مفاوضات جديدة، مشيرة إلى أن المحادثات الماضية انحصرت في البرنامج النووي، بينما تؤكد طهران الآن أن مسألة تعويض الأضرار التي لحقت بها جراء الحرب يجب أن تكون جزءاً أساسياً من أي نقاش مستقبلي.
وأضافت هذه المصادر أن المفاوضات الجديدة قد تُجرى بوساطة طرف ثالث، وبشكل غير مباشر، وربما تبدأ فعلياً مع نهاية الشهر الحالي. كما كشفت الصحيفة أن نائب وزير خارجية النرويج أندرياس كراويك زار طهران هذا الأسبوع، والتقى بعراقجي. ورغم أن وزارة الخارجية الإيرانية لم تشر رسمياً إلى وساطة نرويجية، فإن هذه الزيارة المفاجئة ارتبطت في التقديرات الإعلامية والسياسية بجهود الوساطة، خاصة أن النرويج من الدول الغربية القليلة التي انضمت إلى أكثر من 120 دولة في إدانة الحرب الإسرائيلية على إيران، وتحافظ تقليدياً على علاقات جيدة مع طهران.
في سياق متصل، أكد نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي، اليوم الاثنين، أن بلاده مستعدة، في إطار صفقة “عادلة ومربحة للطرفين”، لقبول قيود مؤقتة على برنامجها النووي السلمي، شرط أن يقابل ذلك رفع العقوبات الأميركية المفروضة على طهران. ونقلت وكالة أنباء “إيسنا” شبه الرسمية عن تخت روانجي قوله: “إيران يمكن أن تكون مرنة بشأن قدرات وإمكانات التخصيب، لكنها لا يمكن أن توافق بأي حال من الأحوال على وقف التخصيب”، مضيفاً أن التخصيب في إيران “أمر ضروري”، وأن البلاد يجب أن تعتمد على نفسها “لا على الوعود الجوفاء”، وشدد على أنه “إذا أصرت الولايات المتحدة على تخصيب صفري، فهذا يعني أنه لا اتفاق بيننا”.
واتهم تخت روانجي واشنطن بأنها “خدعتنا بالتظاهر بالرغبة في الحوار”، لكنه أوضح أن إيران لا تزال مستعدة لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة، غير أن “على واشنطن أن توضح ما إذا كانت مهتمة حقاً بحوار قائم على مبدأ الربح المتبادل، أم بفرض إرادتها”. كما دعا المسؤول الإيراني إلى تقديم تفسير للأسباب الكامنة وراء الهجوم الذي استهدف بلاده “بغية إجراء حوار صادق”، مشيراً إلى أن الحصول على تعويض عن هذه الاعتداءات ليس شرطاً مسبقاً للجولات المقبلة من المفاوضات، “لكن هذا الموضوع سيُطرح على طاولة النقاش خلال الحوار”.
بقائي: الاتصالات مستمرّة عبر وسطاء
وفي السياق، علّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي على ملف الحوار مع واشنطن، قائلاً إن الاتصالات مستمرة عبر وسطاء، من خلال مكتب رعاية المصالح الأميركية في طهران، وكذلك عبر بعض الدول التي تبادلت الرسائل بين الطرفين خلال العام الماضي، مؤكداً أنه لم يُتخذ أي قرار حتى الآن بشأن إجراء مفاوضات.
ونفى المتحدث ما تردد عن أن النرويج ستستضيف الجولة المقبلة من المفاوضات غير المباشرة، وردّ على تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الذي برر الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية بأنه “جاء لمنع تطور الاشتباك بين إسرائيل وإيران إلى حرب إقليمية شاملة”، قائلاً: “هذا ادعاء مضحك بوضوح. أنتم تبررون انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، واعتداءً على وحدة أراضي إيران وسيادتها الوطنية، بمثل هذا المبرر السخيف الذي لا يمكن قبوله”.
المحادثات مع أوروبا
أما بشأن العلاقات مع الدول الأوروبية، فأكد بقائي أن مسارها لم يتوقف، مشيراً إلى أن اجتماع إسطنبول الذي عُقد قبل أسبوعين انتهى إلى اتفاق على مواصلة المفاوضات. وأضاف أن موعد الجولة المقبلة ومكانها لم يُحسما بعد، لكن الاتصالات متواصلة لتحديدهما.
وفي ما يخص احتمال لجوء الأوروبيين إلى تفعيل آلية العودة التلقائية للعقوبات والقرارات الأممية المعروفة بآلية “سنب بك”، أكد بقائي أن استخدام هذه الأداة للضغط على إيران يعبّر عن رغبة الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، في “عدم الاضطلاع بدور جاد وبنّاء” في هذا الملف.
زيارة نائب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية
وحول زيارة نائب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ماسيمو أبارو إلى طهران، أوضح بقائي أن المحادثات بدأت صباح اليوم، وأن المسؤول الأممي سيعقد لقاءات مع مسؤولي وزارة الخارجية الإيرانية، لكنه اعتبر أنه من المبكر الحكم على نتائج هذه الزيارة، نظراً لأن القضايا المطروحة فنية ومعقدة، وأشار إلى أن الوضع الحالي بين إيران والوكالة “حالة فريدة في تاريخ هذه المؤسسة”، قائلاً: “لا يوجد مثال مشابه لتعرض منشآت نووية سلمية في دولة، تخضع لمراقبة الوكالة على مدار الساعة، لهجوم مسلّح، فيما تقصّر الوكالة في رد الفعل المناسب، ولا تصدر إدانة بالمستوى المطلوب”.
وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن هذه الجولة من المحادثات ستركز على بحث أسلوب استمرار التعاون بين إيران والوكالة، في ضوء أحداث الأسابيع الأخيرة، ولا سيما الاعتداءات الإسرائيلية والأميركية على المنشآت النووية السلمية الإيرانية، مع مراعاة قرار مجلس الشورى الإسلامي بشأن نهج التعامل مع الوكالة.