إصلاح بنوك العراق يعود للواجهة .. هل يُنجَز هذه المرة؟
يمثل القطاع المصرفي العراقي منذ سنوات الحلقة الأضعف في اقتصاد يعتمد بشكل شبه كلي على النفط والإنفاق الحكومي.

ميدل ايست نيوز: يمثل القطاع المصرفي العراقي منذ سنوات الحلقة الأضعف في اقتصاد يعتمد بشكل شبه كلي على النفط والإنفاق الحكومي، ما أبقاه بعيداً عن دوره المفترض في تحفيز الاستثمار وتمويل التنمية وتحريك عجلة الاقتصاد.
وفي هذا السياق، أعاد البنك المركزي العراقي الأسبوع الماضي فتح ملف إصلاح القطاع المصرفي الخاص، والذي كان باشر فيه أبريل الماضي عبر خطة بالشراكة مع شركة “أوليفر وايمان” (Oliver Wyman).
تركز الخطة على تعزيز الشمول المالي، وزيادة كفاءة القطاع المصرفي، وخلق بيئة تنافسية عادلة، إلى جانب رفع مرونة النظام المالي وقدرته على مواجهة المخاطر. وتشمل الخطة إصلاحات هيكلية تشمل تحديد سقف الملكية لمنع الاحتكار، وإخضاع المساهمين الرئيسيين لعمليات عناية واجبة مشددة، وإلزام البنوك باعتماد نماذج أعمال مستدامة تضمن الالتزام بنسب كفاية رأس المال والسيولة، إلى جانب تعزيز الشفافية في التقارير المالية والامتثال الصارم لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
قطاع مصرفي هش رغم العدد الكبير
يضم العراق حالياً 83 مصرفاً، بينها 8 مصارف حكومية، و24 مصرفاً تجارياً، و31 مصرفاً إسلامياً، و17 فرعاً لمصارف أجنبية، و3 مكاتب تمثيلية. ورغم هذا العدد الكبير، فإن البنوك لم تلعب دوراً حقيقياً في دفع عجلة النمو الاقتصادي، إذ تتركز معظم الودائع والأصول في البنوك الحكومية، بينما لا تشكل القروض الموجهة للقطاع الخاص سوى نسبة ضئيلة من إجمالي التمويل.
وفق بيانات حكومية حتى يونيو 2025، بلغت الكتلة النقدية في البلاد 98.4 تريليون دينار (نحو 75 مليار دولار)، منها 7 تريليونات دينار فقط داخل الجهاز المصرفي. أما إجمالي ودائع البنوك فوصل إلى 117.4 تريليون دينار (نحو 90 مليار دولار)، مقابل قروض بقيمة 71 تريليون دينار (حوالي 55 مليار دولار).
الخبير المالي زياد الهاشمي يرى أن التحدي الأساسي يتمثل في “انعدام ثقة المجتمع بالقطاع”، والذي انعكس على شكل “اكتناز واسع للسيولة خارج النظام المصرفي”.
بدوره يشير منار العبيدي، رئيس مؤسسة “عراق المستقبل”، إلى أن البنوك تعاني من نموذج عمل متقادم ومعزول، وضعف في التسويق والابتكار، ما يحد من قدرتها على اجتذاب المودعين وتقديم خدمات مالية نوعية.
خطة إصلاح تمتد لعامين
يؤكد خبراء أن إصلاح القطاع المصرفي العراقي، رغم صعوبته، ليس مستحيلاً. ويشير المدير العام السابق في البنك المركزي محمود داغر إلى أن القطاع العام يهيمن على 85% من الودائع و90% من الأصول، ما يجعل الإصلاح “مكلفاً وبطيئاً.. لكنه بالتأكيد ضروري”.
وديع حنظل، رئيس رابطة المصارف الخاصة، كان اعتبر بمقابلة مع “الشرق” أن خطة المركزي قد تستغرق نحو عامين، معرباً عن أمله في عودة القطاع إلى المنظومة المالية العالمية.
وشدد آنذاك على أهمية إعادة هيكلة الملكية، والالتزام بالمعايير العالمية، وتوسيع قاعدة الشمول المالي، التي لا تغطي حالياً سوى ثلث السكان.
يتزامن إعادة فتح ملف إصلاح القطاع مع خطة حكومية لدمج مصرفي “الرافدين” و”الرشيد”، في إطار عملية تطوير شاملة يضم المصارف الحكومية والخاصة على حد سواء.
قيود دولية وتحديات جيوسياسية
تسعى الحكومة العراقية إلى استعادة الثقة الدولية بالقطاع المصرفي، خاصة بعد إدراج وزارة الخزانة الأميركية 14 مصرفاً عراقياً في القائمة السوداء في يوليو 2023، للاشتباه في تورطها في أنشطة غسل أموال وتحويلات إلى إيران وسوريا ولبنان.
ويركز البنك المركزي في خطته الجديدة على تصنيف المصارف بحسب قوتها السوقية، وتطبيق خطط إصلاح مصممة لكل فئة على حدة، بدلاً من فرض نموذج موحد. في وقتٍ يواجه عدد من المصارف صعوبات في التعاملات الخارجية، لاعتمادها على خدمات داخلية فقط.
بحسب المحلل الاقتصادي مصطفى حنتوش، فإن ضعف البنية المصرفية يحد من تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويجعل الاقتصاد أسيراً للإنفاق الحكومي. مضيفاً أن هيمنة البنوك الحكومية، التي لا تواكب التطورات التقنية والمالية، تضعف ثقة المستهلك وتقلل من كفاءة النظام المالي.
6 مصارف فقط تهيمن على تحويلات الدولار
انحصرت عمليات التحويل بالدولار الأميركي تدريجياً في 6 مصارف فقط، وهي: “المصرف الأهلي العراقي”، و”مصرف المنصور”، و”مصرف بغداد”، و”مصرف الائتمان”، و”مصرف أبوظبي”، و”مصرف التجارة العراقي” الذي يُعدُّ المصرف الحكومي الوحيد بينها، بحسب مصدر في البنك المركزي في حديث سابق لـ”الشرق”.
ويُعزى هذا إلى امتلاك هذه المصارف علاقات دولية مع بنوك مراسلة، ما يتيح لها الاستمرار في التحويلات حتى بعد انتهاء عمل المنصة الإلكترونية التي كانت تتولى هذه المهمة.
في مقابلة سابقة مع “رويترز”، شبّه محافظ البنك المركزي علي العلاق الرقابة المصرفية بـ”المعركة”، مشيراً إلى مقاومة قوية من المستفيدين من الوضع الحالي، وأكد أن البنك بصدد مراجعة شاملة قد تنتهي بإغلاق بعض المصارف غير الممتثلة.
فرص إصلاح حقيقية لكن مشروطة
مصطفى حنتوش أكد أن السيناريو الأمثل يتطلب خطة واقعية تشمل زيادة رؤوس الأموال، وعمليات اندماج مدروسة، وتعديلات قانونية لقياس الأداء بدقة. أما منار العبيدي، فيرى أن النجاح ممكن عبر تعزيز التكنولوجيا المالية ودمج البنوك الصغيرة، ما يخلق قطاعاً أكثر قدرة على المنافسة الدولية.
ومع أن موقع العراق الجغرافي يشكل تحدياً بسبب قربه من دول ذات علاقات متوترة مع واشنطن، فإن تنفيذ خطة الإصلاح بالكامل قد يطلق مرحلة استثمارية جديدة ويعزز دور العراق في الأسواق المالية العالمية.
محافظ”المركزي” العلاق لخّص الأمر بمقابلة سابقة مع “الشرق” بقوله إن خطة الإصلاح تتضمن شقين، أحدهما للمصارف الحكومية، والآخر للقطاع الخاص. والهدف هو مواءمة القطاع مع المعايير الدولية وبناء ثقة مع الأسواق العالمية. مؤكداً أن الخطة تفرض على المصارف أحد 3 خيارات: الالتزام بالمعايير، أو الاندماج، أو الخروج من السوق.