من الصحافة الإيرانية: صعود جيوسياسي لتركيا من العراق إلى القوقاز
إن نجاح تركيا في مسارها الحالي قد يؤدي إلى إخراج طهران من العديد من الممرات الاستراتيجية في المنطقة، ويعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوراسيا لصالح أنقرة.

ميدل ايست نيوز: لم تعد تركيا في العقد الأخير متمسكة بشعار «لا مشاكل مع دول الجوار»، بل باتت تعتمد سياسة أكثر براغماتية تسعى من خلالها إلى ترقية موقعها من مجرد لاعب إقليمي إلى قوة محورية في أوراسيا والشرق الأوسط. هذا التحول يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية: الممرات التجارية والترانزيت، والنفوذ العسكري، والحضور الدبلوماسي النشط.
طريق التنمية العراقي: ربط الخليج بأوروبا
وكتب أبوالفضل حسيني نيك، على موقع دبلوماسي إيراني، أن مشروع «طريق التنمية» الذي يربط ميناء الفاو جنوب العراق بالحدود التركية ومن ثم أوروبا، يمثل أحد أبرز المبادرات الجيوسياسية لأنقرة. عبر هذا المشروع، تتحول تركيا إلى شريان حيوي بين الخليج وأوروبا، ما يمنحها وزناً اقتصادياً وجيوسياسياً أكبر. وتقدر قيمة المشروع بنحو 17 مليار دولار، على أن يتمكن بعد اكتماله من نقل أكثر من 20 مليون طن من البضائع سنوياً.
في مايو 2025، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني 11 اتفاقاً في مجالات الأمن والتجارة والطاقة، وتم التأكيد على استئناف خط أنابيب تصدير النفط من شمال العراق إلى تركيا. كما دخل نظام النقل البري الدولي TIR حيز التنفيذ في العراق منذ أبريل 2025، ما خفض زمن الترانزيت بين ميناء أم قصر والحدود التركية إلى أقل من أسبوع. وأكد أردوغان أن المشروع سيوفر خلال عشر سنوات أكثر من 50 مليار دولار من الناتج الاقتصادي وعشرات آلاف فرص العمل.
لكن التحديات الأمنية في شمال العراق وعدم الاستقرار السياسي في بغداد ما تزال عقبات أساسية. وللتعامل مع ذلك، تركز أنقرة على نزع سلاح الفصائل الكردية، وتعزيز التعاون الأمني مع بغداد، وتقليص نفوذ الفصائل المقربة من إيران.
سوريا: عمق استراتيجي وممر للطاقة
منذ عام 2016، عززت تركيا حضورها العسكري المباشر في شمال سوريا عبر إنشاء مناطق عازلة، ما منحها عمقاً استراتيجياً في الشرق الأوسط. وخلال الأعوام الأخيرة، بدأت محاولات لتطبيع العلاقات مع دمشق، ورغم هشاشة هذا المسار وتأثره بالتجاذبات الإقليمية والدولية، فإن أي مستوى من التعاون قد يمنح أنقرة نفوذاً إضافياً في معادلات بلاد الشام وشرق المتوسط.
وتراهن أنقرة على اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي أُعلن في مارس 2025 وترافق مع إطلاق مسار سياسي جديد، لتقليص التهديدات الأمنية على حدودها الجنوبية وتهيئة الأجواء لاستثمار الموقع الجغرافي لسوريا اقتصادياً، بما في ذلك الوصول إلى شبكات الطاقة وممرات التجارة في شرق المتوسط.
ممر زنغزور: ربط القوقاز بآسيا الوسطى
في جنوب القوقاز، تدعم تركيا مشروع ربط أذربيجان بجمهورية نخجوان ومن ثم أراضيها عبر «ممر زنغزور» أو ما أصبح يعرف اليوم بممر “ترامب للسلام”، الذي يشكل خطوة نحو ما تسميه أنقرة «الممر الطوراني» للنفاذ المباشر إلى آسيا الوسطى. وفي أغسطس 2025، وُقع اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان بوساطة أميركية في البيت الأبيض، تم خلاله اعتماد ممر ترانزيت جديد وتسليمه للشركات الأميركية. هذا الاتفاق جعل من تركيا وأذربيجان المستفيدين الرئيسيين، فيما أضعف من موقع إيران وروسيا في معادلات النقل الإقليمي.
وقد بدأ بالفعل تنفيذ خط السكك الحديدية إلى نخجوان كجزء عملي من هذا المشروع. ورحبت أنقرة بالاتفاق ووصفته بأنه «مغير لقواعد اللعبة» في القوقاز، في حين حذرت إيران من تداعياته على موقعها الجيوسياسي.
تتحرك تركيا اليوم بثلاثة أدوات رئيسية هي ممرات الترانزيت (مشروع طريق التنمية في العراق وممر ترامب للسلام)، والنفوذ العسكري والأمني (في شمال سوريا ومواجهة حزب العمال الكردستاني)، والدبلوماسية النشطة (عبر الوساطات والاتفاقات الاقتصادية)، لتعيد صياغة مكانتها باعتبارها «الهارتلاند» الجديد لأوراسيا.
هذه التحولات تحمل انعكاسات مباشرة على إيران، منها تراجع دورها في خطوط الترانزيت شرق–غرب وشمال–جنوب، وإضعاف موقعها في القوقاز، وتضييق فرصها الاقتصادية في العراق وسوريا.
وبالمحصلة، فإن نجاح تركيا في مسارها الحالي قد يؤدي إلى إخراج طهران من العديد من الممرات الاستراتيجية في المنطقة، ويعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوراسيا لصالح أنقرة.
اقرأ المزيد
من الصحافة الإيرانية: هل طريق التنمية العراقي فرصة أم تهديد لإيران؟