من عاصمة التعدد إلى ساحة للنفوذ الواحد.. هل تحوّلت السليمانية إلى قلعة مغلقة؟

لطالما عُرفت السليمانية بأنها عاصمة التعدد السياسي في إقليم كردستان العراق، لكن الاتحاد الوطني الكردستاني الذي بدأ يعلو صوته، فيما يخفت حضور المعارضة يوما بعد آخر.

ميدل ايست نيوز: لطالما عُرفت السليمانية بأنها عاصمة التعدد السياسي في إقليم كردستان العراق، لكن الاتحاد الوطني الكردستاني الذي بدأ يعلو صوته، فيما يخفت حضور المعارضة يوما بعد آخر، بعد حملة اعتقالات طالت رموزها، ووضعت المشهد على مفترق طرق، إذ عد مراقبون تلك الاعتقالات محاولة لإحكام القبضة السياسية بيد الحزب الحاكم، فيما يصر الأخير على أنها مجرد تطبيق للقانون مع إبقاء أبواب العمل السياسي مفتوحة.

وأقدمت قوة أمنية في السليمانية على اعتقال رئيس حراك الجيل الجديد، شاسوار عبد الواحد، الذي حُكم عليه مؤخرا بالسجن لمدة خمسة أشهر، تلاها اعتقال رئيس جبهة الشعب لاهور شيخ جنكي، بعد ليلة دامية عاشتها السليمانية في 22 آب أغسطس الماضي، فيما سبقهما اعتقال القيادي في تحالف الديمقراطية آرام قادر، فضلا عن تسريبات إعلامية تتحدث عن نوايا لاعتقال شخصيات أخرى بارزة، أو التضييق عليها، من قبيل القيادي السابق في الاتحاد ملا بختيار، ورئيس الجمهورية السابق برهم صالح.

عودة الدكتاتورية

ويقول الباحث السياسي وأستاذ العلوم السياسية حكيم عبد الكريم، إن “دور المعارضة في السليمانية انتهى، بعد أن كانت هذه المدينة تمثل المتنفس الوحيد للديمقراطية والحريات السياسية والمدنية”.

ويبين عبد الكريم، أن “استبداد السلطة واستخدام السلاح الحزبي، أدى لإنهاء دور المعارضة، وهو ما سينعكس على دورها وعدد مقاعدها الذي سيتراجع بشكل لافت، لأن قادة المعارضة في السجن، بتهم مختلفة”.

ويعزو أسباب عجز المعارضة السياسية عن الصمود أمام استبداد أحزاب السلطة الحاكمة في إقليم كردستان، إلى “عدم قدرتها على إنتاج خطاب موحد من جهة، ونفاق المجتمع الدولي، من جهة أخرى”، مستغربا “صمت الولايات المتحدة التي قبلت التعامل مع قوى السلطة التي تمتلك السلاح والمال، ولم تتدخل إزاء ما يجري من تصفية للمعارضة في السليمانية”.

يذكر أن حركة المعارضة في السليمانية ظهرت بقوة إبان تأسيس حركة التغيير في عام 2008، عندما انشق زعيمها الراحل نوشيروان مصطفى، وأسس الحركة التي تمكنت سريعا من شق طريقها داخل الشارع الكردي، والحصول على عدد كبير من المقاعد، نافست به نفوذ الاتحاد الوطني، وذلك قبل أن تتراجع تدريجيا وتنتهي بشكل شبه تام مع رحيل مصطفى.

ولم يقتصر الأمر على حركة التغيير، بل ظهرت تيارات جديدة، لعل أبرزها حراك الجيل الجديد برئاسة شاسوار عبد الواحد، والذي استطاع الصعود والمنافسة بقوة، حتى شكل تهديدا للحزبين الحاكمين، الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، لاسيما بعد حصوله على 15 مقعدا في انتخابات برلمان إقليم كردستان التي جرت العام الماضي.

«الوطني» على خطى «الديمقراطي»

من جهته، يرى ميران جلال، عضو جبهة الشعب التي يرأسها لاهور شيخ جنكي، أن “دور المعارضة ما زال قويا، لأن الشعب الكردي، وخاصة في السليمانية وحلبجة، بات يمقت أحزاب السلطة، ومنها الاتحاد الوطني الذي لم يختلف عن الحزب الديمقراطي بشيء، ومارس أبشع أنواع الاضطهاد”.

وينوه جلال، إلى أن “الاتحاد الوطني شعر بالخطر، من تراجع دوره في السليمانية، خاصة في ظل النقمة الشعبية المتزايدة، نتيجة مشاركة الحزب في عمليات الفساد، وتهريب النفط، وقمع المواطنين، ووقوفه مع الحزب الديمقراطي في مشاريع تجارية تنهب جيب المواطن الكردي”.

ويردف أن “الاتحاد الوطني أعد خطة لتصفية القوى المعارضة، حتى ينفرد بحكم السليمانية لوحده في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مستخدما نفوذه في القضاء، والأجهزة الأمنية، اللتين ينظر إليهما كأجهزة تابعة له”، منبها إلى أنه وبالرغم من كل ذلك، لو أجريت انتخابات نزيهة، فإن القوى المعارضة ستحتفظ بقوتها، فالمواطن بات على دراية بمن يسرق أمواله وخيراته”.

وشهدت مدينة السليمانية، ليلة 22 آب أغسطس الماضي، مواجهات مسلحة استمرت لساعات طويلة وانتهت بالقبض على رئيس جبهة الشعب والرئيس المشترك السابق للاتحاد الوطني الكردستاني، لاهور شيخ جنكي، واثنين من أشقائه، فضلا عن عشرات المناصرين له، بعد محاصرة وإحراق مقر إقامته في فندق لاله زار، الأمر الذي فسره مختصون وسياسيون بأنه تصفية للمعارضين قبيل الانتخابات.

وحصل الاتحاد الوطني الكردستاني، في انتخابات برلمان كردستان الأخيرة على 23 مقعدا، فيما جاء الجيل الجديد خلفه بـ15 مقعدا، الأمر الذي اعتبره العديد من المختصين، بمثابة تراجع في قوة الاتحاد، كونه متحكما بالسلطة الأمنية والإدارية وكل مفاصل السليمانية.

خطوة استباقية

من جانبه، يفسّر الباحث في الشأن السياسي آرام مجيد، ما قام به الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيسه بافل طالباني، بأنه “خطوة استباقية للقضاء على أي خطر قد يواجه نفوذه، أو يفقده منصب رئاسة الجمهورية بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة”.

ويوضح مجيد، أن “الاتحاد الوطني وبعد نتائج انتخابات برلمان كردستان، وفي ظل النقمة الشعبية على أدائه، وخاصة مع استمرار أزمة الرواتب، شعر بأن مقاعده في الانتخابات المقبلة قد تتراجع، فيما تزداد مقاعد منافسه الحزب الديمقراطي، أو تبقى ثابتة في أسواً الاحتمالات”.

ويتهم الباحث السياسي، الاتحاد الوطني بـ”استغلال القضاء في السليمانية، عبر إصدار أحكام ضد عدد من المعارضين بالتزامن مع اقتراب الانتخابات، لغرض إبعاد خصومه من المشهد الانتخابي”.

ويبين أن “اعتقال شاسوار عبد الواحد، رئيس حراك الجيل الجديد، والسيطرة على جميع أملاكه، ومنها شركة ناليا، ومجمع جافي لاند، وعرضها في المزاد، وكذلك اعتقال لاهور شيخ جنكي، ومصادرة أمواله، أمر من شأنه أن يضعف المعارضة وأحزابها بسبب غياب رموزها من جهة، وتجفيف مصادر التمويل من جهة أخرى”.

ويبدو أن نجلَي الرئيس الراحل جلال طالباني، بافل وقوباد، في طريقهما إلى فرض سيطرتهما السياسية والأمنية على محافظة السليمانية، وإبقائها منطقة نفوذ لحزبهما (الاتحاد الوطني) بعد إزاحة أندادهما الأقوياء، إلا أن مصادر كردية شككت في إمكانية ذلك، خصوصا مع تمتّع رموز المعارضة بشعبية نسبية في المدينة.

وأعلن حراك “الجيل الجديد” بزعامة شاسوار عبد الواحد، في 28 آب أغسطس الماضي، عن تعرّض عدد من نوابه في برلمان إقليم كردستان والبرلمان الاتحادي، للضرب على يد من وصفهم بـ”بلطجية الاتحاد الوطني الكردستاني”.

الاتحاد يردّ: الحريات مكفولة

أما القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي، فيشير إلى أن السليمانية ماتزال قلعة المعارضة، وهناك الآن العشرات من الأحزاب، والمنظمات، والقنوات الفضائية، التي تمارس دورا معارضا من داخل المدينة”.

ويبرر سورجي،ما جرى في السليمانية بأنه “لم يكن فعلا سياسيا، فقضية شاسوار عبد الواحد، قضائية بحتة، نتيجة وجود شكوى من نائبة في حراك الجيل الجديد، وأما قضية لاهور شيخ جنكي، فهي جنائية أيضا، وقد خرجت اعترافات تثبت ذلك، من خلال وقوفه وراء مخطط يستهدف أمن السليمانية”.

ويلفت إلى أن “اعتقال قادة الأحزاب، لم يمنع الأخيرة من العمل السياسي والانتخابي، بل إنها ما زالت تمارس دورها بشكل طبيعي، فحراك الجيل الجديد ما زال قويا، والمخطط المالي والسياسي هو النائبة سروة عبد الواحد، التي ما تزال موجودة في بغداد، وتمارس نشاطها”.

وينوه إلى أن “الأحزاب المعارضة الأخرى، ومنها الأحزاب الإسلامية، وحركة الموقف، وتيارات شبابية ومدنية أخرى، ما تزال تفتح مقراتها في السليمانية، ولا أحد يضايقها”، منبها إلى أن “ذلك لا يمكن مقارنته بأربيل، حيث لا يستطيع أي معارض الإدلاء بكلمة واحدة، وهذا يؤكد أن الاتحاد الوطني يؤمن بالتعددية، والعمل الديمقراطي، بشرط الحفاظ على السلمية”.

ويأتي هذا التصعيد، وسط استمرار الخلافات السياسية بين الحزبين الحاكمين في الإقليم حول المناصب، ما عرقل تشكيل حكومة الإقليم، وتسبب بتنامي التنافس الانتخابي بين القوى السياسية حول الانتخابات التشريعية في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى