من الصحافة الإيرانية: الطريق الوحيد أمام إيران لمنع أي عدوان جديد

بعض الخبراء والمسؤولين في تحليلاتهم الإعلامية يتحدثون عن احتمال اندلاع حرب استنزاف واستعداد إيران لحرب طويلة. غير أنّ هذا التحليل هو تحليل مضلِّل وخاطئ تمامًا.

ميدل ايست نيوز: إحدى الفرضيات الشائعة هذه الأيام هي التنبؤ بظروف الحرب المحتملة القادمة بين إيران وإسرائيل. بعض الخبراء والمسؤولين في تحليلاتهم الإعلامية يتحدثون عن احتمال اندلاع حرب استنزاف واستعداد إيران لحرب طويلة. غير أنّ هذا التحليل هو تحليل مضلِّل وخاطئ تمامًا، إذ يُحرّف الظروف الدفاعية وردود فعل إيران ويقود إلى مسار غير صحيح.

فحسب مقال رأي للكاتب الإيراني محمد مونسان في موقع “دبلوماسي إيراني“، الحرب المحتملة المقبلة بين إيران وإسرائيل ستكون أقصر حتى من الحرب السابقة، أي حرب شديدة وصادمة تمامًا لمدة 3 إلى 6 أيام فقط. أما التحليلات المخالفة فقد تكون ناتجة عن خداع معرفي من قِبل الأعداء، حتى تتوهم إيران بأن الحرب ستكون لعدة أشهر أو سنوات، فتلجأ إلى إدارة ردّ فعلها على الهجوم بشكل محسوب وتحتفظ بطاقتها بدل أن تردّ بكل قوة منذ البداية. ويمكن الاستدلال على ذلك بالأسباب التالية:

1- عدم تحمّل إسرائيل لحرب طويلة الأمد: إسرائيل دولة صغيرة بمساحة تقارب 1% من مساحة إيران. وقد أظهرت حرب الـ12 يومًا مدى هشاشة هذه المساحة الصغيرة. وبالتالي فإن إطالة أمد الحرب سيكون حتمًا ضد مصلحة إسرائيل ولصالح إيران. لذلك فإن خطتهم ستكون حربًا صادمة، شاملة وقصيرة جدًا.

2- التدخل المباشر للولايات المتحدة وأوروبا: الفرق الجوهري بين الحرب المقبلة وحرب الـ12 يومًا هو أنّ الولايات المتحدة ستشارك بشكل مباشر وواسع وشديد. ففي الحرب السابقة لم تدخل أمريكا منذ البداية في مواجهة مباشرة مع إيران لأنها كانت مترددة بشأن نجاح عملياتها ونوعية رد الفعل الإيراني. لكن في الأيام الأخيرة للحرب، وبعد أن رأت الطيران الحر للمقاتلات الإسرائيلية في أجواء إيران وتأكدت من تدمير الرادارات والدفاعات الجوية الإيرانية، قررت مهاجمة المواقع النووية الإيرانية مباشرة لتستفيد هي الأخرى من الوضع.

ردّ إيران الضعيف جدًا على الهجوم الأمريكي العنيف (الذي استهدف قاعدة في قطر) عزّز ثقة واشنطن بأنها باتت متيقنة من أنّ إيران لم تعد قادرة على ردّ فعل قوي. ولهذا لا ترى سببًا لعدم مشاركتها في الحرب القادمة. المناورات المشتركة بين إسرائيل وأمريكا وبريطانيا (باسم طلوع الفجر) أظهرت أنّ الحرب المقبلة ستكون هجومًا شاملًا مشتركًا وليس واحدًا تلو الآخر. ومن جهة أخرى، كيف ستعرف إيران إن كانت مقاتلات F35 أو F16 التي تهاجمها إسرائيلية أم أمريكية؟

إذن، الحرب المقبلة يجب اعتبارها حربًا شاملة ووحشية من الغرب (الناتو وإسرائيل) ضد إيران.

٣- قفزة أسعار النفط العالمية: من المؤكد أن استمرار الحرب سيؤدي إلى قفزة كبيرة في أسعار النفط، وهو ما لا يرحب به لا الغرب ولا الصين. لذلك فمصلحة الجميع تكمن في أن يفعلوا كل ما يلزم لإنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن.

٤- أعنف العمليات في دقائق معدودة: كان في عقلية حرب الدفاع المقدس لثماني سنوات أنّ تنفيذ عملية عسكرية يستغرق أيامًا أو أشهر، لكن هذا المفهوم اليوم لم يعد له أي مصداقية. عملية أمريكا ضد جميع المواقع النووية الإيرانية في الأول من تير (٢٢ يونيو) هذا العام (باسم مطرقة منتصف الليل) التي نُفذت بواسطة القاذفات الاستراتيجية B2 والغواصة النووية الأمريكية عبر إطلاق صواريخ كروز، استغرقت كليًا ٢٥ دقيقة فقط (من الساعة ٢:١٠ حتى ٢:٣٥ فجرًا). وهذا مجرد مثال على قدرة الجيش الأمريكي في سماء بلد بلا دفاع.

فكيف سيكون الوضع إذا صُبّت كل قدراتهم (إسرائيل وأمريكا وربما أوروبا) باتجاه إيران؟ كم دقيقة أو ساعة ستكفي للهجوم على جميع البنى التحتية الحيوية الإيرانية؟ الهدف هنا ليس تضخيم قوة العدو، بل عرض حقيقة طبيعة الحروب الحديثة. الذين يتحدثون عن حرب استنزاف مع إيران يعيشون خارج واقع الحروب الحديثة لعقود ويضلّلون القادة العسكريين والسياسيين الإيرانيين بمثل هذه التصورات.

٥- استخدام الأسلحة النووية ضد إيران: الحقيقة المريرة لكنها شديدة الاحتمال في الحرب القادمة هي احتمال كبير لاستخدام الأسلحة النووية ضد إيران في اليوم الأول.

التجارب التاريخية تكشف طريقة التصرف اللاإنساني لأمريكا لإجبار أعدائها العنيدين على الاستسلام. ففي الحرب العالمية الثانية، وبعد أن تلقت أمريكا ضربات قاسية من اليابان وشعرت أنها لا تستطيع إخضاعها بالأسلحة التقليدية، أقدمت فجأة في ٦ آب/أغسطس ١٩٤٥ على الهجوم النووي على هيروشيما. منحت واشنطن اليابان مهلة يومين للاستسلام لكنها رفضت، فأتبعت ذلك في ٩ آب/أغسطس بهجوم نووي ثانٍ على ناغازاكي. وفي النهاية، استسلمت اليابان في ١٥ آب/أغسطس (بعد ٦ أيام من الهجوم النووي الثاني) استسلامًا كاملًا دون شروط. واليوم، حين يُسأل الأمريكيون عن تلك الجريمة لا يعتذرون حتى، بل يقولون إن تلك الهجمات هي التي أنهت الحرب العالمية الثانية!

وفي مثال آخر، حين هاجمت أمريكا مباشرة في ٣ تموز ١٩٨٨م طائرة الركاب الإيرانية وأدّت إلى استشهاد ٢٩٠ مسافرًا وطاقمها، برّروا هذه الجريمة بقولهم إن ذلك الهجوم أجبر إيران على قبول القرار ٥٩٨ بسرعة وأنهى الحرب! وكذلك قالوا إن هجومهم العنيف على جميع المراكز النووية الإيرانية أجبر إيران على قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل فورًا!

نرى إذًا أنهم يبررون كل جريمة بذريعة إنهاء الحروب.وعليه، وبالنظر إلى البنود الخمسة أعلاه، يجب اعتبار احتمال قيام إسرائيل أو أمريكا بشن هجوم نووي على إيران في اليوم الأول من الحرب المقبلة احتمالًا مرتفعًا جدًا.

فما هو المخرج أمام إيران؟

في ظل مجمل الظروف الراهنة، يجب القول بصراحة وبدون تردد أو خوف إن الطريق الوحيد أمام إيران لمنع أي عدوان جديد هو الإسراع في الكشف عن أسلحتها النووية. للأسف، وفي مسار خاطئ تمامًا وفهم مقلوب لمفهوم الردع، نسمع هذه الأيام بعض التصريحات من المسؤولين العسكريين الإيرانيين، ومنهم وزير الدفاع، بأنهم “إذا شنّ الأعداء هجومًا جديدًا فسوف نكشف عن أسلحة سرّية وغير معروفة لدينا”!

والحقيقة أن لا الأعداء ولا حتى الأصدقاء يصدقون مثل هذه الأقوال بعد الآن، إذ يقولون: لو كانت لدى إيران مثل هذه الأسلحة المجهولة والفعّالة لكانت استخدمتها في الحرب الشاملة والعنيفة ذات الـ١٢ يومًا. لذا على إيران أن تتخلى عن هذه الاستراتيجية الخاطئة القائمة على “إذا هاجمونا (وقد هاجموا بالفعل) فسوف نفعل كذا وكذا”.

فمثلًا نسمع تصريحات من قبيل: إذا فعّلوا آلية الزناد، قد ننسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) ونراجع عقيدتنا النووية!

إيران لم تدرك بعد أن مثل هذه التهديدات لم يعد أحد يأخذها على محمل الجد، وأن الأوضاع اليوم مختلفة تمامًا عمّا كانت عليه قبل بضعة أشهر أو حتى أسابيع.

ولا يُعرف ما الذي تنتظره إيران حتى تُدرك خطورة التغيّر الجذري في الظروف. عليها أن تُظهر ما تملكه بأسرع ما يمكن، وأن “تكشر عن أنيابها” قبل أي هجوم، وإلا فلن يكون هناك وقت للرد بعد الهجوم، حتى ولا بقدر حرب ١٢ يومًا. يجب أن نفهم أن الطائرات المسيّرة والصواريخ التقليدية لم تعد مجدية، وأن الردع الوحيد المتبقي هو “الأسلحة النووية القادرة على بلوغ الأراضي الأمريكية والأوروبية” ولا شيء غير ذلك.

في هذه الأيام، تتداول أخبار غامضة لكنها مشجعة عن صواريخ تُسمى خرمشهر-٥ ورستاخيز بمدى ١٢ ألف كيلومتر يُمكّنها من الوصول إلى الولايات المتحدة. وإذا ما كُشف عن رأس نووي لهذه الصواريخ، فسوف يكتمل هذا “البازل” ويجبر أمريكا وأوروبا على مزيد من الحذر تجاه إيران.

وللتدليل على نجاح هذا النوع من الردع، يكفي التذكير بما قاله ترامب خلال لقائه مع بوتين في أغسطس ٢٠٢٥ في ألاسكا، حين صرّح بوضوح: “مع دولة لديها سلاح نووي لا نحارب، بل نتفاوض”.

أو مثلًا ما قاله مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الأسبق عام ٢٠١٨ (١٣٩٧هـ.ش)، حين سُئل: “لماذا تختلف لهجتكم مع كوريا الشمالية عن لهجتكم مع إيران؟” فأجاب: “الوضع بين إيران وكوريا الشمالية مختلف تمامًا، فالأخيرة لديها سلاح نووي قادر على بلوغ الأراضي الأمريكية”.

أي أنه صرّح بأن سرّ الخطاب غير التهديدي تجاه كوريا الشمالية يعود لأمرين: (١) امتلاكها سلاحًا نوويًا، (٢) قدرته على بلوغ الأراضي الأمريكية.

فبأي لغة يقرّ أعداؤنا، وبأي صوت يصرخون، حتى ندرك أن ما يخشونه فقط هو السلاح النووي؟

فلاديمير بوتين في ٢٠ أغسطس الجاري (٣٠ مرداد) في الذكرى الثمانين للصناعة النووية الروسية قال: “إن تشكّل الصناعة النووية لعب دورًا حاسمًا في تطوير الصناعات العسكرية الروسية، وأتاح تحقيق التوازن الاستراتيجي، وعزّز ركائز الأمن القومي. لقد تم بناء الدرع النووي الروسي بشكل موثوق، وهو اليوم يُعتبر رمزًا لقوة البلاد التكنولوجية.”

لكن، ويا للأسف، إيران لم تُدرك أبدًا أهمية الردع الدفاعي للصناعات النووية، بل أنكرت عمدًا هذا الدور، حتى حدث كل ما لم يكن ينبغي أن يحدث!

على مدى العقود الأربعة الماضية، بدا أن النهج النووي الإيراني مسار تائه بلا هدف، لا يبرر خمسةً وعشرين عامًا من العقوبات والتهديدات والهجمات العسكرية. لقد اقتصر الاستخدام السلمي للطاقة النووية الإيرانية على بعض الأدوية الإشعاعية وإنتاج محدود جدًا من الكهرباء النووية (بما لا يتجاوز واحدًا بالمئة من حاجة البلاد من الكهرباء، وحتى ذلك بالاعتماد على وقود يورانيومي روسي لا إيراني!).

وبناءً على ذلك، فإن الشيء الوحيد القادر على تبرير كل هذه التكاليف والأثمان التي دفعها الإيرانيون، وإخماد جراح كرامتهم المجروحة، هو الإعلان السريع عن امتلاك السلاح النووي. حتى لو كانت الـ٤٠٠ كغ من اليورانيوم قد دُمّرت في القصف (وهو أمر مستبعد)، على إيران أن تُعلن – ولو بشكل ضمني ومدروس – أنها وصلت إلى امتلاك القدرة النووية العسكرية.

هنا تبرز أهمية ذكاء القادة الأمنيين والعسكريين الإيرانيين في هذه اللحظة الحرجة. ففي بعض الأحيان، مجرد تسريب غير مقصود! لصورة ضبابية لسلاح نووي إيراني عبر جاسوس “متسلل” يمكن أن يكون فعالًا بقدر فعالية إعلان رسمي مباشر. وهذا بالضبط ما فعله الكيان الصهيوني حين سرّب عمدًا بضع صور عبر عميل داخلي ليقنع العالم بامتلاكه ترسانة نووية دون أن يعلن رسميًا.

أو مثلًا: لو أن إيران، قبيل الحرب ذات الـ١٢ يومًا، أعلنت بصراحة أنها – بسبب تهديدات الأعداء – قامت بتقسيم تلك الـ٤٠٠ كغ من اليورانيوم إلى ٤٠ جزءًا موزعة في مخابئ محصّنة تحت الجبال ومراكز غير نووية مجهولة في أنحاء البلاد، لكانت نزعت عمليًا الحافز والتبرير من أيدي أعدائها لشن هجوم على منشآتها النووية.

لكن، ويا للعجب، القادة الأمنيون والسياسيون الإيرانيون لم يُبدوا أي دهاء أو حيلة لخداع العدو أو إرباكه، بل جلسوا في جمود وانتظار حتى ضُربت منشآتهم النووية.

ويجب أن يُقال بوضوح لمسؤولي الأمن الإيرانيين: إن الصدق والشفافية أمران محمودان، لكن ليس مع الأعداء! وإذا لم يُظهروا في هذه الأيام المصيرية أي خطوة ذكية أو مبادرة فطنة، فعليهم أن يتوقعوا جولات جديدة من الهجمات، لكنها ستكون هذه المرة أشد مئات المرات.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى