الصحافة الإيرانية: تأثير اتفاق بغداد وأربيل على توازن القوى في العراق

رغم كون الاتفاق بين أربيل وبغداد يمثل خطوة إيجابية قد تسهم في حل بعض مشكلات الإقليم المالية، إلا أن التجارب السابقة تظهر أن العلاقات بين بغداد وأربيل لطالما شابها التوتر وانعدام الثقة.

ميدل ايست نيوز: قال خبير في شؤون غرب آسيا إن صادرات النفط من إقليم كردستان العراق استؤنفت بعد أكثر من عامين من التوقف، وذلك بموجب اتفاق ثلاثي بين الحكومة العراقية في بغداد وحكومة إقليم كردستان والشركات النفطية العاملة هناك.

وكانت صادرات النفط الكردية قد توقفت منذ مارس 2023 عقب صدور حكم من محكمة التحكيم في باريس ضد تركيا، قضى بأن أنقرة انتهكت اتفاق خط الأنابيب الموقع مع بغداد عام 1973 عندما سمحت لحكومة الإقليم بتصدير النفط بشكل مستقل منذ عام 2014.

وأكدت وزارة النفط العراقية أن عمليات التصدير استؤنفت بكامل طاقتها وتستمر دون أي مشاكل فنية، ووصفت الوزارة هذه الخطوة بأنها “إنجاز مهم” في إطار تعزيز إدارة الثروة الوطنية. من جانبها، اعتبرت سلطات إقليم كردستان الحدث “تاريخياً” و”إنجازاً كبيراً” لجميع العراقيين. وأعلنت الحكومة العراقية أن استئناف الصادرات من شأنه أن يضيف ما بين 400 إلى 500 مليون دولار شهرياً إلى الميزانية الاتحادية، الأمر الذي سيُسهم في تعزيز الإيرادات الوطنية.

وفي هذا السياق، قال أردشير بشنك، الباحث في شؤون غرب آسيا، في مقابلة مع موقع “المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية” إن الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية وجيوسياسية. وأوضح أن “الاتفاق الحالي مؤقت، ومن المقرر أن يُعاد النظر فيه عام 2026″، مضيفاً أن “رغم كونه خطوة إيجابية قد تسهم في حل بعض مشكلات الإقليم المالية، إلا أن التجارب السابقة تظهر أن العلاقات بين بغداد وأربيل لطالما شابها التوتر وانعدام الثقة، ما يجعل نجاح الاتفاق على المدى البعيد أمراً غير مضمون”.

وأشار إلى أن “أحد أهداف بغداد من هذا الاتفاق، إلى جانب تخفيف الضغوط الاقتصادية عن الإقليم، هو منع أربيل من تصدير النفط بشكل مستقل، واستعادة الدور السيادي للدولة المركزية في إدارة هذا الملف”. وبيّن أن “شركة سومو، الذراع الرسمي لوزارة النفط العراقية، أصبحت الجهة المسؤولة عن تصدير النفط، لكن تم في الوقت ذاته وضع آليات تعاون مع المؤسسات النفطية التابعة للإقليم”. وأضاف أن “هذا الترتيب يمثل من جهة تعزيزاً لموقف الحكومة المركزية، ومن جهة أخرى فرصة لأربيل لاستعادة جزء من مواردها المالية”.

وفي ما يتعلق بدور تركيا، قال الباحث في شؤون غرب آسيا إن “أنقرة كانت خلال السنوات الماضية تحتفظ بعلاقات وثيقة مع حكومة إقليم كردستان، خصوصاً مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة عائلة بارزاني)، وأنشأت خط أنابيب مستقل من الإقليم إلى ميناء جيهان التركي دون موافقة بغداد”، مشيراً إلى أن “شكوى الحكومة العراقية وما تبعها من تطورات قضائية أدت إلى توقف هذه الصادرات”.

وأضاف بشنك أن “تركيا، بالنظر إلى مصالحها الاقتصادية الكبيرة المرتبطة بتصدير نفط الإقليم، ترحب بإحياء هذا الخط، إذ يحقق لها عوائد مالية مهمة، غير أن الدور العراقي في الاتفاق الجديد أصبح أكثر بروزاً، ما يغيّر من معادلة النفوذ السابقة”.

ويرى الباحث الإيراني أن “تعزيز الاتفاق النفطي الحالي قد يؤدي إلى تقوية العلاقات الاقتصادية بين أربيل وأنقرة”، لكنه أشار إلى أن “تجارب الماضي أظهرت أن تركيا كانت تميل إلى اتخاذ مواقف مترددة عندما تصل العلاقات بين بغداد وأربيل إلى مرحلة الأزمة، وتركز حينها على مصالحها الاقتصادية القصيرة المدى”.

وأوضح الخبير أن “الاتفاقات السابقة بين بغداد وأربيل حول ملفات مثل الموازنة، والمناطق المتنازع عليها، ورواتب موظفي الإقليم، كثيراً ما فشلت بسبب الخلافات العميقة وانعدام الثقة بين الطرفين”. وأضاف أن “النزعات الانفصالية في الإقليم من جهة، وإصرار بغداد على تطبيق نموذج الدولة المركزية من جهة أخرى، جعلا من الصعب الوصول إلى تسويات دائمة”.

كما أشار إلى أن “الدستور العراقي ينص على أن العراق دولة اتحادية، وليست مركزية، غير أن القادة في بغداد يسعون لتكريس نموذج حكم مركزي، بينما يسعى الإقليم إلى ترسيخ صلاحياته ضمن الإطار الفيدرالي، وهو ما يمثل جوهر الخلاف بين الجانبين”.

وقال بشنك إن “الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في ديسمبر المقبل قد تكون عاملاً حاسماً في تحديد مصير هذا الاتفاق”، مضيفاً أن “أي تغيير في موازين القوى السياسية بعد الانتخابات قد يؤدي إلى تثبيت الاتفاق أو إدخاله في مواجهة تحديات جديدة”.

وأشار إلى أن “في حال حدوث أزمات طاقة أو تقلبات في أسعار النفط، فستكون للحكومة المركزية العراقية اليد العليا في المعادلات الإقليمية، نظراً إلى امتلاكها القسم الأكبر من الموارد النفطية واعتراف المجتمع الدولي بها كسلطة شرعية”. ولفت إلى أن “ميزان القوى مال إلى صالح بغداد منذ استعادة كركوك والمناطق المتنازع عليها بعد استفتاء استقلال الإقليم عام 2017، ولا يزال هذا الاتجاه مستمراً”.

وأضاف أن “الخلافات الداخلية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني، ازدادت بعد وفاة جلال طالباني، وأضعفت موقف الإقليم التفاوضي”.

وأوضح أن “غياب وحدة الموقف الكردي من جهة، وازدياد موارد الحكومة المركزية وشرعيتها من جهة أخرى، جعلا الكفة تميل لصالح بغداد”. كما أشار إلى أن “الحكم الصادر عن المحكمة الدولية في فرنسا ضد صادرات الإقليم المستقلة ساهم بدوره في تعزيز هذا الاتجاه لصالح الحكومة الاتحادية”.

مع ذلك، أكد أن “الدعم الأمريكي وبعض المساندة الأوروبية ما زالا يمنحان أربيل هامشاً من الحضور في المعادلات الإقليمية والدولية”.

وختم الباحث في شؤون غرب آسيا بالقول إن “الاتفاق الأخير يعكس تصاعد دور الحكومة المركزية في إدارة الموارد النفطية، لكنه في الوقت نفسه يفتح نافذة أمام الإقليم لإنعاش اقتصاده وتحقيق توازن نسبي في العلاقة مع بغداد”.

وأضاف أن “من المبكر الحكم على نجاح هذا التفاهم على المدى الطويل، إذ تعتمد استمراريته على تطورات السياسة الداخلية العراقية، ونتائج الانتخابات المقبلة، ومستوى الثقة المتبادلة بين الطرفين”.

وختم بالقول إن “الاتفاق النفطي الأخير يمثل محاولة لإدارة الخلافات مؤقتاً لا لإنهائها، وأن مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل سيظل مرهوناً بعوامل كثيرة، بعضها داخلي وبعضها مرتبط بالتحولات الإقليمية والدولية الخارجة عن إرادة الطرفين”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 − ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى