“معاهدة الشراكة الإستراتيجية” استثمار إيراني روسي لمواجهة الضغوط الخارجية

دخلت معاهدة "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين روسيا وإيران حيز التنفيذ الخميس الماضي، بعد نحو 10 أشهر من توقيعها في موسكو من قبل الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان.

ميدل ايست نيوز: دخلت معاهدة “الشراكة الإستراتيجية الشاملة” بين روسيا وإيران حيز التنفيذ الخميس الماضي، بعد نحو 10 أشهر من توقيعها في موسكو من قبل الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان.

وتمتد هذه المعاهدة لـ20 عاما، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون تشمل مجالات واسعة من التنسيق الاستخباراتي والأمن إلى الاقتصاد والتجارة والطاقة والاستثمار والعلوم والتقنية والثقافة.

وأصدرت وزارتا الخارجية في البلدين بيانين متزامنين أكدتا فيهما أن الاتفاقية تمثل “منعطفا مهما” في تاريخ العلاقات الثنائية، كما “تعكس إرادة القادة في تعميق العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة”، وأنها “تضع تعليمات مفتاحية للتعاون طويل الأمد وتمهّد لتعزيز التنسيق في إطار النظام العالمي متعدد الأقطاب، بما في ذلك عبر منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس”.

غير أن هذا الزخم الرسمي يأتي في لحظة حساسة يشهد فيها الطرفان ضغوطا متزايدة من الولايات المتحدة وحلفائها، مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على روسيا، وعودة العقوبات الأممية والأوروبية، فضلا عن عقوبات “الضغط الأقصى” الأميركية التي تضيق الخناق على إيران.

روسيا وإيران ترسّخان شراكة استراتيجية في قلب التحوّلات العالمية

الحاجة والمصالح

وبقدر ما تعكس الاتفاقية حاجة موسكو وطهران إلى تنويع خياراتهما في بيئة دولية مضطربة، فإن طبيعتها المرنة وغير الملزمة عسكريا تطرح تساؤلات جدية حول عمق الشراكة وحدودها العملية.

ففي حين تأمل إيران أن تمنحها المعاهدة مظلة سياسية واقتصادية تُعزِّز موقعها وتخفف من آثار العقوبات، تبدو روسيا أكثر حذرا في المضي بعيدا، مكتفية بتأطير التعاون بما يخدم أولوياتها من دون الانخراط المباشر في صراعات إقليمية قد تمس علاقاتها مع أطراف أخرى.

وتتألف معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران من مقدمة و47 مادة، تحدد مجالات التعاون الثنائي، وتنص بنودها على:

  • الالتزام بمبادئ احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
  • التعاون لحماية الأمن والاستقرار الإقليمي.
  • منع استخدام أراضي أي من الطرفين للإضرار بالطرف الآخر.

وفي الجانب العسكري والأمني، تضع الاتفاقية إطارا للتعاون يشمل تبادل الخبرات والمعلومات، والتدريبات والمناورات المشتركة، وزيارات السفن العسكرية، على أن يُفصّل كل نشاط لاحق في اتفاقيات متخصصة، كما تؤكد التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والتنسيق في مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة.

أما في المجال الاقتصادي، فتشجع المعاهدة على تعزيز التبادل التجاري، وتسهيل الاستثمارات، وإيجاد آليات مالية تعتمد العملات المحلية للالتفاف على العقوبات، إضافة لإطلاق مشاريع مشتركة في قطاعات الطاقة، خاصة النفط والغاز والطاقة النووية السلمية، كما تنص على توسيع التعاون في مجالات البنية التحتية والتقنيات الحديثة.

ولم تغفل الاتفاقية البعد الثقافي والاجتماعي، إذ تضمنت بنودا للتعاون في التعليم والبحث العلمي، وتبادل البعثات الأكاديمية والطلابية، إضافة إلى مجالات الصحة والبيئة والرياضة والفنون.

وقانونيا، تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ لـ20 عاما تبدأ من تاريخ المصادقة عليها، مع إمكانية تمديدها تلقائيا لفترات خمسية، في حين تتيح لأي طرف الانسحاب منها عبر إشعار مسبق قبل عام من انتهاء مدتها.

مواجهة التهديدات

وقال الباحث الأول في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، عباس أصلاني، إن العلاقة بين إيران وروسيا هي نتاج تقاطع المصالح والتهديدات المشتركة، وبمعنى آخر، فإن كلا البلدين يحتاجان إلى تعاون مشترك في مواجهة الضغوط الدولية.

وفي ما يتعلق بإمكانية تعويل طهران على شراكة موسكو، رأى أصلاني أن العضوية الدائمة وحق النقض “الفيتو” لروسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تجعل من موسكو عنصر توازن ضروريا في السياسة الخارجية الإيرانية.

ويعتقد أن دخول الاتفاقية الإستراتيجية حيز التنفيذ يمكن أن يساعد على التخفيف من آثار الأزمات، إذ يوفر طبقة من الحماية الاقتصادية والسياسية لإيران، معتبرا التعاون الوثيق بين طهران وموسكو في مثل هذه الظروف له آثار بالغة الأهمية.

كما أن تنفيذ المعاهدة بين إيران وروسيا يبعث برسالة واضحة إلى الغرب، لا سيما للولايات المتحدة، مفادها “أن سياسة الضغط الأقصى وعزل إيران قد فشلت، وأن لإيران بدائل وخيارات جدية أخرى”. وهذا من شأنه -برأيه- أن يُعزز موقع إيران في أي مفاوضات محتملة مستقبلية.

ويختم أصلاني أن الاتفاق الإستراتيجي بين إيران وروسيا لا يشكّل معاهدة دفاع متبادل على غرار حلف شمال الأطلسي (ناتو)، موضحا أنه في حال تعرّضت إيران لهجوم عسكري، فإن توقع تدخل عسكري مباشر من روسيا وخوضها حربا لصالح إيران يبدو أمرا بعيد الاحتمال، لكنه اعتبر أن هذه الاتفاقية تؤمّن مظلة دعم غير مباشر.

ويضيف أنه إذا لم تكن هذه المظلة دفاعية مباشرة، فإنها على الأقل بنيوية، توفر دعما سياسيا واستخباراتيا وتسليحيا غير مباشر، وهذا يعني -حسب أصلاني- تعزيزا ملحوظا لقدرة إيران على الدفاع عن نفسها وتحمل تكاليف الحرب بمساعدة غير مباشرة من روسيا، وبينما تحظى إسرائيل بحماية مباشرة من الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، يمكن اعتبار روسيا عامل تمكين خارجيا لإيران، لا حاميا مباشرا لها.

معوِّقات

لكن للمحلل السياسي رضا غُبيشاوي رأيا آخر، إذ أشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن النظرة السائدة في الداخل الإيراني تجاه موسكو تتأرجح بين الإفراط في الإيجابية أو المبالغة في السلبية.

وأوضح أن بعض الأطراف في إيران ترى في روسيا “حليفا إستراتيجيا”، في حين يذهب آخرون إلى اعتبارها “عدوا”. لكنه أكد أن “كلتا النظرتين غير واقعيتين ومضرتان، في حين أن الخيار الصحيح هو اعتماد رؤية متوازنة وواقعية”.

وحول التعاون الاقتصادي، رأى غبيشاوي أن العقوبات المفروضة على كلا البلدين تتيح فرصا محدودة للتعاون، “ليست واسعة”، لافتا إلى أن القوانين التقليدية الضعيفة في إيران، إلى جانب هشاشة القطاع الخاص، تحدّ من قدرة طهران على الاستفادة الكاملة من إمكانات موسكو.

كما أوضح أن طبيعة أزمات إيران الداخلية والخارجية تجعل من المستبعد أن تكون هذه الاتفاقية قادرة على تخفيف الأزمات، معتبرا أنها مناسبة لتوسيع العلاقات فحسب، بينما تعاني إيران من معوقات داخلية وخارجية تحول دون استثمار الفرص الاقتصادية الروسية.

أما عن البعد العسكري، فأشار غبيشاوي إلى أن نص الاتفاق لا يُلزم أحد الطرفين بالدفاع عن الآخر في حال تعرضه لهجوم، مضيفا أنه في حال تعرّضت إيران لهجوم إسرائيلي مثلا، فإن أقصى ما تنص عليه الاتفاقية هو أن روسيا ليست ملزمة بمساعدة الطرف المهاجَم.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى