تقديرات إسرائيلية: تركيا تستخدم ملف غزة لتعزيز موقعها في المنافسة الإقليمية مع إيران

تركيا تستخدم ملف غزة لترميم صورتها في العالمين العربي والإسلامي، ولتعزيز موقعها في المنافسة الإقليمية مع إيران

ميدل ايست نيوز: كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، نقلاً عن تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، أن دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في غزة قد يتحول في المرحلة المقبلة إلى “كابوس استراتيجي” لإسرائيل، في ظل تنامي نفوذ أنقرة في الترتيبات السياسية لما بعد الحرب.

وذكرت الصحيفة أن إسرائيل رفضت منذ بداية الحرب على غزة أي مشاركة تركية في المفاوضات أو الترتيبات المتعلقة بالقطاع، خصوصاً بعد أن وصف أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه “هتلر العصر الحديث” واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية.

إلا أن التطورات السياسية الأخيرة، بحسب التقرير، غيرت المشهد وجعلت من تركيا طرفاً مركزياً في المحادثات التي أفضت إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

واشنطن تراهن على أردوغان

الباحثتان الإسرائيليتان غاليا ليندن‌شتراوس ورامي دانييل، المتخصصتان في الشأن التركي، أوضحتا أن مشاركة أنقرة جاءت تحت مظلة دعم أمريكي، حيث يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أردوغان “زعيمًا قادرًا على إعادة النظام إلى الشرق الأوسط، ويعتمد عليه في تنفيذ خطة «اليوم التالي» في غزة.

غير أن هذا الانخراط التركي، وفق الباحثتين، يثير قلقاً بالغاً في إسرائيل، لأن إشراك تركيا في الترتيبات المقبلة يُعد “تحولاً مقلقاً”، كونها خصماً سياسياً وعدواً معلناً لإسرائيل، ولأن وجود قوات تركية بالقرب من القوات الإسرائيلية قد يؤدي إلى حوادث ميدانية تشعل أزمة دبلوماسية أو حتى مواجهة عسكرية.

عودة أنقرة إلى غزة

وترى ليندن‌شتراوس أن ترامب قد منح أردوغان ما كان يسعى إليه منذ أزمة سفينة «مافي مرمرة» عام 2010: شرعية العودة إلى غزة كلاعب سياسي رئيسي.

وتعتبر أن أنقرة تنظر إلى تدخلها في غزة كفرصة تاريخية لاستعادة مكانتها الإقليمية بعد سنوات من العزلة، مستغلة القضية الفلسطينية لتأكيد نفوذها في العالم العربي.

أما الباحث رامي دانييل، فيصف دخول تركيا إلى المفاوضات بأنه “تحول مصيري”، موضحاً أن أنقرة لم تكن جزءاً من الوساطة في البداية، لكنها أصرت حتى أصبحت لاعباً رئيسياً في النهاية.

وأضاف أن تركيا طالما قدّمت مساعدات إنسانية لغزة، وسعت بخطابها المعادي لإسرائيل إلى قيادة محور إسلامي داعم للفلسطينيين، لكنها الآن تمتلك الفرصة لترجمة خطابها إلى نفوذ فعلي على الأرض.

“الكابوس الإسرائيلي”

وبحسب دانييل، فإن إسرائيل ترى في الدور التركي حلماً يتحول إلى كابوس استراتيجي، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى أن يؤدي أي وجود تركي في غزة – حتى لو كان ضمن بعثة مراقبة – إلى تقييد حرية عمل الجيش الإسرائيلي، وربما إلى احتكاك مباشر في حال وقوع أي حادث ميداني.

ويضيف أن تركيا تسعى لإبقاء حركة “حماس” جزءاً من أي ترتيبات مستقبلية، وترفض نزع سلاحها أو استبعادها من إدارة غزة، في حين تتحرك إسرائيل ومصر والإمارات في الاتجاه المعاكس تماماً.

ويقول دانييل إن غالبية دول المنطقة باتت أقرب إلى موقف إسرائيل من موقف تركيا، لكنها – رغم قوتها الحالية – قد تجد نفسها في مأزق إذا تغيرت موازين القوى.

نفوذ متزايد في غزّة وسوريا

ويشير التقرير إلى أن القلق الإسرائيلي لا يقتصر على غزة فحسب، بل يمتد إلى تنامي الدور التركي في سوريا بعد تراجع نسبي لنفوذ إيران هناك، ما جعل أنقرة تُنظر إليها كقوة إقليمية صاعدة قد تتقاطع مصالحها مع إسرائيل في أكثر من ملف.

وتوضح ليندن‌شتراوس أن تركيا كانت تركز على شمال سوريا وإسرائيل على الجنوب، لكن التحولات الميدانية بعد سقوط نظام بشار الأسد جعلت أنقرة قوة ذات مصالح أوسع، حتى باتت تعتبر إسرائيل عقبة محتملة أمام نفوذها الجديد.

ولهذا الغرض، تقول الباحثة، تم فتح خط اتصال مباشر بين الجيشين التركي والإسرائيلي لتجنب حوادث جوية فوق الأجواء السورية، ما يعكس هشاشة العلاقة رغم التعاون الأمني المحدود.

“فرصة ذهبية” لأردوغان

وتضيف الصحيفة أن الإعلام التركي المقرّب من الحكومة يصف هذا الدور بأنه “انتصار دبلوماسي”، إذ نجح أردوغان في العودة إلى واجهة القضية الفلسطينية بعد سنوات من التهميش.

ويرى محللون إسرائيليون أن تركيا تستخدم ملف غزة لترميم صورتها في العالمين العربي والإسلامي، ولتعزيز موقعها في المنافسة الإقليمية مع إيران، وكذلك لتأكيد أهليتها في نظر واشنطن كوسيط قادر على التوازن بين المصالح الأمريكية والعربية.

لكن إسرائيل – بحسب ليندن‌شتراوس – تنظر إلى هذا النهج التركي على أنه “ذو وجهين”، فبينما تُقدّم أنقرة نفسها شريكاً في تحقيق السلام، تواصل في الداخل شنّ هجوم سياسي وإعلامي عنيف ضد إسرائيل، وتؤكد دعمها السياسي لحركة حماس.

ويختتم التقرير بالتأكيد على أن تركيا ستحاول ترسيخ وجودها في غزة من خلال المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار أو عبر قوات مراقبة، الأمر الذي يمنحها نفوذاً طويل الأمد، لكنه في الوقت نفسه يثير قلقاً عميقاً داخل إسرائيل، إذ قد تتحول أي واقعة ميدانية بسيطة إلى أزمة دبلوماسية أو حتى مواجهة عسكرية مفتوحة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان + 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى