زيارة الأعرجي إلى طهران بين الأمن الإقليمي والانتخابات العراقية

اكتسبت زيارة مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي إلى طهران السبت الماضي أهمية على الصعيدين السياسي والأمني، حيث التقى خلالها بأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني.

ميدل ايست نيوز: اكتسبت زيارة مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي إلى طهران السبت الماضي أهمية على الصعيدين السياسي والأمني، حيث التقى خلالها بأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني.

وجاءت هذه الزيارة في وقت تشهد فيه إيران ضغوطا إقليمية متزايدة، مع احتمال نشوب حرب جديدة مع إسرائيل، وفي ظل ضعف أحد أهم حلفائها في المنطقة حزب الله اللبناني، وفي هذا السياق تترقب بغداد وطهران نتائج الانتخابات العراقية التي قد تؤثر على التوازنات السياسية والأمنية في المنطقة.

اتفاق دبلوماسي

وقال لاريجاني في مؤتمر صحفي إن محور اللقاء كان تطوير العلاقات الاقتصادية بين إيران والعراق، مضيفا أن الاستقرار الاقتصادي يتطلب أمنا دائما.

وأكد لاريجاني تقدير بلاده لمواقف العراق خلال حرب يونيو/حزيران الماضي بين إيران وإسرائيل، مشيرا إلى متابعة ما وصفه بـ”استغلال الولايات المتحدة وإسرائيل الأجواء العراقية”، مضيفا أن العراق مستقل ويجب أن يكون له كامل الحرية في اتخاذ قراراته.

من جانبه، أعلن الأعرجي أنه اتفق مع لاريجاني على حل المشاكل عبر الطرق الدبلوماسية، مؤكدا أن بلاده “لن تسمح لأي طرف أو جماعة بتهديد أمن إيران عبر الأراضي العراقية، وأن أمن إيران جزء من أمن العراق”.

وأضاف “وقوع حرب جديدة في المنطقة لا يصب في مصلحة أحد، وجميع الدول يجب أن تتعاون لمنع ذلك”، مشيرا إلى أن المنطقة عانت كثيرًا من العدوان الإسرائيلي، وأن الوقت حان لوضع حد له.

كما شدد الأعرجي على أن الحكومة العراقية تعارض بشدة استخدام العقوبات ضد أي دولة، معتبرًا أن “كل القضايا، بما فيها الخلافات مع إيران، يجب أن تُحل عبر الحوار وليس بالقوة”.

احتواء الصراع المحتمل

يرى الباحث الإيراني في الشأن العراقي علي بيدبو أن من أبرز ما تحمله زيارة الأعرجي إلى طهران هو بحث دور العراق في أي صراع محتمل مستقبلي.

وأوضح في حديثه أن “الأعرجي -بصفته شخصية ذات علاقات وثيقة مع إيران- يُتوقع أن يكون قادرا على الحفاظ على أمن العراق، بما يمنع أي تهديدات أو هجمات قد تستهدف إيران في ضوء التوجيهات التي تؤكد على عدم انخراط العراق في أي نزاع إقليمي”.

وأضاف بيدبو أن الولايات المتحدة والعراق، ومن خلال وساطات متعددة، تمكنا سابقا من إبقاء العراق بعيدا عن الهجمات الإسرائيلية وحتى عن استهداف قيادات الإطار التنسيقي، مشيرا إلى أن “دور الأعرجي يرتكز على متابعة الوضع الأمني في أجواء العراق، وإبلاغ السلطات الإيرانية بما يستجد، خصوصا في ظل استمرار التهديدات المحتملة ضد إيران والمنطقة”.

وأشار الباحث إلى أن “العراق يسعى أيضا لشراء أنظمة صواريخ ودفاع جوي من كوريا الجنوبية، وبعض هذه الأنظمة وصل بالفعل، لكن مدى قدرة العراق على تشغيلها وموافقة الأميركيين على استخدامها يظل محل تساؤل”، وأضاف “ومع ذلك، توفر هذه الأنظمة ميزة مهمة، تتمثل في قدرتها على نقل معلومات سريعة عن أي تهديد محتمل لإيران”.

وبالنسبة للمجموعات المعارضة على الأراضي العراقية، أوضح بيدبو أنها تحت سيطرة الحكومة الإقليمية في كردستان والحكومة العراقية والجيش، لكنه أشار إلى أن تعيين ممثل أميركي خاص للعراق قد يزيد من احتمال ضغوط إضافية على الحكومة، مما قد يؤدي إلى ظهور عناصر خارج نطاق سيطرة الدولة.

وعن الانتخابات، أشار الباحث إلى أن اسم الأعرجي يتردد دائما كمرشح محتمل لرئاسة الوزراء، وأن زيارته قبل أقل من شهر من الانتخابات البرلمانية لا يمكن اعتبارها منفصلة عن المشهد الانتخابي، إذ قد تسعى إيران من خلالها إلى متابعة الوضع الأمني والسياسي والاستحقاق الانتخابي القادم في العراق، إلى جانب القضايا الأمنية السابقة.

ترتيب البيت الشيعي

تحمل زيارة الأعرجي دلالات سياسية وإستراتيجية، فثمة مراقبون يرون أن طهران تهدف من خلال هذا اللقاء إلى تعزيز علاقاتها مع القوى السياسية العراقية المؤثرة، خصوصا القوى الموالية لها أو المشاركة في الحكومة الحالية.

بالتالي، يمكن قراءة زيارة الأعرجي ليس فقط بوصفها خطوة لتعزيز التعاون الثنائي، بل بوصفها تحضيرا مسبقا لساحة الانتخابات العراقية، حيث تسعى طهران إلى ضمان وجود حلفاء سياسيين يدعمون توجهاتها في البرلمان والحكومة المقبلة.

في هذا السياق، قال الباحث السياسي الإيراني عرفان بجوهنده إن طهران تسعى حاليا إلى تعزيز الإجماع داخل البيت الشيعي في العراق، مع الحفاظ على حضور القوى المختلفة مثل التيار الصدري، دون التركيز على دعم شخصية محددة لرئاسة الحكومة.

وأضاف في حديثه أن “إيران تركز على إدارة الخلافات داخل الساحة الشيعية، وصياغة توافق عام بما يضمن استقرار المشهد السياسي، أكثر من محاولتها فرض أجنداتها بشكل مباشر”.

وأشار بجوهنده إلى أن “طهران باتت تفضل العمل ضمن إطار تحالفات أوسع وإستراتيجيات دبلوماسية بدلا من التحركات المباشرة أو الإجراءات الفجّة، مما يعكس نهجا أكثر هدوءا واستقرارا في إدارة الملفات العراقية”.

وفيما يتعلق بالشخصيات السياسية، أوضح بجوهنده أن إيران تركز على قدرة أي شخصية على تحقيق إجماع واسع داخل الطيف الشيعي، “فإذا نجح أي رئيس وزراء في جمع القوى الشيعية حوله، فسيجد دعما في إطار هذا التوافق، أما إذا لم يتحقق ذلك، فالأولوية تكمن في الحفاظ على استقرار الوضع العام في بغداد، دون انحراف كامل نحو أي أجندة خارجية”، وفق رأيه.

واختتم بالقول إن “طهران تسعى حاليا إلى إدارة الملف العراقي عبر التفاهم الإقليمي ومنطق التهدئة، مع التركيز على تعزيز الاستقرار السياسي، بدلا من الانخراط في تحركات راديكالية أو مفاجئة كما كان الحال في الماضي”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى