خطوات سبقت اقتحام مقر الكتائب في بغداد

قوة من جهاز مكافحة الارهاب مقر كتائب حزب الله في (البوعيثة) بمنطقة الدورة جنوبي بغداد، القريب من المنطقة الخضراء.

ميدل ايست نيوز: عملية اقتحام مقر كتائب حزب الله في العراق، جنوبي العاصمة بغداد، واعتقال من كانوا فيه، رافقتها تحركات خفية عديدة، تكشفها لـ”العالم الجديد” مصادر مطلعة، فقد غادر أغلب قادة الفصائل الى عواصم إقليمية مختلفة قبل أيام، تحسبا لمعلومات وردتهم باحتمال استهداف مقارهم في تموز يوليو المقبل، في حين قام رئيس الجمهورية بتغيير مقر إقامته الواقع في المربع الرئاسي الى المنطقة الخضراء. 

واقتحمت فجر أمس الجمعة، قوة من جهاز مكافحة الارهاب مقر كتائب حزب الله في (البوعيثة) بمنطقة الدورة جنوبي بغداد، القريب من المنطقة الخضراء، واعتقلت العناصر المتواجدين داخل المقر.

رسميا وبحسب بيان قيادة العمليات المشتركة، فأن العملية جاءت للقبض على المتهمين باطلاق الصواريخ على مقار الدولة والمعسكرات العراقية والبعثات الدبلوماسية، وفق أوامر قبض قضائية، وأن “الجهة” التي اعتقل عناصرها، وبعد عملية الاعتقال تحركت بعجلات حكومية وهي مدججة بالسلاح نحو مقرات حكومية داخل المنطقة الخضراء.

ويقول مصدر امني حكومي رفيع، لـ”العالم الجديد” إن “العملية نفذت، بناء على أسباب عدة، أولها معلومات وصلت الى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، قبل نحو 7 أيام، تفيد بأن فصائل بالحشد الشعبي موالية لطهران، بالاضافة الى قيادات سياسية شيعية تخطط لتحريك الشارع، مستغلة الأزمة الصحية الحالية، بهدف الدخول للمنطقة الخضراء واحراق مقار حكومية وبعثات دبلوماسية”.

وأضاف المصدر ان “السبب الاخر، هو العهد الذي قطعه الكاظمي للمجتمع الدولي بحماية البعثات الدبلوماسية والاجانب، مقابل ان تلتزم واشنطن بعدم الرد على صواريخ الكاتيوشا التي تستهدف مصالحها”، موضحا ان “عدم الرد الامريكي مؤخرا جاء احتراما للحكومة العراقية، ورافقه محادثات سرية مع العديد من الفصائل للتوقف عن القصف”.

ولفت الى أن “هناك قيادات شيعية بارزة تدعم خطوة الكاظمي، وهم كل من رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي ورئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، فيما يقدم الامين العام لمنظمة بدر هادي العامري، الدعم بصورة سرية للكاظمي، حفاظا على سمعة الحشد”.

لماذا غير رئيس الجمهورية مقر إقامته؟

وفي خطوة قد تبدو استباقية، كشف مصدر مطلع، لـ”العالم الجديد” عن استبدال رئيس الجمهورية برهم صالح، وقبل 10 ايام من العملية بالتحديد مقر إقامته من قصر السندباد المطل على نهر دجلة والمقابل لمنطقة البو عيثة في الدورة، حيث مقر الكتائب، الى قصر الأيام القريب من قصر الزقورة داخل المنطقة الخضراء”.

وبحسب المصدر، فان “صالح انتقل الى المنطقة الخضراء الدولية، عملا وسكنا، فيما بقيت مكاتب ديوان الرئاسة في المقر السابق”.

ويثير انتقال صالح الكثير من الاسئلة بشأن العملية التي نفذت فجر اليوم، وهنا يشير المصدر، الى أن “خطوة صالح جاءت تحسبا لرد فعل عنيف قد تقدم عليه كتائب حزب الله بعد مهاجمة مقرها الرئيس، أو أي استهداف اخر لها”.

وتعد منطقة البوعيثة، من أبرز المناطق التي تشهد انفلاتا أمنيا داخل العاصمة بغداد، حيث كانت معقلا مهما لتنظيم القاعدة، كونها تضم مزارع شاسعة، وبعد ذلك سيطرت عليها كتائب حزب الله وحركة النجباء، وأصبحت مقرا رئيسا لتخزين صواريخ الكاتيوشا ومنصات لاطلاق الصواريخ والاسلحة التابعة للفصائل.

ولم تشهد المنطقة اية عملية امنية أو اقتحام منذ أن سيطرت عليها الفصائل المسلحة، رغم ان إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء والمعسكرات الاخرى في اطراف بغداد، لم ينقطع منذ سنوات.

المعتقلون.. من هم؟

مصدر استخباري في قيادة العمليات المشتركة، يكشف لـ”العالم الجديد”، عن أن “هناك ثلاثة أشخاص لا زالوا قيد الاعتقال لدى جهاز مكافحة الارهاب، بينهم لبناني الجنسية، ينتمي الى حزب الله اللبناني”.

ويضيف أن “الشخص اللبناني، هو خبير في نصب صواريخ الكاتيوشا واطلاقها، وان قاضي جهاز مكافحة الارهاب أوقفه بتهمة الارهاب وما زال التحقيق معه جاريا”، لافتا الى أن “القوة التي داهمت المقر قامت بمصادرة الهواتف والكمبيوترات والمحتويات التي فيها، بالاضافة الى وثائق تثبت تورط المعتقلين بإطلاق الصواريخ”.

ويشير الى أن “13 شخصا اخرين يجري التحقيق معهم، وان الاشخاص الذين اطلق سراحهم بحسب ما تم ترويجه في وسائل التواصل الاجتماعي، هم كانوا قرب المقر، ولا علاقة مباشرة لهم بالتهم، ولم يثبت تورطهم بعمليات اطلاق الصواريخ”، مستدركا ان “عملية الاقتحام نفذت وفق اوامر قضائية ومعلومات استخبارية حددت الاسماء المطلوبة”.

لماذا غادر قادة الفصائل البلاد قبل الحادث؟

ووفق المعلومات الواردة لـ”العالم الجديد” من مصادر داخل الحشد الشعبي، فان اغلب قادة الفصائل، قد غادروا العراق.

وقالت المصادر إن “اغلب قادة الفصائل، ومن ضمنهم بعض قادة في كتائب حزب الله، غادروا العراق لعواصم إقليمية، وتحديدا بيروت ودمشق وطهران، وذلك تحسبا لهجمات اميركية متوقعة في شهر تموز يوليو المقبل”، مشيرة الى أن “القادة اتخذوا قرارهم بمغادرة البلاد بعد ورود معلومات تفيد باستهداف طائرات أمريكية لعشرات المقار والمواقع العسكرية التابعة لهم”.

وتزامنت هذه الأنباء، التي دعت القادة الى مغادرة البلاد، مع عملية جهاز مكافحة الارهاب ضد مقر كتائب حزب الله.

وسبق لواشنطن ان استهدفت خمسة مقار للحشد الشعبي في 13 اذار مارس 2020، في بابل والنجف وكربلاء جنوبي العاصمة بغداد، وأدت الهجمات الى تدمير مخازن عتاد تابعة للفصائل، فضلا عن تدمير اجزاء من مطار كربلاء الدولي، وهو قيد الانشاء.

العودة للخضراء

بعد عملية المداهمة والاعتقال، وبحسب فيديوهات حصلت “العالم الجديد” على نسخة منها، فان عجلات تابعة لكتائب حزب الله تجولت في المنطقة الدولية (الخضراء)، وهي تحمل قاذفات واسلحة ثقيلة واقتربت من مقر جهاز مكافحة الارهاب القديم.

مصدر في إعلام الحشد الشعبي أكد لـ”العالم الجديد”، إن “قائد الفرقة الرئاسية في المنطقة الخضراء اللواء شهاب، تمت إقالته بعد رفضه صد قوات الكتائب، حيث تم تنصيب ضابط المخابرات اللواء مهند خلف بديلا عنه”.

وبشأن هذه التفاصيل، فقد جاء نصا في بيان قيادة العمليات المشتركة أن “معلومات استخبارية دقيقة توفرت عن الأشخاص الذين سبق وأن استهدفوا المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي بالنيران غير المباشرة عدة مرات، ورصدت الأجهزة المعنية نوايا جديدة لتنفيذ عمليات إطلاق نار على أهداف حكومية داخل المنطقة الخضراء”.

ويلفت البيان الى أنه “تم تحديد أماكن تواجد المجموعة المنفذة لإطلاق النيران استخبارياً، وأعدّت مذكرة إلقاء قبض أصولية بحقهم مِن القضاء العراقي وفق قانون مكافحة الارهاب وتم تكليف جهاز مكافحة الإرهاب بتنفيذ واجب إلقاء القبض والحيلولة دون تنفيذ العمل الإرهابي ضد مواقع الدولة، حسب الاختصاص، ونفذ الجهاز المهمة بمهنية عالية، ملقياً القبض على أربعة عشر متهماً وهم عديد كامل المجموعة مع المبرزات الجرمية المتمثلة بقاعدتين للإطلاق”.

وكشفت القيادة عن “تشكيل حال إتمام عملية التنفيذ، لجنة تحقيقية خاصة برئاسة وزارة الداخلية وعضوية الأجهزة الأمنية، أودعت المتهمين لدى الجهة الامنية المختصة حسب العائدية للتحفظ عليهم الى حين إكمال التحقيق والبت بموضوعهم من قبل القضاء”، مشدداً أنه “تأشر بعد إتمام عملية القاء القبض بشكل واضح تحرك جهات مسلحة بعجلات حكومية وبدون موافقات رسمية نحو مقرات حكومية من داخل المنطقة الخضراء وخارجها تقربت مِن احد مقرات جهاز مكافحة الارهاب داخل المنطقة الخضراء، واحتكت به تجاوزاً”.

وتابعت أن “هذه الجهات لا تريد ان تكون جزءاً مِن الدولة والتزاماتها وتسعى الى البقاء خارج سلطة القائد العام للقوات المسلحة الدستورية والقانونية”، موضحاً “إننا وفي الوقت الذي نؤكد فيه خطورة هذا التصرف وتهديده لأمن الدولة ونظامها السياسي الديمقراطي نبين أن هذه الجهات قد استخدمت قدرات الدولة وبما لا يمكن السماح به تحت أي ذريعة كانت ونؤكد الإصرار على مواصلة المسيرة في تحقيق الأمن للشعب العراقي وإيكال الأمر الى القضاء السلطة المختصة”.

رد كتائب حزب الله

المسؤول الأمني للكتائب “أبو علي العسكري” وفي تغريدة له على حسابه بتويتر، وصف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بـ”المسخ” الذي أراد “خلط الأوراق”، متهماً اياه بالمشاركة في قتل قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، كما وصف، قيام جهاز مكافحة الإرهاب باعتقال عدد من قادة حزب الله بـ”عربون عمالة جديد” من الكاظمي إلى الولايات المتحدة.

أما المتحدث باسم كتائب حزب الله محمد محيي، فاعتبر عملية المداهمة “خطوة للصدام مع فصائل الحشد الشعبي”، وأنها تمت بـ”دفع امريكي”.

وقال محيي في تصريح لوكالة تسنيم الايرانية المقربة من الحرس الثوري الايراني، ان “المنطقة التي داهمها جهاز مكافحة الارهاب، تعود للواء 45 التابع للحشد الشعبي، ويفترض ان يكون تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة”، مكذبا “وجود منصة لإطلاق الصواريخ لأن نصبها في موقع عسكري ثابت محاط بمواقع عسكرية للدولة العراقية كذبة واضحة جدا”.

وعزا عملية الصدام الى “دفع من الجانب الامريكي لاستغلال جهاز مكافحة الارهاب، كأداة لتنفيذ مآربها وتحويله من مواجهة الاعداء والارهابيين وداعش”، مبينا أن “عدد المعتقلين 13 شخصا، ولا يوجد بينهم اي شخصية لا قيادية ولا ايرانية”.

رسالة سياسية وليست أمنية

المحلل السياسي حسين علاوي، وفي حديثه لـ”العالم الجديد” فسر الأمر بالقول إن “الكاظمي أرسل رسالة سياسية اكثر من كونها امنية، اذ من غير الممكن ان يستمر بوجود قوى خارج القانون وضد توجهات فرض النظام، وبالتالي فهي محاولة من الكاظمي لاستعادة السيادة من جهة واستنهاض بالدولة من جهة اخرى”.

وتابع ان “المشكلة التي لا تفهمها الفصائل المسلحة، هي ان شخص الكاظمي يختلف عن شخصية عبد المهدي، وهذا بالتالي ما يجعل الأول حريصا على استقلال القرار السياسي العراقي واستنهاض همة الدولة، وذلك حماية للالتزامات الداخلية وجعلها أولوية اساسية”.

وتابع “ما يدفع الكاظمي أيضا هو التزامه بحماية البعثات الدبلوماسية وفق اتفاقية فينا، وكذلك الحفاظ على اصدقاء العراق الذين يقدمون المساعدة الى الحكومة العراقية والقوات المسلحة من خلال التدريب والمساندة في التسليح، وكذلك مقاطعة المعلومات الاستخباراتية والاسناد الجوي”.

واشار الى انه “على مدى اكثر من ثلاثة او اربعة شهور تقريبا، اصبح هناك نشاط كبير للجماعات المسلحة، باتجاه اطلاق الصواريخ، ومن دون ان تكون هناك مبادرة لا من قبل القوى السياسية، ولا كذلك من قبل الفصائل باتجاه عملية إعطاء الوقت الكافي للحكومة لنقل اجنداتها السياسية من الورق الى التنفيذ على الميدان، وكذلك ترى هذه الفصائل انها اقوى من الدولة والاجهزة العسكرية والامنية، ما جعل الكاظمي يتجه الى عملية تحييد الفصائل من خلال هذه العملية النوعية التي تهدف بها الى ارسال رسائل سياسية اكثر من كونها امنية”.

واستطرد بالقول إن “هدف الكاظمي هو الذهاب باتجاه الدولة، وعليها تحمل تكاليف ذلك، ومن دونها يصبح العراق دولة فاشلة وعاجزة عن توفير الامن للمواطنين وللرعايا الاجانب الذين يعلمون في العراق”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 + خمسة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى