“حوادث” المواقع الحساسة في إيران: طبيعية أم هجمات سرية؟

حوادث غريبة وغامضة لمواقع حساسة، عسكرية ونووية، في إيران، أثارت تساؤلات حول ما إذا کانت هذه الحوادث طبیعة أم ناجمة عن هجمات سریة.

میدل ایست نیوز: تشهد مواقع حساسة، عسكرية ونووية، في إيران، خلال الفترة الأخيرة، حوادث غريبة وغامضة، تشمل حرائق وانفجارات، آخرها ما حدث من “حريق” في منشأة نطنز النووية، فجر الخميس الماضي، بعد أسبوع من انفجارات ضخمة في منطقة بارجين العسكرية، شرقي طهران.

وتثير تعليقات وتحليلات في وسائل إعلام وشبكات التواصل شكوكاً حول طبيعة هذه الحوادث، وفي الوقت نفسه، تساؤلات ملحة تستوجب أخذها على محمل الجد، والبحث عن إجابات مقنعة بشأنها. وكالعادة، تحيل السلطات الإيرانية الكشف عن حقيقة هذه الحوادث وأسبابها إلى نتائج تحقيقات، أظهرت التجربة أنها تستغرق وقتاً قبل الإعلان عنها، وقد تطاول بعض الحالات قاعدة مرور الزمن دون الكشف عنها.

وما زاد من هذه الشكوك والتساؤلات أن الأحداث الأخيرة، الملفتة للنظر، تأتي في توقيت يتصاعد فيه التوتر بين إيران والغرب على خلفية الموقف من الاتفاق النووي والقضايا المرتبطة به، في مقدمتها مسألة حظر بيع الأسلحة لطهران، والذي تسعى واشنطن إلى تمديده ومنع رفعه بموجب القرار 2231 الدولي، اعتباراً من 18 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وسط دعم أوروبي ومعارضة صينية وروسية.

وبعد انتشار أنباء عن وقوع حريق نطنز، فجر الخميس، وهي أكبر وأهم منشأة لتخصيب اليورانيوم في إيران، وتقع في محافظة أصفهان، وسط البلاد، على بعد 220 كيلومتراً جنوب طهران، أكد المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي وقوعه، قائلاً، للتلفزيون الإيراني، ظهر الخميس، إن الحادث وقع في صالة قيد البناء داخل الفضاء المفتوح لموقع نطنز، مشيراً إلى بدء التحقيقات لمعرفة سبب وقوع الحريق، ومؤكداً أنه “لم يخلف أي إصابات، ولم يحدث أي خلل بأنشطة الموقع” النووية.

من جهتها، علقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الحادث، مشيرة في بيان، الخميس، إلى أنها على علم بالتقارير بشأن ذلك، مستبعدة أن “يؤثر الحادث على أنشطة التفتيش” للوكالة الدولية. إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن تتابع “التقارير المرتبطة بالحادث في موقع نووي إيراني”، معتبرة أنه “تذكير آخر بأن النظام الإيراني يواصل منح الأولوية لبرنامجه النووي المحرف بدلاً من رفع احتياجات المواطنين”.

ونقلت وكالة “تسنيم” شبه الرسمية للأنباء عن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أمس الجمعة، أنه تم تحديد سبب حادث وحريق اندلع في منشأة نطنز النووية وسيجرى الإعلان عنه لاحقاً. ووفقاً للمتحدث باسم المجلس كيوان خسروي فإن “التحقيقات التي تقودها الوكالات المعنية حددت بدقة سبب الحادث في مجمع نطنز النووي”، مشيراً إلى أنه “لاعتبارات أمنية، سيتم الإعلان عن سبب وطريقة وقوع الحادث في الوقت المناسب”.

ورغم إحالة هيئة الطاقة الذرية الإيرانية معرفة سبب وقوع الحريق في نطنز إلى نتائج التحقيقات بهذا الشأن، إلا أن ثمة فرضيات أو أنباء متناقضة، طرحت بقوة، اشتركت في أن ما حدث لم يكن عادياً وإنما كان نتيجة “هجوم”، رغم الاختلاف في طبيعة هذا الهجوم. وأول فرضية، أو نبأ في هذا الصدد، هو أن الحادث كان ناجماً عن “هجوم إسرائيلي”، تحدث عنه الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين، في تغريدة، على أنه “خبر مؤكد”.

واللافت أن كوهين نشر تغريدته، مساء الأربعاء الماضي، وفي تمام الساعة التاسعة و35 دقيقة، أي ساعات قبل وقوع الهجوم، حسب تصريحات المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، حيث قال إن الحريق نشب في تمام الساعة الثانية من فجر الخميس، لكن كوهين تحدث عن هجوم حدث مساء الأربعاء.

وكتب الصحافي الإسرائيلي، في تغريدته: “خاص وحصري من مصادر استخباراتية غربية: إسرائيل قصفت معمل تخصيب اليورانيوم الأكبر في إيران ودمرته، وحالات تسمم إشعاعي وإجلاء للسكان من موقع الضربة وتعتيم شامل”، مضيفاً أن إيران استنجدت بخبراء روس للتعامل مع التلوث الإشعاعي. إسرائيل استخدمت طائرات أف 16 أعادت التزود بالوقود في سماء دولة خليجية”.

كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أول من أمس، نقلاً عمن وصفته بأنه “مسؤول استخبارات في الشرق الأوسط”، أن ما حصل في نطنز كان انفجاراً نتيجة “زرع عبوة ناسفة داخل المنشأة”. وقال المسؤول، الذي لم يذكر اسمه، إن الانفجار دمّر “أجزاء واسعة فوق سطح المنشأة، حيث تتم موازنة أجهزة الطرد المركزي الجديدة قبل تشغيلها”.

إلا أن مجموعة عرفت نفسها بـاسم “نمور الوطن”، لم يكن لها أثر من قبل، تبنت، في رسالة إلكترونية، المسؤولية عن “الانفجار” في موقع نطنز النووي. وذكرت قناة “بي بي سي” الفارسية، التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية، أن هذه الرسالة وصلت إلى الصحافيين العاملين فيها. وذكرت “بي بي سي” أن هذه المجموعة قدمت نفسها على أنها معارضة، ولها “نشاط وحضور في أجهزة الأمن الإيرانية”، قائلة إنها اختارت “صالة البناء للتجميع في نطنز” كهدف لعملياتها، معللة سبب اختيارها بأنه “رغم أهميتها، فإن ذلك ليس منشأة تحت الأرض ولا يمكن إنكار هدمها”، بحسب ادعاء المجموعة.

كما أن الحديث عن استهداف مكان لتجميع أجهزة الطرد المركزي في نطنز، يتطابق مع ما نشرته وكالة “أسوشييتد برس” الأميركية نقلاً عن أحد الخبراء النوويين، قائلاً إن صوراً ومعلومات، جمعها قمر صناعي أميركي، تظهر أن “مكان الحريق هو ذاته المعمل الذي افتتح أخيراً لتجميع أجهزة الطرد المركزي”.

وكانت طهران قد أعلنت، في 6 سبتمبر/ أيلول 2019، إجراء عملية اختبار ضخ الغاز إلى أجهزة الطرد المركزي المتطورة من الجيل السادس في نطنز، وذلك في إطار المرحلة الثالثة من تقليص تعهداتها النووية، رداً على تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي و”مماطلات” الأطراف الأوروبية في تنفيذ تعهداتها.

ما أنها، في إطار المرحلة الخامسة، مطلع العام الحالي، أعلنت إنهاء القيد المفروض على عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في منشأتي نطنز وفوردو، لتزيد من عدد هذه الأجهزة من دون الكشف عن العدد الذي ستضيفه، بينما كان العدد المسموح به في الاتفاق النووي يصل إلى 5060 جهازاً في منشأة نطنز و1044 في فوردو. وكان العدد المستخدم من هذه الأجهزة قبل التوقيع على الاتفاق النووي نحو 19 ألف جهاز.

أما السلطات الإيرانية فلم تعلق بعد على التقارير الإعلامية الغربية والإسرائيلية بشأن وقوع هجوم على نطنز، أو على تبني مجموعة “نمور الوطن”، غير المعروفة، للحادث. لكن رئيس الدفاع المدني الإيراني العميد غلام رضا جلالي قال، بعد 24 ساعة من نشوب الحريق أو الانفجار في هذه المنشأة الحساسة، إن “معظم الحوادث الأخيرة كانت ناجمة عن عدم الالتزام بقواعد الأمان، لكن جزءاً آخر ربما بسبب تحركات عناصر معادية للثورة”، مضيفاً “لا يمكن نسب جميع الحوادث في البنى التحتية إلى العدو”. وجاء حديث جلالي في إطار الحديث عن احتمال وقوع هجوم إلكتروني على منشآت إيرانية، متوعداً بأنه “في حال ثبت وقوع هجوم إلكتروني على بلدنا فسنرد على ذلك”.

إلى ذلك، لم تستبعد وكالة “إرنا” الرسمية وقوف جهات خارجية وراء حادثة نطنز، أو انفجار خزانات الغاز الصناعي في منطقة بارجين العسكرية، شرقي طهران، قبل أسبوع. وأشارت، في تقرير بعنوان “تساؤلات بشأن طريقة رد فعل الكيان الصهيوني على حادث نطنز: رسائل جديدة وردود ضرورية”، إلى أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحكمتها الاستراتيجية في الدفاع عن مواقفها المبدئية ومصالحها الوطنية حاولت حتى الآن الحؤول دون تصعيد الأزمة، ومنع خلق ظروف وأوضاع لا يمكن التكهن بمآلاتها. لكن في حال ظهور أي مؤشرات حول تجاوز الدول المعادية، مثل الكيان الصهيوني وأميركا، للخطوط الحمراء، فيجب إعادة النظر في استراتيجية المواجهة مع الوضع المستجد”.

وكانت منشأة نطنز النووية الحساسة قد تعرضت إلى هجوم إلكتروني كبير في العام 2010، من خلال نقل فيروس “ستوكس نت” إلى أجهزة الطرد المركزي الموجودة فيها. كما أن طهران أعلنت، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، طردها مفتشة عاملة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لحملها “مواد مريبة” عند دخولها إلى المنشأة.

وسبق “الحريق” في منشأة نطنز، سماع سكان طهران، ليلة 26 يونيو/ حزيران الماضي، دوي انفجارات ضخمة في منطقة بارجين العسكرية، شرق العاصمة الإيرانية. وأعلنت وزارة الدفاع الإيرانية أنها كانت نتيجة انفجار خزان للغاز الصناعي في منطقة مدنية في بارجين، لكنها لم توضح سبب وقوع الانفجار في الخزان. كما أن تقارير إعلامية لمواقع المعارضة الإيرانية ووسائل إعلام غربية، أشارت إلى أن “النور الأحمر الكبير” الذي تصاعد في سماء شرق طهران في تلك الليلة، كان نتيجة وقوع “انفجار في مخازن الصواريخ”، حيث ذكرت وكالة “أسوشييتد برس” أن الانفجار وقع في “منظومة أنفاق تحت الأرض ومواقع لإنتاج الصواريخ”.

وفي السياق، طرحت مصادر إسرائيلية وغربية وإيرانية معارضة فرضيات عدة، منها قصف إسرائيلي وهجوم إلكتروني، إلا أن رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني غلام رضا جلالي أعلن أن السلطات “لم تصل إلى نتيجة نهائية حول وقوع هجوم إلكتروني، ولذلك لا يمكننا الحديث حول ذلك”، معتبراً أن “القضايا السيبرانية معقدة للغاية، ويجب تحليلها بدقة، وبعد ذلك يُعلن عن النتيجة القطعية”.

وبحسب تقديرات الاستخبارات الغربية والإسرائيلية، فإن منطقة خجير الغابية في جبال شرق طهران، تحتوي على مراكز مهمة لتطوير البرنامج الصاروخي الإيراني. وخلال السنوات الماضية، وقعت خلافات بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد دعوات من الأخيرة لفتح مواقع في بارجين للتفتيش، إلا أن السلطات الإيرانية أعلنت أنها “عسكرية وسرية” ولا يمكن السماح بالوصول إليها، نافية ممارسة أنشطة نووية فيها.

والنتيجة، أنه من الصعب التصور بأن الأحداث التي شهدتها إيران أخيراً في منشآتها الحساسة “عادية” ونتيجة “أخطاء”، لأهمية هذه المواقع وتوقيت هذه الحوادث، والفترة الزمنية القصيرة بين الحادثين الأخيرين. لكن في ظل إحالة السلطات أسباب وقوع هذه الحوادث إلى نتائج تحقيقاتها، فستبقى معرفة الأسباب قيد تكهنات وتحليلات لا يمكن الجزم بصحتها.

كما أنه بغض النظر عن الروايات الإيرانية حول هذه الأحداث “الغامضة”، أو الفرضيات المطروحة على الضفة النقيضة، فإن حرباً إلكترونية تجري منذ فترة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، حيث استهدف كل طرف منشآت الآخر، خلال الفترة الماضية، ما يشي بأن فرضية أن تكون الحرب الإلكترونية وراء الحرائق والانفجارات في مواقع إيرانية حساسة، ربما أقوى من بقية الفرضيات المطروحة.

وكانت الحرب الإلكترونية إحدى الفرضيات التي طرحها الجيش الإيراني حول حادثة إصابة سفينة “كنارك” العسكرية بصاروخ من مدمرة “جماران”، خلال تدريبات عسكرية بحرية، خلال مايو/ أيار الماضي، ما أدى إلى مقتل 19 بحاراً وإصابة 15. ورغم أن الاحتمال الأقوى، بحسب السلطات الإيرانية، هو وقوف “خطأ إنساني” وراء الحادث، إلا أن موقع الجيش الإيراني نشر مقطع فيديو، بعد أيام من الحادثة، يتحدث عن أن “ثمة احتمال وجود حرب إلكترونية من قبل العدو”.

علماً أن السلطات الإيرانية لم تعلن بعد عن نتائج تحقيقاتها حولها حتى اليوم. وجاء الحادث البحري بعد أسابيع من تهديدات أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 22 إبريل/ نيسان الماضي، بـ”استهداف” و”تدمير” أي قطعة بحرية إيرانية تقترب من السفن الأميركية في الخليج، وذلك بعد أسبوع من إعلان وزارة الدفاع الأميركية أن زوارق بحريّة إيرانيّة ضايقت سفناً حربية في الخليج.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربی الجدید

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 + 16 =

زر الذهاب إلى الأعلى