المحاولات الأمريكية لحظر تجارة الأسلحة مع إيران والعقبات الدولية
نص الاتفاق النووي أقر بأن هذا الحظر ينتهي في أكتوبر 2020، ليصبح موضوع رفع الحظر محور الاختلاف بين الولايات المتحدة وشركائها السابقين في الاتفاق النووي.

ميدل ايست نيوز: بات واضحًا أن الجدل الأهم على أعتاب الانتخابات الرئاسية الأمريكية سيكون حول ملف تمديد حظر تجارة الأسلحة مع إيران. وكانت عقوبات دولية صادرة بموجب قرارات مجلس الأمن قد فرضت حظرًا تجارة السلاح مع إيران، لكن نص الاتفاق النووي (الذي يعدُّ بدوره وثيقة دولية معترفًا بها من مجلس الأمن) أقر بأن هذا الحظر ينتهي في أكتوبر 2020، ليصبح موضوع رفع الحظر محور الاختلاف بين الولايات المتحدة وشركائها السابقين في الاتفاق النووي.
المحاولات الأمريكية لتمديد الحظر: الطرق المسدودة
في ظل توقع بأن يكون الصيف الجاري مسرحًا لمحاولات الأطراف لحل هذه العقدة، فإن الولايات المتحدة وضمن آخر محطات جهودها، عرضت مشروع قرارها لتمديد الحظر على تجارة الأسلحة مع إيران على أعضاء مجلس الأمن الدولي، بغية تدارسه ومناقشة تفاصيله، وبهدف قيام الأعضاء باقتراح تعديلاتهم على المقترح، ليقدم الجانب الأمريكي نسخة نهائية منه في وقت لاحق.
ومن خلال متابعة مواقف المسؤولين في الإدارة الأمريكية، يمكن استشفاف محاولات أمريكية لوضع ملف تمديد الحظر على تجارة السلاح مع إيران ضمن دائرة القضايا التي لا تهم الإدارة الأمريكية فقط، وإنما يأتي اهتمام الولايات المتحدة بها في إطار التصدي لاحتمال أن تُشكِّل إيران تهديدًا لحلفائها في الاتحاد الأوروبي، ومنطقة الشرق الأوسط. وفي ضوء ذلك أشار وزير الخارجية بومبيو إلى أن إيران سوف تتمكن من تهديد عواصم حلفاء الولايات المتحدة مثل روما، ووارسو، ونيودلهي، والرياض، مؤكدًا أن دعم بلدان الشرق الأوسط لوجهة النظر الأمريكية حول تمديد حظر الأسلحة، يبين قلقًا مشتركًا بين هذه البلدان من تداعيات انتهاء الحظر.
كان الحرص على حشد الدعم الدولي وراء الإصرار الأمريكي على تمديد الحظر؛ وهي العملية التي منحها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول المصدر الإيراني للأسلحة المستخدمة في الهجوم على أرامكو زخمًا كبيرًا، استخدمته الإدارة الأمريكية في حشد الرأي العام العالمي ضد إيران، ونجحت إلى حد واضح في استمالة رأي البلدان الأوروبية التي حملت مواقفها خلال اجتماع مجلس الأمن رغم انتقادها للإدارة الأمريكية؛ وهو ما يمكن اعتباره تأييدًا أوروبيًا لوضع حدود على حصول إيران على الأسلحة.
إلا أن ذلك كان يصحبه موقف أمريكي من منطلق مصالحها كدولة؛ إذ أظهر بومبيو أن انتهاء حظر الأسلحة من شأنه أن يشكل خطرًا جسيمًا على قوات الولايات المتحدة المتواجدة في المنطقة. ومن منطلق هذا القلق، أكد أكثر من مسؤول في الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة، وإن كانت تحرص على أن يأتي تمديد الحظر من منطلق موقف دولي، يستشعر القلق إزاء الخطر الإيراني، لكنها تؤكد أنها تملك الحق في أن تضمن بقاء الحظر على تجارة الأسلحة مع إيران، رغم معارضة أي من البلدان من منطلق أمنها القومي، مبينين أنها ستعمل كل ما في وسعها، وتُفَعِل كل الطرق البديلة التي تمتلكها لضمان تمديد الحظر على تجارة السلاح مع نظام طهران.
وجاءت مواقف الأطراف الأخرى المؤثرة في الملف النووي، وفي مجلس الأمن، غير متناسقة مع الموقف الأمريكي، وغير منسجمة في معارضة ذلك الموقف. وإذا كان الموقف الروسي واضحًا في رفض القرار الأمريكي المقترح؛ إذ أكد ممثل روسيا لدى منظمة الأمم المتحدة أن بلاده تعارض تمديد الحظر جملةً وتفصيلًا، فإن ما أثار استغراب المتابعين هو الموقف الصيني الذي بدا صارمًا هو الآخر في رفض مشروع القرار الأمريكي المقترح، وذلك بالنظر إلى سوابق اتخاذ الصين جانب الصمت في مثل هذه المواقف. ويأتي الموقف الواضح الصيني، بعد موقف مشابه آخر لها أثناء اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ إذ أشارت مصادر أن معارضة صينية عرقلت أربع مرات اتخاذ القرار بشأن مشروع قرار الثلاثي الأوروبي المدين لأنشطة إيران، قبل تبنيه أخيرًا ليتحدث محللون عن معالم تغيير واضح في استراتيجية الصين في الخلاف بين إيران والولايات المتحدة، رابطين ذلك بمشروع التعاون الاستراتيجي الذي يعمل على إقراره البلدان، وهو ما يرجح أن تستخدم بكين ورقة الفيتو ضد أي قرار أمريكي في مجلس الأمن.
أما الثنائي الأوروبي في مجلس الأمن، ورغم انتقادهما لانسحاب الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي، ودفاعهما عن الاتفاق، فإنهما أظهرا رغبة بتمديد حظر تجارة الأسلحة مع إيران، وإن كان بصيغة مختلفة؛ إذ يُرَجَحُ أن يميل الأوروبيون نحو اقتراح مشروع قرار يفرض تمديدًا إلى أجل مسمى (بين ستة أشهر وثلاثة أعوام) على تجارة الأسلحة مع إيران، محاولًا كسب تأييد من طرفي الخلاف على هذا القرار باعتباره حلًا وسطيًا للأزمة.
هل تمتلك واشنطن طرقًا بديلةً تضمن تمديد الحظر؟
رغم مناورة الأمريكيين أكثر من مرة على أن الإدارة الأمريكية تمتلك طرقًا بديلةً لضمان تمديد حظر الأسلحة إلّا أن متابعة المواقف تظهر أن الولايات المتحدة ليس أمامها إلا تجربة نهجين فقط في سبيل تمديد الحظر:
1. إقناع أعضاء مجلس الأمن الدولي باستصدار قرار يتضمن تمديد حظر الأسلحة مع إيران، وذلك استنادًا على الخطوات التي يمكن أن تعتبر خرقًا للقرار 2231. وفي إطار ذلك يمكن للولايات المتحدة الاستناد إلى التجارب الصاروخية التي تقوم بها إيران (وآخرها إطلاق قمر نور الصناعي بواسطة صاروخ باليستي) وإلى تقرير أنطونيو غوتيرش الذي يؤكد أن الصواريخ والمعدات التي تم استخدامها في الهجوم على أرامكو مصدرها إيران. مثل هذا القرار يحتاج إلى موافقة من أغلبية أعضاء مجلس الأمن كما يحتاج إلى عدم استخدام حق النقض من أي من البلدان دائمة العضوية في مجلس الأمن ضده. وإذا كان بإمكان الولايات المتحدة الحصول على أغلبية الأصوات داخل مجلس الأمن، إلا أن غالب الظن أنها لا يمكن أن تتفادى استخدام روسيا والصين حق النقض؛ ما يجعل هذا السبيل مستحيلاً.
2. محاولة استثمار إمكانات الاتفاق النووي المتمثلة في تطبيق “آلية فض النزاع”. وفي إطار ذلك أكد مسؤولون أمريكيون في أكثر من موقف أن الولايات المتحدة يحق لها بوصفها أحد الموقعين على الاتفاق النووي، أو بوصفها أحد الأطراف المذكورين في القرار 2231 أن تتوجه نحو تفعيل آلية فض النزاع (المعروفة بآلية الزناد والتي تشير إلى إحالة الملف الإيراني على مجلس الأمن، وإعادة العقوبات الدولية ضمن سلسلة من الميكانيزمات) لإعادة العقوبات. وإذا كان بإمكان آلية فض النزاع أن تُجنِّب الولايات المتحدة خطر التعرض لحق النقض الروسي أو الصيني (إذ تفيد الآلية بأن قرار إعادة العقوبات الدولية لا يمكن استخدام حق النقض ضده) إلا أنه سيبقى مستبعدًا، إذ ليست إيران وحلفائها (روسيا والصين) هم وحدهم من يؤكدون أن واشنطن لا تمتلك حق تفعيل الآلية، لأنها ليست عضوًا في الاتفاق، وإنما الاتحاد الأوروبي كذلك لا يقر للولايات المتحدة مثل هذا الحق؛ مما يجعل هذا السبيل كذلك مستحيلاً.
في المحصلة يمكن القول إنه ورغم كل الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة في سبيل تمديد الحظر على تجارة الأسلحة مع إيران، فإن السبل التقليدية أمام الولايات المتحدة لتمديد الحظر تبقى مغلقة؛ إذ تمر عبر مجلس الأمن، حيث يرجح أن تستخدم روسيا والصين حق النقض، أو عبر آلية فض النزاع بموجب الاتفاق النووي، حيث تقر الأطراف بأن الإدارة الأمريكية لا يحق لها اللجوء إليها بعد انسحابها من الاتفاق.
القرار الأوروبي في الوكالة؛ الشحنة التي يمكنها أن تغير التوازن
على الرغم من أن المعادلة القائمة، والمستمرة منذ عدة أشهر، تجعل من احتمال حصول الإدارة الأمريكية على فرصة لتمديد الحظر عبر الطرق التقليدية أمرًا مستعصيًا، إلا أن ذلك لا يعني بأية حال انعدام الفرص أمام الولايات المتحدة للحصول على مخرج من الأزمة، يضمن لها نجاحًا جزئيًا، ولكن جوهريا. كما تساعد بعض الظروف المستحدثة الإدارة الأمريكية على ذلك، وتخلق المناخ المناسب للخروج بطريقة حل تضمن تمديد الحظر المفروض على تجارة الأسلحة مع إيران.
ومن ضمن أهم المؤثرات الجديدة التي تعمل على خلق مثل هذا المناخ، تحرك الثلاثي الأوروبي المشارك في الاتفاق النووي لاستصدار قرار من مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لإدانة عدم وفاء إيران بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، ومحاولة إخفاء أنشطة نووية في موقعين سريّين.
وتم إقرار مشروع القرار الذي جاء عقب تقرير قدمه أمين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالأغلبية في مجلس الأمن، رغم تحفظ كل من الصين وروسيا؛ مما دفع الجانب الإيراني إلى إدانة القرار، وسط تلويح من متشددي البرلمان الإيراني بضرورة البت في قرار إلزام الحكومة بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (ما يمكن وصفه مناورات إيرانية لدغدغة مشاعر الأوروبيين، وإثارة قلقهم، عبر التلويح بتصعيد لافت لمنعهم من التحرك خطوات أخرى في مشوارهم الذي يقول خبراء إيرانيون أنه مشوار يُذَكِّرُ الجانبَ الإيراني بمحاولات من الوكالة في عام 2008 تلتها عقوبات دولية مترتبة عليها).
وتحمل محاولة الثلاثي الأوروبي (التي نالت تأييدًا أمريكيًا) باعتبارها خطوة أوروبية تصعيدية، دلالات على مستويين مختلفين:
1. الثلاثي الأوروبي كان بإمكانه أن يعيد الخروقات الإيرانية إلى الدول المشاركة في الاتفاق النووي، في إطار آلية فض النزاع الموجودة داخل نص الاتفاق، باعتبار أن إيران خرقت التزامات تعهدت بها بموجب ذلك الاتفاق. إلا أن عزوف الثلاثي الأوروبي عن سلوك هذا النهج (الذي كانت قد لوحت به سابقًا حين أعلنت في بيان في يناير 2020 قرارها تفعيل آلية الزناد؛ قبل أن تعدل عن القرار لاحقًا) يبين أن الثلاثي الأوروبي لا يرغب في دخول اللعبة الأمريكية التي تحاول إعادة العقوبات الدولية في أسرع وقت ممكن دون التعثر بعقبة الفيتو، وإنما يحاول انتهاج طريق أطول قد يكون الغرض منه ممارسة مزيد من الضغط على النظام الإيراني وحلفائه، دون استفزاز متسرّع يؤدي إلى خروج إيران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT).
2. يقدّم لجوء الثلاثي الأوروبي إلى مجلس الحكام بحدّ ذاته، دفعةً إضافيةً إلى المحاولات الأمريكية لتمديد حظر الأسلحة؛ فالبيان الذي اعتمدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن أن يوفّر مدخلًا لمشروع الإدارة الأمريكية تمديد الحظر على إيران، فهي خطوة تثبت خرق إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي؛ ما من شأنه أن يُمكِّن الولايات المتحدة أو شركائها الأوروبيين من تطبيق آلية فض النزاع بناء على وثيقة صادرة عن منظمة دولية تثبت خرق إيران لالتزامات الاتفاق النووي. وتشير متابعة المواقف الأوروبية إلى أن بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية جاء بإصرار بريطاني؛ إذ شهدت المناقشات داخل أروقة الوكالة صمتًا من جانب ألمانيا وفرنسا فيما أكدت الخارجية البريطانية أن خرق إيران المنهجي والمستمر للاتفاق النووي يعرض الاتفاق لأخطار جسيمة لا يمكنه البقاء معها، محذرة إيران من تداعيات ذلك.
وإذا افترضنا أن الثلاثي الأوروبي لا يرغب في تفعيل آلية الزناد تحت وطأة اختلافات داخلية تحول دون إجماع أعضائه على ذلك، فإن الخطوة الأوروبية الأخيرة يمكن أن تضيف زخما إلى الحملة الأمريكية، وتغير التوازن في اللعبة من خلال حشر حلفاء إيران في الزاوية، ودفعهم باتجاه قبول الحلول الوسطية.
وتتناسب هذه الرؤية مع جهود من داخل الاتحاد الأوروبي، وعبر ممثليه في مجلس الأمن (فرنسا وبريطانيا) لاقتراح حلول وسطية لملف تمديد حظر الأسلحة، تتمثل في تمديد مؤقت للحظر بين ستة أشهر، وثلاثة أعوام.
معالم استراتيجية أمريكية لإدارة الملف
يتبين من خلال متابعة الجهود الأمريكية ومواقف مسؤوليها أن الولايات المتحدة تحاول تخيير المجتمع الدولي بين خيارين؛ أولهما القبول بتمديد حظر تجارة الأسلحة مع إيران من دون دخول تفاصيل عودة العقوبات، وثانيهما التلويح بالعمل على عودة العقوبات الدولية الشاملة.
والتلويح الأمريكي بالعمل على إعادة العقوبات الدولية على إيران يبقى فعالًا (إذ رغم ضآلة احتمال تبني مجلس الأمن قرارًا بهذا الشأن، فإن الجهود الأمريكية قد تؤدي إلى عودة عقوبات دولية فعالة مثل عقوبات الاتحاد الأوروبي، والعقوبات الكندية، وعقوبات الدول الصناعية؛ ما من شأنه أن يضع اقتصاد الصين وروسيا أمام عقبات صعبة حينذاك) لكن فاعلية هذا التلويح الأمريكي ستكون على صعيد الضغط على القوى العظمى لقبول تنازلات في ملف تمديد الحظر.
وفي ضوء ذلك يمكن الحديث عن استراتيجية الإدارة الأمريكية حيال ملف تمديد حظر تجارة الأسلحة مع إيران ضمن المحاور التالية:
1. تبين المواقف الصادرة عن مسؤولين أمريكيين خلال المرحلة الماضية التي شهدت ارتفاع حدة الحملة الأمريكية لتمديد الحظر على إيران، أن الإدارة الأمريكية ما تزال متشبثة بطرق الحل التقليدية لهذا الملف، متمثلةً في محاولة الحصول على قرار من مجلس الأمن، يكفل تمديد حظر الأسلحة، أو محاولة تطبيق آلية فض النزاع داخل إطار الاتفاق النووي؛ وهما طريقان يعانيان عقبات جوهرية.
2. يمكن النظر إلى تلويح الإدارة الأمريكية بإعادة العقوبات الدولية على إيران، في إطار جهودها لتطوير هذه المواقف التقليدية، أو جعلها أكثر قابلية للتطبيق. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية لم تبين طرقها البديلة التي تمنحها إمكانية فرض مثل هذه العقوبات، لكنّ المقصد الواضح من هذه التحذيرات هو تخويف الشركاء في الاتفاق النووي، وتخييرهم بين الرضوخ لمطلب تمديد الحظر، أو المجازفة بإعادة العقوبات الدولية على إيران (وهي عقوبات مؤثرة على الشركاء حتى إن كانت محدودة).
3. تأتي محاولة التلويح الأمريكي بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران أيضًا في إطار استراتيجية لجني الحد الأقصى من الامتيازات، مقابل منح الحد الأدنى منها للطرف الآخر. وفي إطار الامتيازات التي يطالب بها الجانب الآخر يمكن التلميح إلى ربط المتحدث باسم الخارجية الإيرانية تنازل إيران عن مطالبها في الحصول على الأسلحة الحديثة بالتواجد الأمريكي في المنطقة، مؤكدًا أن إيران لن تتنازل عن موقفها في دعم بنيتها العسكرية، ما دام الجانب الأمريكي يصر على الخيار العسكري، ويؤجل انسحاب قواته من المنطقة. وتجدر الإشارة هنا إلى التحليلات التي تؤكد محاولة الصين استغلال الملف الإيراني كورقة ضغط على الإدارة الأمريكية في إطار الأزمة بين البلدين.
ويمكن فهم جزء من التصعيد اللفظي الذي تشنه الولايات المتحدة على إيران ضمن ملف تمديد الحظر، باعتباره محاولة لفرض الحد الأقصى من مطالب واشنطن، مقابل منح الأطراف الأخرى الحد الأدنى من الامتيازات.
كذلك فإن الموقف الأمريكي في رفض طرق الحل الأوروبية التي تقترح تمديدًا مؤقتًا لحظر الأسلحة (إذ جاء ضمنه تأكيد وزير الخارجية الأمريكي على أن ما تتابعه الولايات المتحدة، هو تمديد حظر تجارة الأسلحة مع إيران إلى أجل غير مسمى) يمكن فهمه في إطار النقطة السابقة؛ خصوصًا إذا أخذنا بالحسبان الخلافات الأوروبية بين جهة تقترح تمديدًا لستة أشهر (بغية كسب مزيد من الوقت للدول المؤثرة في الملف للتفاوض) وجهة أخرى، تقترح تمديدًا لنحو 3 سنوات، ليمكن تفسير الرفض الأمريكي حينها في إطار ترجيح كفة الجهات التي تطالب بأمد أطول لتمديد الحظر. ومما يعزز هذا التحليل هو إشارات من داخل الإدارة الأمريكية، هي الأخرى تبين رغبة في تمديد مؤقت ولكن طويل الأمد للحظر يمتد حتى 2031.
وأثناء كل ذلك، يبقى طريق الحل الأمثل أمام الولايات المتحدة، هو استخدام الورقة البريطانية لتفعيل آلية فض النزاع بموجب الاتفاق النووي، فهو الطريق الأمثل أمام الولايات المتحدة لإعادة فرض العقوبات و/أو لاستخدام ذلك لاستخراج قرار بتمديد الحظر على تجارة الأسلحة مع إيران من مجلس الأمن. ومما يجعل ذلك الطريق النهج الأمثل (إلى جانب كونه نهجًا يسهل الطريق أمام جهود أمريكا، ويجنبها عقبة الفيتو الروسي، أو الصيني في مجلس الأمن) هو أن الموقف البريطاني يبقى الموقف الأقرب للإدارة الأمريكية، كما هو واضح من خلال مواقف بريطانية سابقة، وكما هو واضح من خلال إصرار بريطانيا على قيام الثلاثي الأوروبي باقتراح مشروع قرار لإدانة إيران من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن وبالرغم من ذلك لا تُظهر التطورات تحركا أمريكيا باتجاه سلوك هذا النهج، وذلك قد يكون لعدة أسباب محتملة، منها عدم وعي صانع القرار الأمريكي بهذا الخيار، أو عدم رغبة الجانب البريطاني في شق العصا الأوروبية، وتوتير العلاقات مع شريكيها الألماني والفرنسي، أو رغبة الإدارة الأمريكية في منح دور محوري لحلفائها الخليجيين في هذا الجهد عبر مجلس الأمن، وذلك استنادًا إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الدور الإيراني في هجمات آرامكو، وهو ما يعني أيضًا إشراكهم في تحمل الكلفة الاقتصادية المحتملة لإقناع روسيا والصين بتمرير مثل هذا القرار في مجلس الأمن.
السيناريوهات
في إطار الجهود الأمريكية لتمديد الحظر على تجارة الأسلحة مع إيران والعقبات الدولية التي تقف أمام تلك المحاولات، ومواقف كل من الشركاء في هذا الملف، يمكن الإشارة إلى السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: إصدار قرار من مجلس الأمن بتمديد الحظر، وفق وجهة النظر الأمريكية، وهو السيناريو المثالي لدى الأمريكيين؛ إذ تُسخِّر الإدارة الأمريكية كل طاقتها في سبيل إقناع مختلف الدول الأعضاء في المجلس وخصوصًا تلك التي تتمتع بحق النقض بتمرير القرار، وتتحمل الدول العربية الحليفة لواشنطن الكلف الاقتصادية اللازمة لتعويض روسيا والصين عن عقود التسليح الموقعة مع الجانب الإيراني؛ ما من شأنه أن يغلق الأبواب أمام التطلعات الإيرانية بخصوص تحديث منظومات الأسلحة التقليدية. ورغم أن الإدارة الأمريكية تحاول استخدام أوراق ضغط مؤثرة في هذا الجهد، منها التلويح بإعادة فرض عقوبات دولية على إيران، إلا أن الظاهر من موقف روسيا والصين -حتى الآن- أنهما سيستخدمان حق النقض ضد مثل هذا المشروع؛ مما يجعل السيناريو مستبعدًا.
السيناريو الثاني: أن تتمكن الولايات المتحدة من تفعيل آلية فض النزاع بشكل مباشر. وهذا السيناريو كذلك تلوِّح جهات في الإدارة الأمريكية إلى أن بإمكانها تطبيقه. ويبقى هذا السيناريو مُستَبعدًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن تفعيل الآلية متاح لشركاء الاتفاق النووي فقط؛ ما يجعل الولايات المتحدة غير قادرة على استخدامها بعد الانسحاب الرسمي من الاتفاق، إلا في حال عودتها إليه، وهو كذلك أمر لا يبدو ممكنًا. وفي إطار نفس السيناريو، تؤكد الإدارة الأمريكية أن بإمكانها تطبيق الآلية، بوصفها عضوًا موقعًا على قرار 2231، إلا أن ذلك يعاني من عقبات قانونية؛ ما يجعله شبه مغلق بوجه الإدارة الأمريكية.
السيناريو الثالث: أن تستفيد الولايات المتحدة من أوراق ضغطها في سبيل إقناع الأطراف المختلفة بقبول طرق حلّ وسطية. وعلى الرغم من التلويح الأمريكي برفض مثل هذه الطرق، إلا أن ذلك يمكن اعتباره خطوة في التمهيد لقبول مثل هذه الوساطات التي يبدو أن أهمها تأتي من الثلاثي الأوروبي الذي يقترح تمديدًا مؤقتاً بين 6 أشهر و3 سنوات للحظر. وهذا السيناريو يواجه عقبة الاعتراض الصيني والروسي المحتمل عليه، لكن المؤثرات الأخرى يمكن أن تجعل منه سيناريو محتملًا، خصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار الشحنة التي أضافها قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى حملة تمديد الحظر.
السيناريو الرابع: دفع الجانب البريطاني باتجاه تفعيل آلية فض النزاع بموجب الاتفاق النووي؛ إذ يبدو أنه سيناريو ممكن في ضوء تحرك بريطانيا باتجاه استخراج قرار وكالة الطاقة الذرية، كما في ضوء التقارب بين الموقفين الأمريكي والبريطاني. وهذا السيناريو من شأنه هدم الاتفاق النووي بشكل كامل، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الاتفاق النووي من حيث عودة كل العقوبات الدولية على إيران، ومنها العقوبات المفروضة على تجارة الأسلحة. وهو موقف لا يفضله الجانب الأوروبي الذي يعتريه القلق من خروج إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ويتم استبعاده في إطار لعبة “من ينسحب أولاً” التي يمارسها الجانب الإيراني والجانب الأوروبي إزاء الاتفاق النووي. ولهذا يمكن للإدارة الأمريكية أيضًا استخدام الخيار البريطاني ليس لتطبيقه، بل ليضيف دفعةً مؤثرةً يمكن استخدامها في حملة الولايات المتحدة لتمديد الحظر عبر مجلس الأمن، ويمكن لمناورة كهذه أن تكون مؤثرة مفصليًا في إنجاح الحملة الأمريكية، أو في تغليب الحلول الوسطية.