كيف ستُدار ملفات التصعيد بين طهران وواشنطن؟

لا واشنطن تريد رفع بعض العقوبات لتشجع طهران على العودة إلى طاولة التفاوض، ولا إيران تقبل بلقاء أميركي-إيراني وهي ترزح تحت نير هذه العقوبات.

ميدل ايست نيوز: مع اقتراب موعد رفع حظر شراء الأسلحة المفروض على إيران، والذي تنتهي مدته في الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2020، تعود المواجهة الإيرانية-الأميركية الى الساحة الدولية مرة أخرى لتأخذ وجوهًا وأبعادًا جديدة، فبعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي) في مايو/أيار 2018، سعت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى تشديد العقوبات على طهران لدفعها للجلوس من جديد إلى الطاولة مفاوضات وإنجاز اتفاق آخر قد يشمل ملفات أخرى غير تلك التي تضمَّنها الاتفاق النووي وفي مقدمتها البرنامج الصاروخي، ونفوذ إيران الإقليمي إضافة إلى تعديلات لبعض بنود الاتفاق بشأن الشقِّ المتعلق بالمدة الزمنية اللازمة لعودة النشاط النووي الإيراني دون قيود.

وتعلم الإدارة الأميركية أن امتلاك إيران لأوراق نفوذ في المنطقة، وبرنامج صاروخي يصل مداه، بحسب ما تعلن إيران، ألفي كيلومتر، يشكِّل نقاطًا مهمة في ضبط إيقاع علاقتها المتوترة مع واشنطن؛ فطهران التي تقول إنها تتعرض لأقصى عقوبات في تاريخها بعد الثورة تصرُّ على أن العقوبات لن تدفعها للتنازل والخضوع للضغوط الأميركية.

تأتي مواقف الطرفين صارمة، فلا واشنطن تريد رفع بعض العقوبات لتشجع طهران على العودة إلى طاولة التفاوض، ولا إيران تقبل بلقاء أميركي-إيراني وهي ترزح تحت نير هذه العقوبات.

تناقش هذه الورقة ما يعنيه رفع حظر التسلح بالنسبة لطهران، وتبحث الأسئلة التي يطرحها الوضع القائم اليوم حول الطريقة التي ستتم بها معالجة ملفات التصعيد، وهل يعني ذلك انتهاء الدبلوماسية ودخول الطرفين المرحلة اللاحقة لانتفاء الحل التفاوضي، والمقصود هنا المواجهة المباشرة، أم أن طرق المواجهة قد تختلف؟ وما أساليب الضغط الجديدة التي قد تلجأ إليها إدارة الرئيس، ترامب؟ وكيف سيكون رد الفعل الإيراني على ذلك؟ وفي الإجابة عن ذلك، تضع الورقة مجموعة من السيناريوهات التي قد تلجأ إليها طهران لمعالجة هذه الملفات.

قواعد جديدة للعبة قديمة

تصرُّ واشنطن على مواصلة ضغوطها على إيران والذهاب أبعد من ذلك بإفشال ما تبقى من الاتفاق النووي حتى يخرج بشكل كامل من دائرة الحسابات السياسية في تعامل المجتمع الدولي مع إيران، وقد تكون الاستراتيجية الأميركية الحالية هي دفع إيران للانسحاب رسميًّا من الاتفاق النووي لتقلِّص من دائرة التعاطف الدولي الذي توفره مظلة الاتفاق بالحد الأدنى.

ويبدو أن ساسة طهران قد فهموا اللعبة ولم ينجرُّوا إلى الاستفزاز الأميركي كونهم يعلمون أن تداعيات ذلك قد تكون لغير صالحهم وقد تُفقدهم خطوة كهذه الدعم الدولي حتى من قِبل دول تتقاطع بشكل كبير في وجهات نظرها مع طهران بشأن الاتفاق النووي كروسيا والصين فضلًا عن الدعم السياسي الأوروبي الخجول في مواجهة واشنطن؛ وهو ما قد يجرُّ عواقب متعددة منها عودة العقوبات الدولية الأربعة السابقة، ووضع البرنامج النووي الإيراني تحت الفصل السابع كمهدِّد للسلم العالمي.

وقد دفع التأني الإيراني في التعامل مع التحركات الأميركية وعدم الانجرار إلى دائرة الاستفزاز الأميركي الإدارةَ الأميركيةَ إلى تغيير قواعد اللعبة مع إيران سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الأمني.

المواجهة في أروقة المنظمات الدولية

كان موضوع العقوبات على قطاع التسلح في إيران من الملفات التي بحثها الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1)؛ فالعقوبات على هذا القطاع كانت تؤطَّر بقرارين دوليين صادرين عن مجلس الأمن، القرار 1747 الصادر عام 2007، والقرار 1929 الصادر عام 2010، وكلاهما يمنعان عقد صفقات مع ايران في مجال الأسلحة الهجومية أو أن تكون إيران مصدرًا للسلاح وإيصاله إلى مناطق خارج الحدود الإيرانية.

ونصَّ الاتفاق النووي الموقَّع بين إيران والدول الست (الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والصين، وألمانيا) في فقرته الخامسة من الملحق (ب) على رفع العقوبات المرتبطة بالتسلح بعد خمس سنوات على توقيع الاتفاق، ومعه ستُلغى جميع القرارات الدولية الصادرة بهذا الشأن، ويكتسب تنفيذ هذا البند حساسية مهمة وأهمية كبرى لدى إيران.

إن تفعيل هذا البند سيسهم في إعطاء ديمومة للاتفاق النووي ويعوِّض -وإن بشكل محدود- إيران عن الانتكاسات التي واجهتها السياسة الأوروبية في دفع الولايات المتحدة الأميركية للتخفيف من عقوباتها على إيران، وقد أكد ذلك الرئيس الإيراني، حسن روحاني، حينما قال: إن رفع حظر التسلح عن إيران يعتبر إنجازًا مهمًّا للاتفاق النووي، والنقطة الأساس هي أنه سيحافظ على أمل مواصلة التفاوض بين إيران والثلاثي الأوروبي (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) على أرضية الاتفاق النووي. لكن تفعيل الشق الخاص بالتسلح من الاتفاق النووي يبقى مرفوضًا بشكل كامل من قبل واشنطن بل تسعى لتمديده وهو ما يطرح سؤالًا حول مستقبل هذا البند، في ظل التجاذب بين طهران وواشنطن.

الولايات المتحدة وقرار حظر التسلح

كان الموقف الأميركي واضحًا من قرار حظر التسليح على إيران وتجميد البند الخاص بذلك في القرار الدولي 2231، وعبَّر عن ذلك بشكل واضح وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، حينما طالب مجلس الأمن بتمديده إلى أجل غير محدد، بل ذهبت الإدارة الأميركية في تحركاتها إلى أبعد من ذلك بتقديم مشروع مقترح بهذا الشأن، وهو ما يجعل كثيرًا من القضايا مرهونًا بمدى نجاح المساعي الأميركية.

ما هو واضح إلى الآن أن تحرك الإدارة الأميركية يحظى بدعم أوروبي في ضرورة تمديد حظر التسلح على إيران مع فرق بسيط هو أن الجانب الأوروبي يرى تمديده إلى عام 2023، وهذا التناغم الأميركي/الأوروبي لم يجد له دعمًا من قبل الثنائي الروسي/الصيني، فالدولتان أعلنتا رسميًّا رفضهما لأي توجه قد يزيد من حدة التوتر مع إيران أو يسهم في إفشال الاتفاق النووي.

خيارات واشنطن السياسية

يبقى الخيار العملي على المستوى السياسي الذي تعمل عليه الإدارة الأميركية هو التفكير في إعادة ملف إيران إلى مجلس الأمن من خلال فتح ملفات متنوعة:

1- على قاعدة التسلح ومساهمته في زيادة التهديد الإيراني للمنطقة: هناك من قرأ تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الهجوم الصاروخي على شركة أرامكو السعودية، والإشارة لأن الصواريخ والطائرات المسيَّرة التي استهدفت أرامكو هي إيرانية، على أنه تحرُّك موجه بالدرجة الأولى إلى فقرة حظر التسليح على إيران في القرار الدولي 2231 وتوجيه رسالة ذات مضمون أميركي على أن رفع قيود التسلح عن إيران قد يشكِّل زعزعة للاستقرار الإقليمي، وقد يكون ذلك مدخلًا مهمًّا لتوفير إجماع إقليمي وعالمي لوقف تنفيذ الفقرة الخامسة من الملحق (ب) من القرار الدولي 2231، وعلَّقت الخارجية الإيرانية على خطوة الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيرش” بأن ما جاء في مضمون التقرير افتراءات لها أهداف سياسية أخرى.

2- إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية: وقد يؤدي هذا الملف إلى عودة الملف النووي الإيراني من جديد إلى مجلس الأمن، وهو ما سيشكِّل ضغطًا إضافيًّا على إيران؛ فقد صادق مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماعه الأخير على بيان الثلاثي، الفرنسي-البريطاني-الألماني، بشأن دعوة إيران للتعاون بشكل كامل مع الوكالة، وتقديم توضيحات بشأن بعض المواقع النووية وقد يكون إرجاع ملف إيران إلى مجلس الأمن من بوابة الوكالة أمرًا سهلًا نوعًا ما، أولًا: لغياب قانون الفيتو في مجلس حكام الوكالة، أي إن روسيا والصين اللتين عارضتا البيان الأوروبي لن تكونا قادرتين قانونيًّا على منع ذلك، والنقطة الثانية أن أغلب أعضاء حكام الوكالة قد يميلون لوجهة النظر الأميركية كما ظهر ذلك من خلال التصويت الأخير؛ الأمر الذي لا تستبعده طهران حيث قال مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية: إن هناك إمكانية لنقل ملف طهران إلى مجلس الأمن.

إيران وخيارات الرد

لم يعد مجلس الأمن بالشكل الذي ترغب فيه واشنطن بأن يكون مقرًّا لتمرير قراراتها أو قرارات حلفائها، فالدور الروسي والصيني تعاظم بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة وأصبحت الدولتان في موقع سياسي يسمح لهما باستخدام حق النقض “الفيتو” متى ما تعارضت مشاريع القرارات مع مصالحهما، والملف الإيراني قد يُصنَّف ضمن الملفات التي قد تكون مدعومة بفيتو روسي/صيني، وهو ما يعيق التحركات الأميركية في مجلس الأمن، وقد يكون الجانب الأوروبي يبحث عن حلول خارج سياق مجلس الأمن واستراتيجيته في ذلك هي انتظار ما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات الأميركية؛ فهو لا يرغب في الوصول إلى نقطة عدم العودة في الاتفاق النووي ويسعى للإبقاء عليه كونه يشكِّل دعامة لعدد من الملفات الأمنية في المنطقة، مثل: تجارة المخدرات، والهجرة، والتوتر الإقليمي.

ويبقى السؤال مطروحًا بشأن خيارات طهران إذا ما جرى تمديد حظر التسلح عليها ويتضمن الجواب عددًا من السيناريوهات التي يمكن أن تلجأ إليها طهران في حال حرمانها من إحدى أهم مزايا الاتفاق النووي.

سيناريوهات إيران المحتملة

يبدو تمرير قرار جديد لحظر التسلح على إيران عبر مجلس الأمن أمرًا مستبعدًا لمعارضة كل من روسيا والصين لهذا القرار وقد يُبطلانه باستخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن، لكن المسؤولين الإيرانيين لا يُسقطون أي احتمال من حساباتهم السياسية؛ لذلك تحدثوا عن خيارات للرد على أي قرار يستهدف بند التسلح في القرار الدولي 2231، ويتمحور الحديث الإيراني بشأن هذا الموضوع حول رد وصفوه بالحازم وأن الجهات الأوروبية تعلم طبيعة هذا الرد، ورغم غياب معطيات واضحة عن طبيعة ما يمكن أن تقدم عليه إيران فإن هناك احتمالات عديدة يتم تداولها، وأبرزها:

1-وقف العمل بالملحق الإضافي لمعاهدة الحد من الانتشار النووي، وقد يكون هذا هو أسهل خيار قد تلجأ إليه طهران، وهو ما قد يُعتبر خفضًا جديدًا لالتزاماتها في الاتفاق وهذه المرة يطول الشق السياسي منه، بعدما طالت خطواتها السابقة الشق التقني، وتنفيذ هذا القرار سيحرم الوكالة الدولية للطاقة الذرية من سهولة وسلاسة الوصول إلى المنشآت النووية، وسيعقِّد عمل مفتشي الوكالة ما يعني أنه سيصعِّب على المنظمة الدولية مراقبة البرنامج النووي الإيراني كما تقوم بها حاليًّا.

2-خطوات أخرى قد تتخذها إيران في الشق التقني لبرنامجها النووي، وقد يشمل ذلك رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وعودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم بمستوى 20%، أو تطوير مفاعل أراك وفق نسخته القديمة قبل التوقيع على الاتفاق، فالمفاعل القديم كان قادرًا على إنتاج 10 كيلوغرامات من البلوتونيوم وكان من النقاط الأساسية التي فاوضت مجموعة (5+1) طهران عليها واتفقتا على تحويل طبيعة المفاعل إلى آخر جديد ينتج كيلوغرامًا واحدًا من البلوتونيوم في السنة.

3-خطوات قد تكون أكثر حدة يمكن أن تقدم عليها إيران، وهي الانسحاب من الاتفاق النووي بشكل كامل، أو الانسحاب من معاهدة الحد من الانتشار النووي وهي خيارات قد تكون صعبة وتعني تقنيًّا فكَّ الارتباط بشكل كامل للبرنامج النووي الإيراني مع المنظومة التي أوجدها اتفاق 2015.

تبقى هذه السيناريوهات مطروحة نظريًّا أما تنفيذها فلربما تأخذ إيران بعين الاعتبار الوضع الدولي الحاكم حاليًّا وكذلك الوضع الذي يحكم الانتخابات الأميركية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وبهذا الشأن كان المساعد السياسي لوزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، واضحًا حينما دعا بألا تكون إيران ضحية للانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية، فضلًا عن استشارات حلفائها في الاتفاق النووي، الصين وروسيا، وكذلك الموقف الأوروبي الراغب في الحفاظ على الاتفاق والذي يترقب ما يمكن أن يحدث من تغيير في الإدارة الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

تبقى هذه هي الخيارات المطروحة لدى إيران للرد على خرق الفقرة الخامسة من الملحق (ب) في القرار الدولي 2231 والخاص بالتسلح من قبل الدول الأعضاء في الاتفاق النووي، ويبقى احتمال رفع الحظر عن التسلح الإيراني في موعده المقرر في أكتوبر/تشرين الأول 2020 قائمًا، فماذا يعني ذلك؟

إيران ورفع حظر التسلح

قد تكون إيران معنية بالدرجة الأولى بالمواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، والسعي لتحقيق مكسب سياسي وإحراج الإدارة الأميركية في أروقة المنظمات الدولية، فالخطوة قد تشكِّل إجماعًا جديدًا داعمًا للاتفاق النووي، وقد تغلق كل الاحتمالات السيئة لمصير الاتفاق النووي وتدفع لفتح خطوط جديدة لمواصلة التفاوض على تنفيذ بقايا الاتفاق النووي.

وعلى المستوى العملي، سيجعل رفع حظر التسلح إيران تتحرك بشكل مريح ورسمي في سوق السلاح العالمية سواء كمستورد للسلاح أو كمصدِّر له:

1-لَفَتَ التقرير السنوي حول التسلح في إيران لأن رفع حظر التسلح عليها سيدفعها لاقتناء أسلحة، تشمل أسطولها الجوي الحربي، ودفاعات جوية وأسلحة تعزز بها قدرات قواتها البرية. ويبقى أهم موضوع تركز عليه إيران كمرحلة أولى هو تحديث أسطولها الجوي بطائرات أكثر تطورًا وتتم الإشارة إلى طائرات سوخوي 30 (SU-30) وأخرى تابعة للصين وهي مقاتلات جيه 10 (J10)، وبحسب تصريح للمدير التنفيذي لمؤسسة الصناعات الجوية في القوات المسلحة الإيرانية، العميد عبد الكريم بني طرفي، فإن إيران تلقَّت عروضًا روسية وصينية في هذا المجال(20)، وهذا الأمر يفرض نفسه على القوات المسلحة الإيرانية لأسباب عدة تتمثل بعمر المقاتلات الإيرانية الحالية، وارتفاع ميزانية تحديثها، واستنزاف هذه الطائرات خلال حرب الثماني سنوات مع العراق، لذلك قد يكون تحديث الأسطول الجوي الإيراني أولوية ملحَّة لإيران. وهناك احتياجات أخرى قد تسعى إيران لتأمينها بعد رفع الحظر وتشمل شراء منظومات دفاع جوية أكثر تطورًا من قبيل إس-400 (S-400) الروسية ومنظومة الدفاع المتحركة باستيون-ب (K-300P Bastion-P) ودبابات تي 90 الروسية.

2- وهناك هدف بالغ الأهمية سيتحقق إذا رُفع حظر التسلح عن إيران، وهو أن تتحول إلى مصدِّر للأسلحة وبشكل رسمي، وألَّا يبقى التصنيع العسكري في إيران مسخَّرًا فقط للسوق الداخلية، وهذه المسألة قد تكون مهمة لإيران من جانبين، هما:

-إيصال الأسلحة لحلفائها في المنطقة بشكل يتماشى مع القوانين والمقررات الدولية، وهو ما يفتح الباب لإيران مثلًا لتسليح الجيش اللبناني دون أن تكون هناك مخاوف أو ضغوط على الحكومة اللبنانية؛ فقد سبق لطهران أن عرضت على لبنان تقديم مساعدات عسكرية له عام 2010، لكن العقوبات الدولية المفروضة على إيران كانت الحائل أمام ذلك، والأمر قد يشمل حلفاء آخرين لإيران كسوريا، فالاتفاق العسكري الذي وقَّعته طهران مع دمشق ينص على تطوير منظومة الدفاع الجوي السوري وتعاون استراتيجي في المجال العسكري، وقد يطول هذا التعامل العراق واليمن.

قد تكون إيران غير قادرة على تصدير تقنياتها الصاروخية البالستية في الوقت الحالي وهي من أهم ما تملكه إيران عسكريًّا، فالعقوبات التي تطول المجال الصاروخي ستبقى متواصلة إلى 2023 بناء على القرار الدولي 2231، وتبقى سوق الأسلحة التقليدية مفتوحة أمام إيران وتشمل أنواعًا مختلفة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وحتى الثقيلة. ويبدو أن إيران مستعدة لعرض تقنياتها في مجال الطائرات المسيرة أو منظومات الدفاع الجوي محلية الصنع كباور 373 وسوم خرداد والأسلحة الخفيفة الأخرى.

قد يكون الجدل الإيراني-الأميركي بشأن حظر التسلح يأخذ في العلن بُعدًا سياسيًّا من خلال التحاكم إلى قواعد العلاقات الدولية والمؤسسات الدولية والقرارات الصادرة عنها، وهذا يشكِّل السيناريو العلني للتحركات، أما سيناريوهات المواجهة خارج أروقة الدبلوماسية فتبقى متعددة كذلك.

عندما تنتهي الدبلوماسية

لم تتمكن الوساطة التي أطلقتها جهات متعددة دولية أو إقليمية من دفع إيران إلى الجلوس مرة أخرى على طاولة مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية وذلك في ظل عقوبات أميركية تصفها طهران بالأشد منذ انتصار الثورة، وتبقى الأنظار دائمًا تبحث عمَّا بعد الدبلوماسية، هل تصدق المقولة الشهيرة: “تبدأ الحرب عند انتهاء الدبلوماسية”، لا أحد يرجِّح كفة الحرب المباشرة بين إيران وواشنطن ولكن في الوقت ذاته لا أحد ينفيها بالمطلق، فمسؤول ملف إيران في الخارجية الأميركية، بريان هوك، قال: إن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة للتعامل مع إيران، لترد إيران على ذلك عبر خارجيتها بأن هذا الخيار أصبح عفنًا فهو لسنوات على طاولة الرؤساء الأميركيين.

هذا الجدل الكلامي لا ينفي احتمالًا لمواجهة بين البلدين خاصة في ظل ما كشفت عنه نيويورك تايمز من وجود مخطط إسرائيلي/أميركي لاستهداف قادة في الحرس الثوري الإيراني، وبكل تأكيد فأي استهداف من هذا القبيل في هذه المرحلة سيزيد من منسوب التوتر وربما قد يجر الطرفين إلى مواجهة مباشرة أو مواجهة في مناطق اشتباك للدولتين والتي تمتد من أفغانستان إلى العراق وسوريا واليمن والمياه الخليجية، ووضع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الداخل الأميركي مع قرب الاستحقاق الرئاسي قد يجعله يتخذ خيارات متطرفة أيًّا كان ثمنها بهدف البقاء في السُّلطة لسنوات أربعة أخرى.

حرب الجيل الجديد

قد تكون على أجندة الولايات المتحدة الأميركية سيناريوهات أخرى لمواجهة إيران بالشراكة مع إسرائيل، وذلك دون اللجوء إلى الحرب الخشنة، والسيناريو الأكثر تداولًا هو الحرب السيبرانية والتي ستشكِّل واجهة صراع أخرى بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، وبرز هذا الأسلوب بشكل كبير في التفجير الذي تعرضت له منشأة نظنز النووية واستهدف مقرًّا لصناعة وتطوير أجهزة الطرد المركزي، وقبله كان انفجار في موقع بارجين العسكري. وإلى الآن لم يصدر عن إيران أي موقف يتهم جهة معينة بالضلوع في الحدث لكن الأنظار اتجهت لإسرائيل.

قد نشهد تحركات بصيغة جديدة هدفها تعطيل البرنامج النووي الإيراني أو تأخيره لفترة زمنية محددة، وقد تزداد حدة هذا التحرك إذا ما فشلت كل الخيارات السياسية لوقف البرنامج النووي أو إعادة إيران لطاولة حوار جديدة لصياغة اتفاق جديد قد تكون قيوده أشد صرامة من الاتفاق النووي الموقَّع عام 2015.

وتبقى مسألة كيف ومتى تمت تفجيرات نظنز وبارجين غير مهمة بقدر أهمية تحديد هوية الفاعل وهو ما تنتظر الجهات الأمنية في إيران الكشف عنه، وقد لا تبقى إيران مكتوفة الأيدي أمام هذا النوع الجديد من المواجهات التي يمكن أن يُصطلح عليها بحروب الجيل الجديد، فقد توعدت بالرد على مصدر الهجوم؛ ما يجعل المرحلة المقبلة عبارة عن صراع تحت مظلة الشبكة العنكبوتية، فالولايات المتحدة الأميركية تبحث وبأقل التكاليف إرباك كل حسابات إيران النووية التي تراهن عليها من خلال إعادة تفعيل برنامجها النووي بسرعة لتصل إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، وكسب أوراق تفاوضية قوية يمكن أن تشكِّل مقدمة جديدة لفتح نافذة تفاوض مع الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، أما واشنطن فهي تسعى لأن تسحب من إيران كل ما يمكن أن يشكِّل قوة تفاوضية لديها حتى تكون جاهزة للقبول بالشروط الأميركية، وقد تلجأ إيران إلى الرد بالشكل المتناسب على الحرب السيبرانية التي تتعرض لها، ويبدو أن الهجمات التي أعلنت عنها إسرائيل واستهدفت منشآت مائية بها قد تكون جزءًا من تبادل الرسائل بين طهران وتل أبيب وواشنطن من باب الحرب السيبرانية.

خلاصة

تريد الولايات المتحدة الأميركية، وبالأخصِّ إدارة الرئيس، دونالد ترامب، أن تفرض أمرًا واقعًا على إيران حتى تتجاوب مع المطالب الأميركية المتمثلة في مفاوضات جديدة واتفاق جديد يحمل توقيع ترامب.

وقد يُفهم من تحركات الإدارة الأميركية أنها تعمل على تنويع أساليب تعاملها مع الملف الإيراني، وذلك عبر شقين رئيسين: شقٍّ سياسي عبر تحريك المؤسسات الدولية ضد طهران فضلًا عن سعي واشنطن لسلب الملف الإيراني قوة الإجماع السياسي الذي كسبه بعد الاتفاق النووي، وشقٍّ أمني عسكري وذلك بالتلويح بخيارات خشنة قد يكون سيناريو المواجهة المباشرة أحد عناصرها، أو ضرب البرنامج النووي الإيراني وحتى البرنامج الصاروخي بصيغ تقنية جديدة تكون تكلفتها غير باهظة على المستوى المادي أو السياسي لكن نتائجها قد تحقق ما لا يمكن للنزاع المسلح تحقيقه.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
مركز الجزيرة للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى