استقالة حتي.. احتدام المنافسة بين فرنسا وإيران في لبنان؟
أثارت استقالة وزير الخارجية اللبناني، ناصيف حتي، تساؤلات عن الخلفيات والتداعيات.
ميدل ايست نيوز: أثارت استقالة وزير الخارجية اللبناني، ناصيف حتي، تساؤلات عن الخلفيات والتداعيات، في توقيت حرج للغاية تمر به البلاد الغارقة بأزمة اقتصادية.
ولم يوضح حتّي في رسالة الاستقالة سبب اتخاذه القرار، مكتفيا بالتلميح إلى “إجهاض” أطراف لم يسمها لـ”آماله”، وبالتشديد على أنه لم يكن لـ”يساوم” على مبادئه، محذرا من انزلاق البلاد إلى “دولة فاشلة”، وسط غياب إرادة لتحقيق إصلاحات يطلبها المجتمعان المحلي والدولي.
وختم حتّي بالقول: “لقد شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة، إن لم يجتمعوا حول مصلحة الشعب اللبناني وإنقاذه، فإن المركب لا سمح الله سيغرق بالجميع، حمى الله لبنان وشعبه”.
ووسط اتفاق مراقبين على استبعاد انفراط عقد الحكومة إثر الاستقالة، بالنظر إلى عدم تشكيل “حتّي” ثقلا حزبيا، إلا أن توقيتها يعكس احتمال دخول البلاد مرحلة أكثر تأزما، سواء باحتدام التجاذب الخارجي بامتداداته الداخلية، أو على خلفية القرار المرتقب للمحكمة الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق “رفيق الحريري”.
بعد زيارة “لودريان”
وفي حديث لـ”عربي21″، رجح الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، طلال عتريسي، أن تقف مجموعة عوامل وراء استقالة وزير الخارجية، أهمها الخلاف مع رئيس الوزراء، حسان دياب، على تقدير زيارة وزير الخارجة الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى بيروت، الأسبوع الماضي.
وأوضح عتريسي أن حتّي رأى في الزيارة خطوة إيجابية تعكس اهتماما مستمرا من قبل فرنسا والغرب عموما بلبنان، فيما كان تقدير دياب سلبيا، على اعتبار أن باريس غائبة عن المشهد ولا تدرك حجم التحديات التي تواجهها الحكومة.
ويعكس ذلك التحليل وجود إرهاصات لاحتدام المنافسة بين فرنسا وإيران على النفوذ في البلد الغارق بالأزمات الاقتصادية.
لكن المحلل السياسي، عماد شمعون، استبعد ممارسة باريس لأية ضغوط على “حتّي”، ورجّح أن تكون استقالة الأخير مرتبطة بنطق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بحكمها في قضية اغتيال الحريري، الجمعة، وما قد يترتب على القرار من “إحراج” داخليا وخارجيا.
وبدوره قلل “عتريسي” من تأثير قرار المحكمة الدولية على موقف حتّي، مشددا على أن الأخير لم يكن ليتأثر به، بالنظر إلى نأيه المسبق عن التجاذبات الحزبية داخليا، وضعف أدائه الدبلوماسي خارجيا.
وأوضح عتريسي أن جملة من الأسباب ربما دفعت حتّي إلى الاستقالة، بما فيها أيضا تجاوزه بتكليف اللواء عباس إبراهيم، مدير جهاز الأمن العام، بمهام خارجية، مؤكدا ذلك درجت عليه العادة في حكومات سابقة أيضا.
جدير بالذكر أن مهام “إبراهيم” تتداخل بشكل كبير مع علاقات بيروت وطهران، من بوابة الملف السوري، الذي تتناغم فيه مواقف حزب الله وعون، رغم الاعتراضات الغربية.
وبشأن احتمال ممارسة “حزب الله” ضغوطا على الوزير المستقيل، استبعد عتريسي ذلك، مشددا على اهتمام الحزب وحرصه على تماسك الحكومة.
وكان سمير جعجع، زعيم حزب “القوات اللبنانية”، قد أعرب، في 29 تموز/ يوليو الماضي، أي بعيد زيارة “لودريان” إلى البلاد، عن استيائه إزاء ما قال إنها مساع لتعكير صفو العلاقات بين البلدين، في تلميح إلى حدوث توتر على خلفية الزيارة، واحتدام معركة النفوذ الخارجي ذو الأبعاد الداخلية.
انفراط العقد؟
وفور الإعلان عن الاستقالة، صدرت العديد من التعليقات عن سياسيين معارضين للتوليفة الحالية، ترحب بخطوة “حتّي” وتبشر بانفراط عقد الحكومة التي تنسب لحزب الله والتيار الوطني الحر، الذي يتزعمه فعليا رئيس الجمهورية، ميشال عون.
وفي حديثه لـ”عربي21″، استبعد “شمعون” أن يلحق وزراء آخرون بركب وزير الخارجية، مؤكدا أن البقية “ثابتون إلى حد كبير”.
وأوضح “شمعون” أن حالة “حتّي” مختلفة نوعا ما، إذ إنه لم يكن عضوا في التيار الوطني الحر، بل ربطته علاقة شخصية وحسب بالرئيس عون، فضلا عن كونه دبلوماسيا مخضرما.
وأضاف: “الموقف فردي بحت والحكومة لن تنهار، فخيارات الوزراء محسومة وهم يعرفون بأي ظرف تولوا هذه المناصب”.
واتفق “عتريسي” على استبعاد انهيار الحكومة، وعلى تقدير موقف “حتّي”، موضحا أن سياسيين من بينهم جعجع، ورئيس الوزراء السابق، سعد الحريري، يريدان خلق أجواء تهيئ لانهيار التوليفة الحاكمة، عبر تصريحات تبشر باستقالات أخرى.
وبدوره، علّق “شمعون” على اختيار “شربل وهبة”، المستشار الدبلوماسي للرئيس اللبناني، لتولي حقيقة الخارجية، بالقول إن ذلك “يؤكد المؤكد بأن الحكومة لا تعبر عن الشارع ومطالبه، وكونها مختطفة”، فيما اعتبر “عتريسي” أن الاختيار طبيعي، وأن سرعة صدور الموافقة على الاستقالة وتعيين خلف لـ”حتّي” إشارات على عدم وجود أزمة وأن الأمور سارت بشكل سلس.