عن أزمة غاز شرق البحر المتوسط
تشير المعطيات الحالية إلى أن هناك خريطة جديدة يجري تشكيلها حاليا لسوق الغاز الطبيعي على مستوى العالم.
میدل ایست نیوز: تشير المعطيات الحالية إلى أن هناك خريطة جديدة يجري تشكيلها حاليا لسوق الغاز الطبيعي على مستوى العالم، سواء بالنسبة للمنتجين والمستهلكين، أو الطلب المتوقع، أو الأسعار. علما أن السعر والطلب على الغاز وصلا إلى أدنى مستوياتهما التاريخية خلال العام الجاري، بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها العالم حاليا من تفشي وباء كورونا الذي قلل الطلب على مصادر الطاقة، سواء النفط أو الغاز، كما قلل الطلب على المواد الخام الأخرى بمعدلات كبيرة بسبب تباطؤ أنشطة المصانع في الاقتصاديات الكبرى، الصين والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وغيرها، وحدوث شلل في أدوات الإنتاج، وإغلاق الحدود، وتراجع حركة الطيران والسفر وغيرها.
على مستوى المنتجين للغاز، رأينا مؤخرا كيف أن دولاً جديدة انضمت إلى قائمة الدول المنتجة، وكيف أن دولاً أخرى رفعت إنتاجها من الغاز الطبيعي بمعدلات كبيرة مثل قطر، أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، والتي تخطط لزيادة إنتاجها بنسبة 64% بحلول العام 2027، وكذا الولايات المتحدة التي باتت تنافس الغاز الروسي على سوق أوروبا.
في حين أعلنت دول ثالثة عن رصد مليارات الدولارات لتشجيع التنقيب عن الغاز وزيادة صادراتها منه مثل السعودية والعراق وإيران وأستراليا وماليزيا ودول أفريقية في مقدمتها نيجيريا وغيرها من الدول، خاصة مع زيادة الطلب المتوقع على الغاز بعد انتهاء أزمة وباء كورونا باعتباره من مصادر الطاقة النظيفة.
مصر باتت لديها فرصة أكبر لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي والتحول إلى مركز اقليمي للطاقة في شمال أفريقيا، حيث تملك حقل ظهر، الذي يصنف على أنه واحد من أكبر حقول إنتاج الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط. كما تشير الاكتشافات الأخيرة إلى أن مصر تمتلك فرصا ضخمة لإنتاج المزيد من الغاز وتصديره، سواء من المياه الإقليمية في البحر المتوسط أو في الصحراء الشرقية والغربية ومنطقة خليج السويس، وربما لاحقا اكتشافات ضخمة في مياه البحر الأحمر، حيث الدراسات مبشرة.
وقبل أيام، أعلنت تركيا التي تعد واحدة من أكبر مشتري الطاقة حول العالم أنها ستتحول من مستهلك كبير للغاز الطبيعي إلى منتج له في غضون سنوات، وربما ستتحول إلى مصدّر مستقبلا مع اكتشاف أكبر احتياطيات للغاز في تاريخها في البحر الأسود، بحجم مبدئي يقدر بنحو 320 مليار متر مكعب، وهذه الكمية تقدر قيمتها بنحو 65 مليار دولار وتغطي الاستهلاك المحلي لنحو 8 سنوات.
وبموازاة ذلك، كشفت مصادر تركية الأسبوع الماضي عن أنه تم العثور على ما بين 800 مليار و26 تريليون متر مكعب من الغاز في المياه الإقليمية التركية، وأن هذه الاحتياطيات ستكفي البلاد لمدة 20 سنة. وهناك بوادر قوية لاكتشافات أخرى قبالة سواحل تركيا في البحر المتوسط.
وفي حال صدقت هذه التوقعات، فإن تركيا ستتوقف عن شراء الغاز الروسي وغيره من الكميات الضخمة التي تستوردها من العديد من الدول بما فيها إيران وأذربيجان، وربما تصدر الغاز لاحقا إلى منطقة أوروبا المتعطشة له، خاصة في فصل الشتاء.
وهناك فرص ضخمة أمام ليبيا لإنتاج كميات ضخمة من الغاز، حيث إن البلاد تعوم على بحار من مصادر الطاقة، كما تعوم مياهها الإقليمية في البحر المتوسط على واحد من أكبر حقول إنتاج الغاز، كما تقول بعض الدراسات الحديثة التي تقدر احتياطي البلاد من الغاز بنحو 54.6 تريليون قدم مكعبة، ما يضعها في المرتبة 21 عالميا من احتياطيات الغاز. لكن ليبيا بحاجة إلى استقرار أمني وسياسي حقيقي، وليس هشاً، لتحقيق هذه الطفرة في إنتاج الطاقة بشقيها النفط والغاز.
وفي حال حل النزاعات الحالية على مواقع إنتاج الغاز الطبيعي بشكل ودي بين دول شرق المتوسط، واستخدام لغة الحوار في حسم الخلافات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية والمياه الاقليمية، فإن هذه الدول ستتحول إلى منتج كبير للغاز في ظل ضخامة الاحتياطيات المتوقعة، والتي قدّرتها دراسة في عام 2010، بنحو 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز، و1.7 مليار برميل من النفط، وإن كانت دراسات أخرى حديثة توقعت أرقاما أعلى من ذلك بكثير وتقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات.
وفي حالة حسم النزاعات القائمة بين دول المتوسط بالطرق الودية وحسب القانون الدولي، ربما تدخل كل من مصر وتركيا وقبرص واليونان ولبنان وسورية وتونس سوق تصدير الغاز الطبيعي وبقوة في المستقبل، خاصة لدول شمال البحر المتوسط، أما دول شمال أوروبا فتتنافس عليها روسيا والولايات المتحدة بإنتاجهما الضخم من الغاز.
أما فلسطين التي تمتلك حقول غاز ضخمة قبالة سواحل قطاع غزة على البحر المتوسط مثل حقل تمار الواقع على بعد 50 كم فقط من سواحل حيفا، فإن إسرائيل تواصل السطو على تلك الحقول ونهبها والتصدير منها تحت أعين كل دول العالم، بل وتصدير الغاز المنهوب من فلسطين ولبنان إلى دول عربية، وربما لاحقا السلطة الفلسطينية.
مصطفى عبد السلام