السعودية تمنع “دفتر الشيكات” عن حلفاء تخلوا عنها في أزماتها

يقول مراقبون إن الرياض تصارع لكسب الاحترام، وإن دورها البارز في العالم الإسلامي يواجه تحديات متزايدة من منافسيها.

ميدل ايست نيوز: من باكستان إلى لبنان، بدأت السعودية في تقليص الاستعانة بدبلوماسية دفتر الشيكات التي اشتهرت بها، وهي سياسة لطالما اعتمدتها السعودية وتقوم على نثر دولاراتها البترولية مقابل تحصيل النفوذ وتحقيق الأغراض، غير أن مراقبين يقولون إنها لم تعد تحقق سوى القليل من المكاسب الملموسة.

فعلى مدى عقود، ضخّت المملكة الغنية مليارات من المساعدات إلى حلفائها وأعداء أعدائها؛ في محاولةٍ لتعزيز مكانتها كقوة عربية بارزة وزعيمة للعالم الإسلامي.

لكن، وفي الوقت الذي أخذ فيه انخفاض الطلب على النفط يستنزف العائدات، شرعت المملكة في إعادة التفكير في التحالفات القديمة، التي يقول مراقبون سعوديون إنها ما انفكت تبتلع أموالهم في حين لا تقدم سوى القليل بالمقابل، لا سيما في وقتٍ يواجه فيه سعيها للسيطرة الإقليمية تحدياً متزايداً من منافسيها، إيران وتركيا وقطر، بحسب تقرير لموقع The Times of Israel الإسرائيلي.

النفط وكورونا يغيران سياسة الرياض

وفي هذا الصدد، تقول ياسمين فاروق، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن عدداً من الدول الإقليمية، من الأردن ولبنان إلى مصر وباكستان، بالإضافة إلى الفلسطينيين، كانت على رأس المتلقين للمساعدات السعودية على مدى العقد الماضي.

وتذهب فاروق إلى أن “التأثير الاقتصادي للضربة المزدوجة المتمثلة في جائحة كورونا، إلى جانب الانخفاض الحاد في أسعار النفط، قد يدفع بالمملكة إلى إعادة هيكلة مساعداتها وترشيدها أوجه إنفاقها”.

وتضيف فاروق أن “الدولة السعودية بدأت السعي بالفعل إلى إنهاء التصور السائد عنها على أنها (ماكينة صراف آلي)”.

إذ على الرغم من أن المملكة أسهمت بمليارات في إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية، فإنها أخذت تعرب بعد ذلك عن إحباطها من الفشل في كبح جماح حزب الله، التنظيم القوي الذي تدعمه عدوها اللدود إيران.

وفي هذا السياق، يقول كاتب العمود الصحفي، السعودي خالد السليمان، في مقال حديث له بصحيفة عكاظ الموالية للحكومة، إن “السعودية لن تستمر في دفع فواتير حزب الله، وعلى اللبنانيين تحمُّل مسؤولياتهم تجاه بلادهم”.

وكتب يقول: “لم يعد ممكناً أن تستمر السعودية في دفع المليارات للبنان صباحاً وتلقي الشتائم على شاشاته ليلاً”.

وأضاف: “هذا الوضع لم يعد يتناسب مع المرحلة الجديدة للسياسة الخارجية السعودية، فالمال السعودي لا يهبط من السماء ولا ينبت في الصحراء”.

“الحفلة انتهت”

من جهة أخرى، تبدو المملكة منزعجة من باكستان، التي أخذت تضغط على حليفها طويل الأمد، الرياض، لاتخاذ موقف حازم من الأزمة في منطقة كشمير المتنازع عليها مع الهند، وتهديدها بنقل القضية إلى منتديات إسلامية أخرى.

تهديدٌ كهذا يثير قلق السعودية على نحو خاص، إذ إنها الدولة التي تضم أقدس المواقع الإسلامية وتعتبر نفسها زعيمة العالم الإسلامي.

وكان مصدر دبلوماسي صرّح لوكالة AFP بأن المملكة طالبت باكستان مؤخراً بردِّ مليار دولار من قرض بقيمة 3 مليارات دولار، رغم أن الأخيرة تعاني ضائقة مالية، كما أن السعودية قررت عدم تجديد تسهيل ائتماني نفطي بمليارات الدولارات، كانت قد اتفقت عليه مع إسلام آباد، بعد انتهاء صلاحيته.

وفيما يتعلق بذلك، كتب علي الشهابي، وهو كاتب ومحلل سعودي، على موقع تويتر: “النخب السعودية لديها عادة سيئة تتعلق بأخذ الدعم السعودي على أنه أمر مسلّمٌ به، مستندةً في ذلك إلى ما دأبت السعودية على فعله لباكستان على مدى عقود. حسناً، الحفلة انتهت، وعلى باكستان تقديم التقدير المناسب لهذه العلاقة من جانبها. فالأمر لم يعد وجبة غداء مجانية أو شارعاً يتحرك في اتجاه واحد”.

وعلى النحو نفسه، كتب الأمير السعودي طلال محمد عبدالله الفيصل، إن علاقات الرياض مع باكستان كانت تاريخياً “حميمة للغاية”، غير أنها كانت غير متوازنة.

وأضاف: “فقد كانت تفيد جانباً واحداً فقط بمقاييس (عالم المصالح الواقعي). هذا الجانب هو باكستان”.

“خُذوا أموالهم”

باكستان ومصر، وهما حليفان آخران لطالما تلقيا مساعدات بمليارات الدولارات من السعودية، ومع ذلك فقد رفضتا الدعوات السعودية للمشاركة بقوات برية لدعم الحملة العسكرية التي قادتها السعودية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المرتبطين بإيران.

وما زاد الطين بلةً وفاقمَ الغضب في الرياض، أن تسجيلاً صوتياً تم تسريبه في عام 2015، نسمع فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وهو يسخر من القوى الخليجية، ومنها السعودية، قائلاً: “يا عم، الفلوس عندهم زي [مثل] الرز”.

وقد تكرر الشعور نفسه عندما ردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كلاماً مشابهاً في عام 2018، أثناء استضافته ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المكتب البيضاوي، وعلّق وقتها رسماً بيانياً يُدرج مبيعات معدات عسكرية للرياض يقدر ثمنها بمليارات الدولارات.

وفي غمار تصريحات أخرى له عن السعودية، قال ترامب في العام التالي، لشبكة NBC News: “خذوا أموالهم”، مستخدماً هذا كتبريرٍ لدعم حكام المملكة بعد حادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي التي أثارت انتقادات عالمية للسعودية.

وفي النهاية، يقول مراقبون إن الرياض تصارع لكسب الاحترام، وإن دورها البارز في العالم الإسلامي يواجه تحديات متزايدة من منافسيها.

وتقول ياسمين فاروق، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن السعوديين يتفاقم استياؤهم مما يرون أنه “نكران للجميل” من حلفائهم.

وأضافت فاروق أن الدول التي لطالما استفادت من الهبات السعودية، ومنها الأردن ولبنان والفلسطينيون، “بدأت بالفعل تشهد حالات جمّدت السعودية فيها المساعدات أو قلّصتها أو قطعتها على نحو تام”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
عربي بست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى