مصير إدلب ومنبج وتل رفعت في بازار المساومات التركية – الروسية

صيغة المساومة تتوافق مع إعطاء موسكو «قطعة من إدلب مقابل جزء من الأراضي الشمالية الشرقية».

ميدل ايست نيوز: كشف خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيميونوف، عن معايير صفقة محتملة بين روسيا وتركيا حول إدلب ومنبج وتل رفعت شمال سوريا.

وقال سيميونوف للصحيفة الروسية المحلية «نيزافيسيمايا غازيتا» إن صيغة المساومة تتوافق مع إعطاء موسكو «قطعة من إدلب مقابل جزء من الأراضي الشمالية الشرقية».

وأضاف: «خلال المشاورات الروسية – التركية الأخيرة، قيل هذا بكل صراحة: مقابل انسحاب القوات التركية من المناطق الواقعة جنوب الطريق السريع M4 في إدلب، طالبت أنقرة بتسليمها منبج وتل رفعت. من المهم التأكيد على سبب إصرار تركيا على ذلك. فإذا كانت تركيا أخفقت، كما يشير الجانب الروسي، في تنفيذ الاتفاقات بشأنM4، فبحسب أنقرة، لم تفِ موسكو بالتزاماتها بشأن منبج وتل رفعت».

«المواجهة انتهت»

ورجح الخبير الروسي «أن يرفع ضامنو التسوية السورية الرهان في الحديث حول تقسيم إدلب، حتى تنشأ ظروف أكثر ملاءمة للمساومة». وحول تجدد المساومة حول مصير إدلب السورية، كتب إيغور سوبوتين، في الصحيفة المحلية ذاتها «قد يؤدي الوضع في محافظة إدلب السورية، التي تسيطر على معظمها المعارضة الموالية لتركيا جنباً إلى جنب مع الجماعات المتطرفة، إلى تعقد العلاقات بين روسيا وتركيا مرة أخرى. ويبدو أن أنقرة تعزز وجودها العسكري في المنطقة».

وتزامن الكشف عن وجود مساومة تركية – روسية، حيال المناطق الشمالية مع وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، محافظة إدلب ومحيطها الداخلة ضمن مناطق النفوذ التركي ومنطقة شرق الفرات بـ «البؤر الساخنة».

وقال لافروف «إن المواجهة العسكرية بين الحكومة السورية والمعارضة انتهت، وما تبقى من بؤر ساخنة هي إدلب التي تسيطر على أراضيها «تحرير الشام» ومنطقة شرق الفرات، حيث انضمت القوات الأمريكية المتمركزة بشكل غير قانوني إلى القوات الانفصالية»، وأضاف خلال مقابلة تلفزيونية «إن القوات الأمريكية تلعب بشكل غير مسؤول مع الأكراد. لقد أدخلوا شركة النفط الأمريكية وبدأوا في ضخ النفط لاحتياجاتهم الخاصة بدون احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن 2254».

وكان مصدر تركي مطلع قد كشف في وقت سابق أن الوفدين العسكريين التركي والروسي لم يتوصلا خلال اجتماعهما يوم الأربعاء الماضي في مقر وزارة الدفاع التركية بأنقرة لأي تفاهم بشأن الوضع في إدلب.

وقال المصدر التركي لوكالة إعلام روسية إن «تركيا لم تتجاوب مع مطالب الجانب الروسي بالانسحاب من نقاط المراقبة بمحافظة إدلب شمالي سوريا مقترحة تسليمها مدينتي تل رفعت ومنبج، الأمر الذي لم يلق ردًا إيجابيًا من الجانب الروسي».

نفوذ في المتوسط

وتوصف العلاقة بين تركيا وروسيا بالعلاقات المعقَّدة، التي فرضتها ظروف الواقع، رغم ما بين الطرفين من تناقضات سياسيَّة. وفي هذا الإطار اعتبر الخبير السياسي عبيدة فارس أن التعاون المشترك بين الجانبين قد دخل في نسق تصاعدي مع مطلع 2016 عقب حادثة إسقاط طائرة حربيَّة روسيَّة قرب الحدود التركية – السورية، عن طريق استهدافها من قبل مقاتلة تركيَّة.

فعلى الرغم من القطيعة التي جاءت كرد على هذا التطوُّر، إلا أن العلاقات «عادت للانفراج وتطوَّرت بشكل تدريجي، بيد أنَّ عام 2020 عرف توتُّرات عديدة بين موسكو وأنقرة، كانت ساحتها ليبيا وسوريا».

ولخّص المتحدث لـ»القدس العربي» الأسباب التي دفعت الجانبين إلى التقارب والتعاون بجملة نقاط أهمها «الطموح الروسي بإيجاد نفوذ في منطقة البحر المتوسط، وهو ما يستلزم التنسيق مع مختلف الدول الفاعلة في هذه المنطقة. ورغبة روسيا بإيجاد شريك دولي حقيقي لإنجاز حل سياسي في سوريا وفق رؤية موسكو، وهذا يستلزم العمل مع تركيا صاحبة التأثير الأكبر لدى المعارضة السورية والفصائل العسكرية التابعة لها».

كما تحدث عن المساعي الروسيَّة لخلخلة حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن طريق العمل المشترك مع تركيا التي تمثِّل حماية متقدمِّة للخاصرة الجنوبيَّة للحلف. والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهي علاقات حيويَّة لكليهما على المدى القصير وعلى المدى الاستراتيجي. إضافة إلى الملف العسكري وحاجة تركيا للحصول على منظومة صواريخ دفاع جوي متطوِّرة، بالإضافة إلى بناء محطَّات نوويَّة.

أما بالنسبة للعوامل التي ساهمت في ظهور توتُّر في العلاقات بين الجانبين، فقال فارس إن من أهمها الإصرار الروسي على حسم مصير الطرقات الدوليَّة في محافظة إدلب، وعلى وجه التحديد طريق M4، وهو ما من شأنه الإضرار بالمصالح التركية.

ووقوف البلدين على طرفي نقيض في الملف الليبي، حيث تقوم روسيا بدعم اللواء خليفة حفتر، في حين دخلت تركيا في تحالف استراتيجي مع حكومة الوفاق الوطني، وقد شكَّل ملف حوض سرت أحد أهم المحطَّات الخلافيَّة بين موسكو وأنقرة في ليبيا. إضافة إلى الخطوات التركية في مجال الطاقة وتحديداً الغاز، سواءٌ التنقيب عن الطاقة في البحر المتوسط أو الإعلان عن اكتشاف حقول غاز في البحر الأسود، بالإضافة إلى اتِّجاه تركيا للبحث عن مصادر جديدة للغاز في أذربيجان وقطر ودول إفريقيا.

هذه الخطوات من شأنها أن تؤثِّر على واحد من أهم روابط العلاقة بين أنقرة وموسكو، خاصة بحسب رؤية الخبير «بعدما تراجعت مبيعات الغاز الروسي إلى تركيا لأدنى مستوى لها منذ تسعينيات القرن العشرين، حيث وصلت إلى 42% بما يعادل 9 مليارات متر مكعب، إضافة إلى سعي أنقرة لتكون منصَّة لتوزيع الغاز إلى الدول الأوربيَّة، وهذا يشكِّل بحدِّ ذاته إضراراً بالمصالح الروسيَّة، حيث يحوِّل أنقرة إلى منافس حقيقي بالنسبة لموسكو على السوق الأوروبيَّة».

تدوير الزوايا

ورغم التوتُّرات وتعارض المصالح بين الطرفين في بعض المحطَّات، إلا أنَّهما وفقاً للخبير السياسي عبيدة فارس لا يزالان يمتلكان الرغبة في الحفاظ على علاقات متوازنة، والعمل على تدوير زوايا الخلاف قدر الإمكان بهدف إتاحة المجال لاستمرار التعاون، وذلك نتيجة دوافع اقتصاديَّة وسياسيَّة عديدة سبق ذكرها.

وحول مستقبل العلاقات بين الجانبين، يقول المتحدث لـ»القدس العربي»، ان هذه العلاقات واتخاذها شكلاً سلبيَّاً أو إيجابيَّاً مرتبط بمؤثِّرات عديدة أولها القدرة على الوصول إلى تفاهم متكامل حول الملف السوري، سواء في منطقة شمال غربي سوريا أو شمال شرقي سوريا ومسار العمليَّة السياسيَّة، وعلى وجه الخصوص آلية تعاطي روسيا مع مستقبل ومصير قوات سوريا الديمقراطية. وشكل العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وما إذا كانت ستتَّجه إلى التحسن في ظل فوز ترامب الذي يمتلك علاقة جيدة مع أردوغان بولاية رئاسية ثانية، أو وصول «بايدن» الديمقراطي إلى البيت الأبيض.

إضافة إلى الموقف الروسي من الصراع الحاصل في حوض شرق المتوسط، فقد ظهرت مؤشِّرات مؤخراً تشير إلى تقارب روسي مع قبرص وفرنسا على حساب تركيا، إذ أنَّ التعاطي الروسي النهائي مع هذا الملف سينعكس على العلاقة بين تركيا وروسيا. والتعاطي الروسي مع الهواجس الأمنيَّة والمصالح التركيَّة في سوريا، ومدى التصلب أو المرونة بخصوص الدور التركي في الملف السوري.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى