هل التحركات الأميركية الأخيرة تمهيد لوجود عسكري إسرائيلي في المنطقة؟

تشهد المنطقة هذه الأيام أجواء ترقب وحذر شديد، تشوبها مخاوف من احتمال اندلاع مواجهة عسكرية، ولم يسبق أن مرّت المنطقة بمثل هذه الأجواء المقلقة.

ميدل ايست نيوز: تشهد المنطقة هذه الأيام أجواء ترقب وحذر شديد، تشوبها مخاوف من احتمال اندلاع مواجهة عسكرية، ولم يسبق أن مرّت المنطقة بمثل هذه الأجواء المقلقة، حتى عندما اغتالت واشنطن يوم 3 يناير/كانون الثاني 2020 أبرز الجنرالات الإيرانية، قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في ضربة جوية في بغداد، حيث كانت المنطقة بانتظار الردّ الإيراني على الاغتيال.

تؤكد كلّ من واشنطن وطهران على حدّ سواء أنهما لا تسعيان إلى الحرب، لكن من الطريف في الوقت ذاته، أنهما تتهمان البعض بالسعي لإشعالها، وهي اتهامات لها مؤشرات على أرض الواقع تدعمها. فمن جهة، استقدمت الولايات المتحدة معدات حربية استراتيجية إلى المنطقة، في مقدمتها قاذفات B52 الاستراتيجية، والغواصة النووية.

ومن جهة أخرى، تتعرض المصالح الأميركية في العراق، الساحة الساخنة للمواجهة هذه الأيام، لهجمات يومية خلال الأسابيع الأخيرة، اشتدت خلال هذه الأيام، وسط اتهامات أميركية لطهران بالوقوف وراءها ودفع حلفائها العراقيين في “الحشد الشعبي” إلى تنفيذها، غير أنها أيضاً في الوقت نفسه، تتهم واشنطن بـ”خلق ذرائع في العراق لإشعال الحرب حسب المعلومات القادمة”، كما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تغريدة قبل يومين.

ما يرفع حظوظ نشوء مواجهة بين إيران والولايات المتحدة، استقدام الأخيرة تلك المعدات الحربية المتقدمة، وسط قيام القوات الأميركية في المنطقة بتحركات عسكرية تصفها طهران بأنها “مشبوهة ومريبة”، فعليه يمكن إرجاع الخطوة الأميركية إلى واحد من الاحتمالات الثلاثة الآتية:

الاحتمال الأول اعتزام الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب في آخر أيام ولايته توجيه ضربات عسكرية “مؤلمة” إلى طهران تستهدف منشآتها النووية والعسكرية الحساسة. هذا التكهن هو ما يرجحه مراقبون في الغرب والمنطقة وإيران أيضاً. فمنذ نحو شهرين تقريباً، وحتى قبل اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تسربت معلومات من الإدارة الأميركية إلى وسائل إعلام أميركية بشأن مناقشة الفريق الأمني للإدارة سيناريوهات وخيارات لتوجيه ضربات إلى إيران بحضور الرئيس ترامب، لكن حينها قيلت إن الخطط المعروضة واجهت رفضاً من ترامب، غير أنّ هذه التسريبات المتكررة شكلت نقطة بداية للتكهنات بشأن احتمال لجوء واشنطن إلى مهاجمة طهران في أيام ترامب الأخيرة، فلا يستبعد أن يكون الهدف منها التحضير الإعلامي لهجوم محتمل.

وعن دوافع ترامب الذي خسر نتائج الانتخابات، وهو في وضع عصبي صعب للقبول بها، يقول مراقبون، وكذلك مسؤولون إيرانيون، إنه في حال شنّه حرباً على منشآت إيرانية، فالهدف هو تفخيخ طريق خلفه جو بايدن، وتصفير أي فرصة لعودته إلى الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات “الشاملة والتاريخية” التي فرضها ترامب على إيران منذ انسحابه من الاتفاق يوم 8 مايو/ أيار 2018. وتتهم طهران الاحتلال الإسرائيلي ودولاً خليجية بدفع الإدارة الأميركية الراهنة إلى استغلال هذا التوقيت الانتقالي في الولايات المتحدة وشنّ هجمات على إيران.

غير أنّ إرجاع هذه الهجمات، إن وقعت فعلاً، إلى رغبة ترامب وفريقه قد لا يكون صائباً، وهو تقليل من أهمية الأمر ودلالاته، فخطوة كهذه على الأغلب ستكون ناتجة من قرار النظام الأميركي ككلّ، وليس مجرد قرار لرئيس مثير للجدل، فاختيار هذا التوقيت مرده وضع ترامب في الواجهة ليتحمل هو وحده مسؤولية الأمر، بغية كبح الردود الإيرانية واحتوائها لمنع نشوب حرب واسعة، تحت ذريعة أن الإدارة الأميركية المقبلة تعارضها، وأن هذه الحرب قرار فردي لترامب.

فضلاً عن ذلك، فإنّ الهدف من أي هجمات محتملة سيكون أكبر من مجرد منع بايدن من العودة إلى الاتفاق النووي، بل السعي إلى إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى بداياته في تسعينيات القرن الماضي، عبر تدمير المنشآت النووية الإيرانية الحساسة التي استغرق بناؤها عقوداً من الزمن.

وهنا لا يخفى أنّ الكيان الإسرائيلي أكثر تحمساً لهذا الأمر، وكما يذكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري في مذكراته، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكاماً في المنطقة، قد شجعوا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على شنّ هجوم على إيران، فلم يجدوا آذاناً صاغية، واتخذ أوباما مساراً معاكساً، واتبع الدبلوماسية، وتوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران، لكن هذه الآذان بوجود ترامب صاغية اليوم.

وهنا يرى مراقبون إيرانيون أنه إذا كانت لدى ترامب نية لهذه الحرب فعلاً، فعلى الأغلب ستعمل إدارته على توفير المسوغات والذرائع اللازمة لها، مثل استدراج حلفاء إيران إلى شنّ هجمات على القوات الأميركية تخلف عدداً من القتلى.

أما الاحتمال الثاني، فهو أنّ وضعية الحرب التي اتخذتها الولايات المتحدة في المنطقة مجرد “تصرف رادع”، بمعنى أنّ أجهزة الاستخبارات الأميركية قد تكون توصلت إلى قناعة، سواء من خلال تلقيها معلومات مؤكدة أو تحليلات، أن إيران في الذكرى الأولى لاغتيال سليماني، وخصوصاً بعد اغتيال عالمها النووي، تعمل على استغلال الفترة الانتقالية لتسليم السلطة في الولايات المتحدة وتقدم على تنفيذ “انتقام صعب” على هذه الاغتيالات، سواء ضد القوات الأميركية في المنطقة أو أهداف إسرائيلية مثلاً في البحر الأبيض المتوسط من حقول الغاز.

وعلى الرغم من تأكيد إيران أنّ “أعداءها” يحاولون استدراجها إلى مواجهة هي لا تسعى إليها، فما يعزز هذا الاحتمال أن قوة الردع الإيرانية قد أصابتها أضرار بالغة نتيجة هذه الاغتيالات، والحضور الإسرائيلي المكثف إلى الحدود الإيرانية في الخليج بعد التطبيع مع الإمارات والبحرين، وطفرة في العلاقات مع السعودية، وكذلك في القوقاز الجنوبي بعد الدعم الكبير الذي تلقته دولة أذربيجان من تل أبيب في حربها الأخيرة مع أرمينيا.

وعليه، ليس مستبعداً أن تدفع مخاوف إيران من تآكل قوتها الرادعة إلى اتخاذ قرار بالردّ على هذه التصرفات للحؤول دون تكرارها مستقبلاً، واستعادة الردع، وخصوصاً أن وصول بايدن إلى السلطة يقلّل من فرص تنفيذ أعمال انتقامية على ما ارتكبه سلفه ترامب، ولا سيما أن طهران حينئذ تأمل أن تتخذ الإدارة الأميركية المقبلة مساراً مغايراً لمسار الإدارة الراهنة، وعليه فإن تأجيل الرد على أعمال ترامب إلى عهد بايدن من شأنه أن يدفع الأخير إلى مواصلة استراتيجية “الضغط الأقصى”.

لكن الاحتمال الثالث هو التحضير الأميركي للتأسيس لوجود عسكري إسرائيلي في المنطقة، من خلال إثارة فضاء حربي نفسي للتستر على ذلك، والانتقال بالعلاقات المطبعة بين تل أبيب وعواصم خليجية إلى مرحلة التحالف العسكري، وسط حديث عن مساعٍ إسرائيلية لإنشاء قواعد في الإمارات، ولعل الأنباء عن توجه غواصة إسرائيلية إلى الخليج خلال الأيام الماضية تعزز هذه الفرضية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى